الاستهلاك هو جزء من النشاط الإنساني الاقتصادي اليومي الذي لا يمكن للإنسان الاستغناء عنه لان به يستقيم أمر الحياة ويستمر النوع الإنساني على هذه الأرض وهو أمر فطري وضروري لبقاء الإنسان واستمراره فلا يعقل أن يعيش الإنسان دون أن يتناول الحد الأدنى من الطعام والشراب والمسكن واللباس إضافة إلى حاجته إلى ما يروح عن نفسه من حاجات بريئة مشروعه ، والاستهلاك بمفهومه البسيط هو تناول المنتجات المختلفة بقصد إشباع حاجة معينة، والمنتجات هنا تعني السلع والخدمات ، وفي الإسلام فان استهلاك السلع والخدمات لم يترك عبثا دون قيود او ضوابط تنظم هذا الاستهلاك لان الإفراط فيه وخروجه عن المسار السليم سيؤدي إلى أزمات اقتصادية لها بداية وليس لها نهاية كالتي نعيشها اليوم والتي أنهكت كبرى الاقتصاديات في العالم ودمرت بنيان كبرى الشركات وأجبرتها على إعلان إفلاسها ، فالاستهلاك في الاقتصاد الإسلامي هو “الاستهلاك الرشيد ” المنضبط بقيود تعود بالنفع والفائدة على اقتصاد الأمة وتزيده قوةً ومتانة ، وليس ذلك الاستهلاك الذي نراه اليوم في دول الشرق والغرب استهلاك ترفي كمالي زائد عن الحاجة فرضته وشجعت علية وسائل الإعلام المعاصرة والتي لم يكن لها غاية سوى دفع الناس إلى استهلاك ما يحتاجون وما لا يحتاجون حيث جندت من اجل ذلك كل ما تملك من طاقات مادية ومعنوية بقصد الترويج للمنتجات بطريقة مغرية ومحببة للنفس الإنسانية مستخدمة المرأة كواحدة من أهم أدواتها التي جعلها أداة إغراء لتسويق وترويج منتجاتها بعيدا عن القيم الإنسانية والضوابط الأخلاقية ، حتى بات المستهلك يضطر إلى الاستدانة والاقتراض من البنوك والمصارف بغية إشباع حاجاته ورغباته التي ليس لها حدود دون تحقيق أية منفعة ، والباحث في أسباب الأزمة المالية العالمية الحالية يجد أن لها جذران أساسيان هما الرغبة في الاستهلاك المفرط ونظام الفائدة المجحف .
أما سلوك المستهلك المسلم في ضوء الاقتصاد الإسلامي فانه ينطلق من عدة ضوابط وقيود غايته تحقيق المنفعة من كل عملية استهلاك وفق ما يسمى (تفضيل المستهلك ) الذي يفترض فيه الإسلام الرشد والعقلانية عند اتخاذ قراره بالاستهلاك ، فالمستهلك المسلم يفترض به أن يكون رشيدا واعيا ، وقد وفر له الإسلام من خلال توجيهاته أرضية صلبة لعملية الرشد والعقلانية ولعل ابرز هذه التوجيهات هي :
– تحريم البذخ والترف في الحياة: حيث اعتبر الإسلام الترف والبذخ والتنعم الزائد عن الحاجة من أسباب زوال النعم وتحولها لأنه طريق إلى المعاصي ونسيان الله إضافة إلى انه انه وسيلة من وسائل تدمير موارد الأمة الاقتصادية وضياعها بغير منفعة او فائدة وغياب ما يسمى بالادخار الذي هو طريق الاستثمار وبالتالي طريق النمو والتقدم .
– تحريم الإسراف والتبذير: حيث يقول تعالى :” كلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين ” فالإنسان المسلم لا يعيش ليستهلك فقط كما هو حال الإنسان في الغرب الذي ليس له هم سوى إشباع الملذات ولكنه يستهلك ليعيش ويستعين بما يستهلكه على طاعة الله وعبادته .
– التوسط والاعتدال : فالإسلام يأمر الإنسان المسلم بالتوازن والاعتدال في الإنفاق والاستهلاك فلا يبخل الإنسان ولا يتطرف بإسرافه قال تعالى :” ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ” ومتى توسط المستهلك في إنفاق دخله فانه يوجه ما يفيض عن حاجته من هذا الدخل إلى الادخار والاستثمار بما يعود علية وعلى أمته بالنفع والفائدة .
– تحريم استهلاك الخبائث من السلع والخدمات :فالسلع والخدمات تقسم إلى قسمين طيبات وخبائث والإسلام يحرم على الإنسان المسلم استهلاك الخبائث والسلع الضارة والمحرمة كلحم الخنزير والخمر والميتة والنهي عن استهلاك السلع الترفية كلبس الحرير والذهب للرجال واتخاذ الذهب والفضة كسلعه .
– ترتيب أولويات الاستهلاك : حيث يجدر بالمستهلك المسلم أن يحدد أولويات إنفاقه حسب الأولويات التالية :الضروري والحاجي والتحسيني وعدم تقديم او تأخير إحداها على الآخر حين لا تقتضي المصلحة ذلك .
يتضح لنا من هذه الضوابط أن الاستهلاك في الإسلام هو استهلاك رشيد منضبط يساهم في بناء الاقتصاد وليس العكس كما حصل في الغرب الاستهلاكي الذي ليس له هم سوى إشباع الملذات من السلع والخدمات المحرمة والخبيثة فكان جزاء الله له بالأزمات الاقتصادية التي يدفع المليارات لإصلاح جزء من الخلل الذي أحدثته في بنية اقتصاديات هذه الدول.فالله سبحانه وتعالى اختار للإنسان ما ينفعه ويعينه على أداء رسالته في الحياة وما على المسلم سوى إتباع نهج الله والابتعاد عما نهى عنه ليكون حينها مستهلكا رشيدا عقلانيا واعيا يساهم في صنع اقتصاد أمته وبناء طاقاتها لا وسيلة هدم وتدمير وتخريب لها .
نشرت في السبيل العدد988 تاريخ 4/9/2009
أحدث التعليقات