لقد اشرنا في أكثر من مرة إلى أن النظام الاقتصادي الإسلامي يستمد ضوابطه وحيثياته من هذه الشريعة السمحة القائمة على الأخلاق الفاضلة بالدرجة الأولى والتي غايتها هي سعادة الإنسان وتحريره من قيود التبعية والانقياد وتحرير لقمة عيشة من الهيمنة والسيطرة وذلك من خلال أخلاقيات ليست متوفرة في غيرة من النظم الوضعية ، فالامانه والصدق والمنافسة الشريفة وحرية الإرادة وعدم الغش والبعد عن الغبن والغرر والاكراه والتناجش والتحاسد والاحتكار والاكتناز وغيرها من الضوابط الأخلاقية هي أساسيات التعامل الاقتصادي الإسلامي وهي ما يميز السوق الاقتصادية الإسلامية عن غيرها من الأسواق ، ولكن بالمقابل نرى كم هي أنانية تلك النظم الاقتصادية الوضعية التي فرضتها القوة العسكرية والهيمنة المادية على العالم فاقتصاد السوق الذي يسير في فلكه العالم اليوم ليس له هدف سوى تكديس راس المال وتجميع الأموال في جيوب فئة على حساب فئة أخرى مما أوجد فئات احتكارية عمياء لا تأبه لما يصيب غيرها من البشر متذرعة بان ما تجنيه هو نتاج جهدها وتعبها وذكاءها مما جعل العالم يئن تحت وطأة الفقر والحاجة والحرمان فهناك اليوم الملايين من الجياع في أرجاء العالم ونرى كثرة الفقراء في المناطق ذات الوفره في الأغذية والموارد الأولية كأفريقيا واسيا ولكنها تحت الهيمنة والسيطرة المادية الغربية ، ان هذه السلوكيات صبغت نظام السوق الذي يمنح الفرد الحرية المطلقة على حساب الجماعة صبغته بأخلاقيات مرفوضة من قبل العقلاء وأصحاب المنطق السليم، ففي اقتصادنا الإسلامي مثلا لا ينبغي للمسلم ان ينام شبعان وجارة بجانبه يئن من الجوع ، وكذلك فان المسلم يشعر بان ما اتي من مال ما هو إلا اختبار من الله عز وجل ليس علية سوى أن يقوم به خير القيام فيؤدي حقه ويعطي الفقير منه ما أمر الله بة لأن علاقته بهذا المال إنما هي علاقة استخلاف ليس إلا ، ليس له الحرية المطلقة للتصرف به كما يشاء مسببا الضرر بالمجتمع والأمة …، إن أخلاقيات الاقتصاد في الإسلام كثيرة وعديدة ولكن بمقارنتها بأخلاقيات نظام السوق نجد كم من الظلم والاضطهاد يعانيه ملايين الناس جراء طغيان العقلية الرأسمالية الفردية المادية فهل يعقل أن يمتلك 10% من شعب ما ما قيمته 90% من الدخل القومي وال 90% الباقية من الشعب يملكون 10% فقط من إجمالي الناتج القومي الإجمالي ….؟؟؟؟ . أين عدالة التوزيع في هذه المذاهب الاقتصادية الطاغية ، أضف الى ذلك بان 1/6 من سكان الأرض هم دون خط الفقر لا يملكون قوت يومهم ولا ما يسترهم من قيض الحر أو برد الشتاء بينما تعيش بعض الشعوب برفاهية لا يكاد العقل البشري يتخيلها في بعض الأحيان .. كل ذلك سببه غياب الضوابط الأخلاقية والقيم السامية والمثل العليا !!
والذي زاد من الفجوة الاقتصادية بين الأمم والشعوب هو ظهور ما سمي بالعولمة والتي لاشك إنها ووفقا لأراء الكثيرين من المفكرين والباحثين هي اقتصادية المنشأ والأصل كان الهدف منها في البداية هو تحويل العالم كله إلى سوق واحدة يسود فيها النظام الرأسمالي المبني على المنافسة الهادفة إلى تحقيق الأرباح والمكاسب ، تسود فيه الحرية الاقتصادية والسوق المفتوحة للشركات الكبرى العملاقة للتنافس بالحصول على الموارد والمواد الأولية من كافة مصادرها من أنحاء العالم المختلفة بأثمان بخسة مما يشكل استنزافا لموارد هذه الدول ( الضعيفة ) أمام هيمنة هذه الشركات العملاقة التي تتخذ من النظام الاقتصادي السائد في العالم حائطا قويا تتكئ علية دون خوف أو وجل .
ولا شك ان هناك أثار سلبية لهذه الشركات التي تحيا في ظل العولمة الاقتصادية ويمكننا ان نلخصها بما يلي :
1. استنزاف موارد وطاقات الدول الصغيرة والضعيفة من خلال جعلها موردا للمواد الأولية اللازمة للصناعات وذلك بشرائها بابخس الأثمان وإعادة تصديرها بأغلى الأسعار ، بالإضافة إلى جعلها قواعد اقتصادية تعود خيراتها وإرباحها إلى الشركات العملاقة في مقر إقامتها في وطنها الأم .
2. إن وجود صناعات ومراكز صناعية تابعة لهذه الشركات في الدول الفقيرة يعني القضاء التام على صناعاتها الوطنية كونها ضعيفة بالأساس وتفتقر إلى التكنولوجيا المحتكرة أصلا مما يعود سلبيا على اقتصاديات هذه الدول .
3. ربط اقتصاديات الدول الفقيرة بالأوضاع الاقتصادية الدولية وهذا الأمر يجعلها كالريشة في مهب الريح وذلك لعدم قدرة هذه الدول على مجاراة اقتصاديات الدول الصناعية كونها اقتصاديات ضعيفة وهشة مما يجعلها غير قادرة على التحكم بأوضاعها الاقتصادية وجعلها عرضة للتذبذب وتصبح تابعة للمؤسسات المالية الدولية ومنفذة لأوامرها فقط .
4. احتكار العلم والتكنولوجيا والمعرفة من قبل الشركات الكبرى أو الدول الصناعية والتحكم في تدفقها إلى الأسواق العالمية مما يبقيها قوية اقتصاديا ويجعل الدول الصغيرة متلقية فقط وغير قادرة على التطور والبحث العلمي .
5. ربط التنمية ومشاريعها في الدول النامية بما تقدمة المؤسسات المالية الدولية والشركات الكبرى من مساعدات ومنح مما يجعل هذه التنمية غير قادرة بل عاجزة عن تلبية الاحتياجات ومتطلبات الإفراد مما يفقد الدول القدرة على كسب ثقة شعبها مما يعرضها بالنهاية لمشاكل سياسية واجتماعية هي في غنى عنها .
6. إن الحرية المعطاة للشركات المتعددة الجنسية من قبل الدول المضيفة قد تفتح الباب إمامها لإساءة استعمال تلك الحرية من حيث :التهرب من دفع الضرائب ، تلويث البيئة ، حيث كانت هذه الشركات مسئولة في كثير من الأحيان عن الكثير من القضايا البيئية الكبرى والأمثلة كثيرة في هذا العالم .
يتضح لنا من هذا العرض كم هي الأخلاق هامة وضرورية لتحقيق العدالة والكفاءة والنمو والاستقرار الاقتصادي للبشرية وهذه الغايات والأهداف والوسائل لا تتوفر إلا في اقتصاد إسلامي لأنه من لدن رب العالمين وليس للبشر دخل فيه فسبحان ربي لا يضل ولا ينسى .
نشرت في السبيل العدد1034 تاريخ 23/10/2009
أحدث التعليقات