من نعم الله على ه\هذه الأمة أن حفظ لها دينها الذي هو عصمة أمرها على مر الأزمان والعصور ودلك من خلال العلماء الأجلاء الذين هم ورثة الأنبياء والذين يقع على عاتقهم توضيح الأمور المستجدة و المشكلة على الناس لكي يعبدوا ربهم كما أراد ،ومن ابرز ما تواجه الأمة في هدا الزمان من قضايا ومستجدات هي قضايا المال وما يتعلق به من معاملات حيث تصنف هذه الأمور بأنها من أكثر القضايا حساسية في حياة المسلم لان الإنسان سوف يحاسب على ماله بطريقة مختلفة عن بقية عباداته وممارساته في الحياة الدنيا حيث سيسأل عن ماله سؤالان من أين اكتسبه وفيما أنفقة وذدلك لان جني المال وإنفاقه عملية يتأثر بها أناس كثيرون وهو من الوسائل التي قد تنغص عيش الإنسان في حال إساءة استخدامه وهو كذلك من الأمور التي تجعل حياة الإنسان سهلة ميسورة في حال جنية وإنفاقه كما أرادة الله عز وجل .
لقد تطورت عملية صرف المال وتشعبت معاملاته على مر الأزمان حتى وصلنا إلى مرحلة المصارف الحديثة والمتطورة التي تستخدم أقصى ما يمكن من تكنولوجيا مما احدث قضايا ومستجدات لم تكن في سالف الأزمان ومن اجل خدمة المسلمين نشأت في العالم الإسلامي بعض من المؤسسات الهامة والحيوية التي تقدم لهم الفتاوى المناسبة لقضايا المال والمعاملات المالية ومن ابرز هده المؤسسات هو مجمع الفقه الإسلامي تأسس مجمع الفقه الإسلامي الدولي تنفيذا للقرار الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث “دورة فلسطين والقدس” المنعقد في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية في عام 1981 و قد تضمن ما يلي:
“إنشاء مجمع يسمى: (مجمع الفقه الإسلامي الدولي)، يكون أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة الفقهية والثقافية والعلمية والاقتصادية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهادا أصيلا فاعلا بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي والمنفتحة على تطور الفكر الإسلامي”.
مقر المجمع هو مدينة جدة (المملكة العربية السعودية)، ويتم اختيار أعضائه وخبرائه من بين أفضل العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي والأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية في جميع فروع المعرفة (الفقه الإسلامي، العلوم، الطب، الاقتصاد، الثقافة، …إلخ). ويبلغ عدد الدول المشاركة بالمجمع ثلاث وأربعون دولة من بين سبع وخمسين دولة ممثلة بواحد أو أكثر من خيرة علماء الفقه الإسلامي من أبنائها، وأيضا يستعين المجمع بالعديد من الخبراء المميزين في مجالات المعرفة الإسلامية وشتى المعارف والعلوم الأخرى، وذلك من أجل تحقيق إرادة الأمة الإسلامية في الوحدة نظرياً وعملياً وفقاً لأحكام الشريعة السمحة، ولتستعيد الأمة بالتالي دورها الحضاري الذي إرادة الله لها باعتبارها خير امة أخرجت للناس .
وقد قدم المجمع مجموعه هامة من الفتاوى التي تتعلق بالاقتصاد والمصرفية الإسلامية نعرض اليوم لواحدة منها وهي تتعلق بتغير قيمة النقود وكيفية قضاء الديون المترتبة في الذمة في حالة تغير قيمة النقود نتيجة للتقلبات الاقتصادية المختلفة ، حيث قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 10-15 كانون الأول1988م،
بأن العملات الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها ،وقد قرر المجلس بهذا الخصوص ما يلي :
– العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما ، هي بالمثل وليس بالقيمة ، لأن الديون تُقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ، أيا كان مصدرها ، بمستوى الأسعار، إن هذا القرار من القرارات الهامة فيما يتعلق بوفاء الديون وذلك لان أي قرار غير ذلك قد يفتح الباب الخلفي للربا ، فمن استدان ألف دينار من شخص ما ثم انخفضت قيمتها وأراد دفعها بالقيمة وليس بالمثل بمعنى ان قيمة ألألف قد تصبح ألف وخمسمائة فان ذلك يفتح الباب على مصراعيه أمام الربا لذا فان هذا القرار هو من أهم القرارات فيما يتعلق بهذا الموضوع وهو حسم لخلافات كثيرة وأقوال عديدة في هذا الإطار .
ومن القرارات الهامة ايضا هو قرار الربط القياسي للأجور حيث إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام من 1- 7 محرم 1414هـ الموافق 21- 27 حزيران 1993م،
قرر ما يلي:
أولاً : يجوز أن تتضمن أنظمة العمل واللوائح والترتيبات الخاصة بعقود العمل التي تتحدد فيها الأجور بالنقود شرط الربط القياسي للأجور، على ألا ينشأ عن ذلك ضرر للاقتصاد العام – والمقصود هنا بالربط القياسي للأجور تعديل الأجور بصورة دورية تبعاً للتغير في مستوى الأسعار وفقاً لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص،- والغرض من هذا التعديل هو حماية الأجر النقدي للعاملين من انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الأجر بفعل التضخم النقدي وما ينتج عنه من الارتفاع المتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات وذلك لأن الأصل في الشروط الجواز إلا الشرط الذي يحل حراماً أو يحرم حلالاً. .
ثانياً : يجوز أن يتفق الدائن والمدين يوم السداد – لا قبله – على أداء الدين بعملة مغايرة لعملة الدين إذا كان ذلك بسعر صرفها يوم السداد . وكذلك يجوز في الدين على أقساط بعملة معينة، الاتفاق يوم سداد أي قسط على أدائه كاملاً بعملة مغايرة بسعر صرفها في ذلك اليوم .
. ثالثاً : يجوز أن يتفق المتعاقدان عند العقد على تعيين الثمن الآجل أو الأجرة المؤجلة بعملة تُدفع مرة واحدة أو على أقساط محددة من عملات متعددة أو بكمية من الذهب وأن يتم السداد حسب الاتفاق . كما يجوز أن يتم حسب ما جاء في البند السابق .
رابعاً : الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى، على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها .
إن هذه القرارات لها دور كبير في الحفاظ على الوضع الاقتصادي والمعيشي لذوي الدخول الثابتة والبطيئة التغير وهو ما تطالب به فئات الموظفين في كل أنحاء العالم- وخاصة دول العالم الثالث – أي ربط الرواتب والدخول مع مستوى التضخم لان الدخول تتآكل بسبب ارتفاع الأسعار حتى أصبح الموظفون طبقة مسحوقة لا حول لها ولا قوة ، إضافة إلى أن بقية القرارات المتعلقة بأجور العمال وكيفية أدائهم هي من وسائل حفظ الحقوق بين المتداينين وحماية الأجور للعاملين والتي هي من القضايا الخلافية والحساسة لان لها تأثير مباشر على الإنتاجية والعطاء والإخلاص في أداء العمل والوفاء بالالتزامات .
نشرت في السبيل العدد967 تاريخ 14/8/2009
أحدث التعليقات