إننا نجانب الصواب إذا ما قلنا ان مشكلة الفقر هي مشكلة حديثة خاصة بزماننا دون غيرة من الأزمنة ولكن يبدو إنها مشكلة قديمة ضاربة في أعماق التاريخ والدليل على ذلك هو معالجة الأديان السماوية والمواعظ النبوية ووصايا الصالحين وسير القادة والأمراء لها ومحاولة حلها من خلال إتباع طرق ووسائل ووضع خطط اقتصادية تضمن وصول الطعام إلى كل بني الإنسان .
العالم اليوم ينزف فقرا ويرشح جياعا وهي مشكلة متفاقمة متزايدة متنامية يبدو إن العالم المعاصر يعجز عن حلها رغم ما أوتي من تقدم وتطور لم يسبق له مثيل في التاريخ الإنساني ، في كل يوم يدخل إلى خانة الفقراء مئات الألوف وفي كل يوم يموت آلاف من الجوع في مشارق الأرض ومغاربها وفي كل يوم يبيت ملايين الأشخاص من الرجال والنساء والاطفال خاوية بطونهم من الجوع لا يجدون لقمة تقيم أودهم ، كل ذلك يتم تحت بصر العالم وسمعه هذا العالم الذي يدعي انه متمدن حيث الملايين من أطنان المواد الغذائية الصالحة للاستهلاك البشري تلقى في حاويات القمامة في دول الشرق والغرب المترفة وهناك في ذات البلد تجد أحياءا يملأها الفقر ويموت أفرادها من القلة والعوز وبجانبهم أحياء امتلاءات بالقصور الفاخرة والسيارات الفارهه وعجزت البنوك عن تحمل أرصدتهم ، هناك خلل في الموازين بين بني الإنسان ، هناك سؤ في التوزيع بل ظلم في التوزيع وانتفاء للعدالة في تقسيم الناتج المتحصل بين أفراد المجتمع الواحد .
مع كل أسف تحمل إلينا البيانات والمعلومات الصادرة عن المنظمات المتخصصة عن أرقام مذهلة عن أعداد الفقراء في هذا العالم الغني ، وأخرها ما طالعتنا فيه الأرقام من أن عدد الفقراء في هذا العالم سيصل إلى أكثر من مليار جائع مع نهاية العام الحالي وهذا يعني أن اكثر من 1/6 البشرية لا يجدون لقمة العيش ، وزاد من تفاقم الوضع تباطؤ الطلب العالم والانكماش الاقتصادي الذي أدى الى فقدان الملايين من وظائفهم ودخولهم الى خانة الفقراء وانضمامهم إلى قوائم الجياع في هذا العالم ، ان هذا الواقع ستكون له نتائج وعواقب غير محمودة سيدفع العالم ثمنها لعل من أولها اضطراب الأوضاع الأمنية في كثير من بلدان العام وتزايد المشكلات الاجتماعية من طلاق وخراب بيوت ودمار للأسر لعدم القدرة على الإعالة وهذا ينتج عنه مشكلات أخلاقية كالسرقة والاعتداء والسطو والقتل من اجل الأكل وكذلك انتشار المشكلات الجنسية لعدم القدرة على بناء الأسرة الصالحة وهذا ما يتم يوميا في كثير من دول العالم حتى المتقدمة منها وهذا يعني بداية أزمة إنسانية – ان لم تكن كارثة – بمعنى الكلمة سيكون ثمنها باهظا.
أما نظرة الإسلام إلى الفقر فهي نظرة مختلفة عن النظرة الرأسمالية التي ترى بان الفقر سببه الفقير نفسه وتختلف عن النظرة الاشتراكية التي ترى بان الحل يكمن في القضاء على الأغنياء والتخلص منهم فالنظرة الإسلامية إلى الفقر تأتي من خلال نظرته إلى المال حيث اعتبر الإسلام أن المال لله والناس مستخلفون فيه وان علاقة صاحب المال بة ليست سوى علاقة استخلاف فقط توجب على من منحة الله هذه النعمة أن يؤدي حقها تجاه من أمر أن تؤدى إليهم من خلال قنوات لم توجد سوى في الإسلام العظيم الذي كرة أن يكون في المجتمع المسلم فقير يعاني دون أن يهب بقية المجتمع لمساندته وإعطائه ما يسد عوزه ويمنع عنه ذل المسالة من خلال التكافل الاجتماعي والضمان الاجتماعي الذي أوجبة على الدولة المسلمة تجاه رعاياها ، والإسلام حين يرفض الفكرة الاشتراكية التي تقول بضرورة التخلص من الأغنياء لكي يتساوى الجميع فقد أباح الإسلام الملكية الخاصة وسمح للمسلم بتنمية ماله واستثماره الاستثمار الحلال مقابل أن يؤديه حقه إلى مستحقيه من خلال نظام عظيم هو نظام الزكاة الذي أصبح اليوم مطلبا عالميا لحل مشكلة الفقر والأزمات الاقتصادية التي تعاني منها المجتمعات الحديثة وقد ذكر التاريخ لنا مجموعه من الصحابة الذي كانوا يمتازون بالغنى ولكنهم مقابل ذلك يسخرون أموالهم لخدمة المجتمع ويؤدون حقه تجاه إخوانهم الفقراء ومن أمثال هؤلاء الصحابة عليهم رضوان الله عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان الذين ضربوا أروع الأمثلة في تسخير مالهم لخدمة إخوانهم المسلمين .
لقد وضع الإسلام أسسا كثيرة لمعالجة مشكلة الفقر كان أبرزها ما يلي :
– الحث على العمل والترغيب فيه بل جعله واجبا ومفروضا على الإنسان حيث كرة الإسلام الإنسان المتقاعس المتخاذل الكسول وقد وردت آيات كثيرة وأحاديث عديدة تحث على العمل وترغب بة .
– فرض الزكاة : ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ” إنها نصيب الفقراء في أموال الأغنياء وهي حق مفروض لا يجوز التقاعس عنه او التخلف عن أدائه ، وقد أثبتت الزكاة قدرتها على حل مشكلات العالم فيما لو طبقت تطبيقا صحيحا كما أراد لها الشارع الحكيم .
– نفقة الأقارب على بعضهم البعض من خلال نظام فريد هو(صلة الرحم ) التي لا يستقيم إيمان الإنسان إلا بها وهي وسيلة من وسائل الترابط الاجتماعي الذي يحمي المجتمع من ويلات التفكك والانقسام .
– كفالة الدولة الإسلامية ورعايتها للفقراء والمحتاجين من خلال نظام الضمان الاجتماعي والتامين الصحي والرعاية التعليمية … الخ من الخدمات التي تجعل الفقير يقف في مصاف الأغنياء في المجتمع المسلم .
– الصدقات المختلفة التي رغب بها الإسلام حيث قال (ص) :” الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار” ، وهي من وسائل التحاب والألفة في المجتمع المسلم .
ان هذه الوسائل وغيرها لا شك إنها طريق سهل للتخلص من الفقر وويلاته والعالم اليوم يتوق إلى مثل هذه الوسائل ليحل بها مشكلاته ويتخلص من أزماته الاقتصادية ، ففي الاقتصاد الإسلامي الكثير الكثير من الطرق الحقيقية التي تنقذ العالم من أزمته المالية التي يعاني منها .
نشرت في السبيل العدد932/تاريخ 10/7/2009
أحدث التعليقات