أ.د.عبدالحميد البعلي: 
ماذا بعد تفكك النظام الرأسمالي؟!
 الاقتصاد العالمي بين الإصلاح المطلوب وانبعاث النظام الإسلامي

الخميس, 18 يونيو 2009

الرؤية – أحمد عبدالرحمن

http://www.arrouiah.com/node/157304

مازالت الكوارث المالية العالمية تتوالي ولا يبدو في الأفق توقفها وهو ما وضع العالم في حالة رعب خوفا من المجهول ولايكاد احد يجزم بما يخبؤه المستقبل وأصبحت هناك حيرة بين توقع المزيد من تفاقم الازمة وحدوث فوضي شاملة او الخروج بحلول تنقذ العالم وتعيد الاستقرار الى اسواقه ومجتمعاته.

عبدالحميد البعلي أستاذ الفقه المقارن والاقتصاد الإسلامي والمستشار الاقتصادي في اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالديوان الأميري في دولة الكويت يحاول في هذه الدراسة الجديدة استقراء مستقبل تلك الكارثة وما يمكن ان تؤول اليه الأوضاع، كما يضع عدداً من التصورات كحلول علمية للأزمة الدائرة

وتسعى هذه الدراسة لإبراز وتحليل وتصنيف ما لحق بالنظام الرأسمالي للاقتصاد وتأكيد الحاجة إلى انبعاث نظام اقتصادي جديد مغاير يتمكن وفق أسسه وقواعده وآليات عمله في الإنتاج والتبادل والتوزيع والاستهلاك من تحقيق الأهداف المنشودة في الرخاء والأمن الاقتصاديين ولا يقدح في خصوصية وتميز هذا النظام وجود قواسم مشتركة تكاد تكون طبيعية بينه وبين النظم الاقتصادية الأخرى.

وان الازمة المالية الدائرة اليوم تؤكد أننا أمام تسو نامي مالي جديد -كما يقول آلن جريسبان- وأمام أزمة شاملة تحتاج إلى إصلاح شامل كما يقول دومنيك ستراوس –مدير الصندوق النقد الدولي ومن هنا فإن العالم بحاجة ماسة إلى خطط إصلاح جذري هيكلي، ومنذ عقود تنبأ خبراء وعلماء اقتصاد كبار بالانهيارات المالية المدمرة بالكارثة الدائرة اليوم وطالبوا بالإصلاح فمنذ بداية النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي وأزمة المكسيك سنة 1995م ثم جنوب شرق آسيا 97 – 1998م ثم روسيا سنة 1998م والبرازيل سنة 1999م والتحذيرات من هؤلاء الخبراء لاتتوقف ومن أبرز هؤلاء:

آلان بلانيدروا أستاذ الاقتصاد بـجامعة برينستون ونائب رئيس مجلس محافظي بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي في الفترة من 1994م إلى 1996م الذي دعا إلى إصلاح النظام المالي العالمي الحالي لحماية المواطنين الأبرياء في شتى أنـحاء العالم من مخاطر الأزمات المالية التي تـسببها الممارسات الحالية.

وقال في دراسة نشرتها مجلة – فورين أفيرز – «إن الانهيارات المالية باتت متكررة ومدمرة ومستشرية حتى لم يعد بمقدور أحد أن يتجاهلها أو يغض الطرف عنها».

وأكد بلايندروا أن النظام المالي العالمي الراهن فشل فشلاً ذريعاً في حماية البشر البسطاء الفقراء من مخاطرة الضارية.

وقال إن المنطق يقتضي أن نبدأ بتحديد أهداف وغايات إصلاح النظام المالي الدولي، وما الذي نتوقعه فليس هناك نظام مالي دولي خالي تماماً من المخاطر ولكن النظام الراهن قد ولّد الكثير من الأزمات العاتية، وقد عانت الكثير من الدول التي لا تنتمي للعالم الغربي بشكل أو آخر من علل من جراء هذا النظام خلال السنوات القليلة المنصرمة. وأكد أن ما يـحتاجه الاقتصاد العالمي الآن هو «نهج» يقلل لأقصى حد ممكن من تكرار الأزمات وكثافتها.

أكد الخبير المالي العالمي وليام لارالدي مدير مجموعة الـ 24 في واشنطن على ضرورة صياغة نظام مالي عالمي جديد يـحافظ على مصالح الدول النامية ويقلل من هيمنة الدول الصناعية الكبرى ويحول دون حدوث أزمات أو هزات تزعزع الاستقرار المالي والنقدي في العالم.

وقال حسب تقرير الاقتصاد في أسبوع العدد رقم 158 من 27 أكتوبر –2 نوفمبر 1999م- إن العالم يمر بموقف دقيق للغاية منذ الأزمة المالية الحادة التي هزت دول منطقة جنوب شرق آسيا وما ترتب عليها من ضرورة وضع هيكل جديد للنظام المالي العالمي الذي يعاني مما وصفه بسوء أداء المؤسسات والهياكل المالية القائمة ضمن هذا النظام.

وقدر جويل كيرتزمان Joel kurtizman محرر مجلة هارفارد بزنس ريفيو HARVARD BUSINESS REVIEW في كتابة «موت الأموال» THE DEATH OF MONEY أن 3% فقط من المعاملات المالية اليومية والتي تزيد على 1200 مليار دولار في اليوم تستثمر في تـجارة السلع والخدمات في الاقتصاد المنتج بينما يتم تسخير نحو 97% من حجم تلك المبادلات المالية اليومية في أعمال المضاربة تتم إدارتها من خلال الوسائل الالكترونية وبرامج الحاسوب لهدف واحد فقط هو الحصول على المزيد من الأموال من الاقتصاد الإنتاجي وامتصاص طاقات الشعوب وقدراتها.

أكد تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أنكتاد) لعام 1999 أن النظام الاقتصادي العالمي يتسم باختلالات وعدم توازن يضر بمصالح الدول الفقيرة وتنبأ بأن القرن العشرين سينتهي بأزمة تنمية حقيقية.

ذكر تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة مطبعة جامعة أكسفورد U.K. وأن هناك تفاوت بشع في توزيع الثروات حتى بين أبناء الشعب الواحد. وما ذلك إلا نتيجة طبيعية وحتمية لما أنـجبته الرأسمالية الأنـجلو أمريكية وطبقة الواحد 1%.

جاء في تقرير التنمية البشرية السنوي العاشر الذي أطلقه البرنامج الإنمائي بالأمم المتحدة أن:

متوسط الدخل في أغنى خمس دول في العالم يبلغ 74 ضعف متوسط الدخل في أفقر خمس دول في العالم والتي تتركز جميعها في أفريقيا .

تفوق ثروات ثلاثة أغنياء في العالم إجمالي الناتج المحلي لمجموعة الدول الأقل تقدماً والتي يناهز عدد سكانها 600 مليون نسمة فميزانية شركة ميكروسوفت للكمبيوتر في U.S.A تصل إلى 100 مليار دولار في السنة، وهو ما يفوق ميزانيات 48 دولة من دول العالم الثالث.

20/7/99.

وعلى هذا النحو بات التفاوت الصارخ بين الأغنياء والفقراء خصيصة من خصائص النظام الاقتصادي، وأصبح الفقر وتوابعه من انعدام الرعاية الاجتماعية ومشتقاتها هو الغالب.

المعاملات الربوية

وأود التأكيد هنا على أن المعاملات الربوية قد دخلت دائرة جهنمية من التعاملات من خلال :عقود المشتقات المالية derivatives

والتوريق Cicortization

حقوق الخيار OPTIONS

وإن هذه السلسلة المعقدة من العقود الربوية المركبة، وما يصاحبها من «غرر» مجهول العاقبة، وكثير محرم في الشريعة الإسلامية لدخوله في نهى القرآن عن أكل أموال الناس بالباطل ولصريح التحريم الوارد في نهى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:

«نهى صلى الله عليه وسلم عن الغرر»

ولو كانوا يدركون العاقبة (الغرر) لحافظوا على الأقل على المكاسب المحققة.

وعلى هذا الأساسي نقول بوضوح تام:

إن التدخلات الحكومية في الأزمة المالية الراهنة بضخ سيولة نقدية ليس هو العلاج الناجع والحاسم وإنما هو علاج عاجل لإضعاف جرثومة الداء الموجودة في جسم النظام النقدي والمالي والمصرفي والتي لا تَلْبس أن تعاود نشاطها كلما تهيأت لها الظروف.

وإذا تم القضاء على هذه الجرثومة الفتاَكة –سعر الفائدة الربوية– نكون قد أصبحنا أمام سياسة مالية جديدة وشفافة تلبى احتياجات الناس كافة. باستخدام الأدوات المالية والاستثمارية والتمويلية التي يطرحها النظام المالي والاقتصادي في الإسـلام كبديل للقرض الربوى المدمر وما يصاحبه مــن ظلم بيّن لطرفى المعاملة (لا تظلمون ولا تظلمون) وتدمير وخراب (يمحق الله الربا) وحروب لا تبقى ولا تذر.(فأذنوا بحرب من الله ورسوله).

الجانب الأخلاقي للأزمة

لقد كشفت الأزمة الأخيرة عن انهيار أخلاقي في التعاملات يتمثل في:

1- إن خطط الإنقاذ المالي ساعدت الفاسدين والمفسدين في أسواق المال وفي وول ستريت على وجه الخصوص على إسقاط أصول عقارية متعثرة من دفاترهم وكشفت عن أن الخطة جاءت لحماية عمالقة المال في وول ستريت.

2- استخدام البورصات أداة للتدمير والإفلاس من خلال حركة رؤوس الأموال عبر الدول كأداة من أدوات العولمة التي استخدمت لهيمنة الاقتصاد الرأسمالي على اقتصاديات هذه الدول ولذلك انتشرت أسواق الأسهم في كل دول العالم تقريباً.

كما استخدمت البورصات أوكاراً للمقامرين الذين باعوا الأسهم بأدوات وهمية وبأسعار مرتفعة والآن في ظل الأزمة والانهيار الحاصل في سوق الأسهم يشترونها بأقل الأسعار ليتاجروا بكوارث البشر.

3- فرض فاتورة بقيمة 700 مليار دولار على الأبرياء من دافعي الضرائب الأميركيين.

4- ضمان ديون متعثرة تضخمت حتى وصلت إلى 55 تريليون دولار ويكاد ذلك يصل إلى أربعة إضعاف قيمة جميع الأسهم.

ومن أبرز علامات الانهيار الاخلاقي في التعاملات عمليات النصب والاحتيال والتي كان أشهرها القضية المرتبطة ببرنارد مادوف صاحب صندوق الاستثمار والوساطة المالية في بورصة وول ستريت، والرئيس السابق لبورصة ناسداك في نيويورك، فيما اعتبر إحدى اكبر قضايا الاحتيال المالي في التاريخ.

فقد أعلنت مجموعة من أكبر البنوك في العالم أنها كانت ضحية لعمليات احتيال بلغت قيمتها نحو 50 مليار دولار. وقد وجَهت السلطات الأميركية تهمة الاحتيال لمادوف.

ومن البنوك التي وقعت ضحية عمليات الاحتيال بنك «اتش اس بي سي»، و «رويال بنك أو سكوتلاند البريطانيان، وبنك سانتاندير الاسباني، وبنك «بي ان بي باريبا» الفرنسي.

ومن بين الضحايا أيضا مؤسسة خيرية يمتلكها المخرج الأميركي ستيفن سبيلبرج.

ووجهـت نيكولا هورليــك رئيس إحدى شركات الاستثمار الأميركية في مقابلة مع بي بي سي انتقادات حادة إلى السلطات الأميركية المسؤولة عن مراقبة الأنشطة المالية لفشلها في منع عمليات الاحتيال.

وأضافت أن هذه هي أكبر عملية احتيال في تاريخ الأسواق المالية، إذ انه لم يحدث من قبل احتيال بمبلغ 50 مليار دولار.

وترجع ضخامة عمليات الاحتيال إلى اتساع رقعة معاملات شركة برنارد مادوف، وامتداده إلى الكثير من المؤسسات العالمية.

وعلى سبيل المثال فإن بنك سانتاندير الاسباني لديه 2.3 مليار يورو من الاستثمارات لدى مادوف. أما بنك « اتش اس بي سي « فاستثمر نحو مليار دولار لديه. وأعلن «رويال بنك اوف سكوتلاند» انه سيخسر 400 مليون جنيه إسترليني إذا ضاعت كل استثماراته لدى مادوف.

وتراجعت أسهم هذه البنوك في الأسواق العالمية بعد الإعلان عن خسائرها الضخمة نتيجة عمليات الاحتيال المتهم بها مادوف.

وقال الادعاء الأميركي أن مادوف استغل صندوق الاستثمار الذي يديره، وخدمات الاستشارات المالية التي تقدمها شركته في تدبير عمليات الاحتيال. وكان يستخدم أموال المستثمرين الجدد لدفع أرباح المستثمرين القدامى.

وقررت محكمة فيدرالية أمريكية تعيين حارس قضائي للإشراف على شركة مادوف، فيما تم الإفراج عن مادوف نفسه بكفالة قدرها 10 ملايين دولار.

وأمام ذلك الانهيار الأخلاقي في التعاملات يجدر بنا أن نشير إلى جوانب مهمة في النظام الاقتصادي في الإسلام الذي يقوم علي ما أسسته الآية الكريمة:

{.. أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} سورة قريش./آية 4

1- والعودة إلى مواطنها ومواطنيها، وبناء اقتصادات قوية.

2- إتاحة الفرصة كاملة لكل من عنده فكر بنّاء من العلماء والمؤسسات الإسلامية سواء كانت: بنوكاً –شركات– مؤسسات علمية. فليخرجوه للناس لإنقاذهم مما هم فيه بعيداً عن الشعارات وهذه حجَة علينا. وطالما نادينا بذلك في أبـحاثنا وكتبنا المطبوعة شاهدة على ذلك. ونـحن نملك فعلاً منهجاً كاملاً ومتكاملاً ( فهل نـحن فاعلون) وهل (نـحن أقوياء فيه) لا شك في ذلك بـحول الله وقوته أسأل الله ذلك وهو على كل شيء قدير.

المخرج من الأزمة

أزمة الاقتصاد الوضعي تتمثل في أزمة التوفيق بين الاحتياجات اللازمة وقلة الموارد، وقصة روبنسون كروز Robinson Cruse تفصح عن ذلك من خلال عبارته الشهيرة «العثور على ثمرة جوز الهند أهم من العثور على كتلة من الذهب».

والمطلوب –في نظرنا– للخروج من هذه الأزمة هو قلب المعادلة وانعكاسها، فبدلاً من أن نقول: الحاجات لا نهائية والموارد محدودة، نقول إن الموارد لا نهائية والحاجات محدودة فالأول هو المنهج المادي في التعامل مع الحاجات ومع الموارد، إذ يهتم هذا المنهج بإشباع الرغبات حتى آخر رغبة فيها ولهذا لن تكون متناهية، فيظل المرء يلهث وراء إشباع رغباته اللانهائية ما بقيت حياته، ولا شك أن هذا قد يجره إلى السرف والترف والتبذير، وكلها أمور غير محمودة، في عرف العقلاء وعادات النبلاء، والناس الأصحاء، ألم يقل رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم « ما عال من أقتصد.

وعلى هذا نقول إنه على قدر السعي والجهد المبذول يكون حظ الإنسان من الموارد كماً وكيفاً، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى» النجم/39.

وليس لغاية السعي والجهد سقف محدد، لا كمياً ولا كيفياً، فهذا هو حقيقة اللانهائي.

وفي قوله تعالى: «وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها..» فصلت/10 – دلالة على سخاء الموارد وليس ندرتها.

ففي معنى الآية يقول العلماء: بارك فيها أي جعل الأرض مباركة وكثيرة الخير، بما خلق فيها من المنافع وقدّر فيها أقواتها أي أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من الخير والمنافع (1).

وما أشدّ إعجازها وأبلغ إعجابها من عبارة قرآنية حين استخدمت كلمة أو مصطلح «القوت» للدلالة على الموارد الصالحة لنفع الإنسان، ومن ثم الدلالة على مرحلة متقدمة من العملية الإنتاجية تتحول معها الموارد إلى أن تصبّح «قوتا» يقيم أو يقيت به الإنسان حياته في كل شؤونها المختلفة.

إذن فسعي الإنسان وجهده وشغله الفني الفكري والعملي المادي هو المحدود والقليل إلى حد الندرة أحياناً، وليست الموارد التي قدرها الله سبحانه وتعالى في الأرض أقواتاً للناس جميعاً؛ وقد يقول قائل إن الموارد المتولدة من العمل والجهد والسعي تكون نادرة بندرة ذلك العمل والجهد والسعي؛ ونقول: إن هذه نتيجة ومُسبباً وليست سبباً، والعبرة هنا بالسبب وليس المسبب، وبالعلة وليس بالمعلول منعاً من الدور في المسألة كما يقول الأصوليون خاصة إذا كان المحثوث عليه والمطلوب من الإنسان هو العمل لقوله تعالى:

«وقل اعملوا» التوبة /105.

وعلى الجانب الآخر نظم المنهج الاقتصادي حاجات الإنسان في إشباعها حين الإنفاق عليها، سواء كان إنفاقاً استهلاكياً أو استثمارياً إنتاجياً، بألا يدخل ذلك الإنفاق دائرة السرف والترف والتبذير، وألا يتجاوز حد الاعتدال المطلوب والقوام الرشيد، فعنده تتحقق نقطة التوازن المفقود والمطلوب، وهذه مسألة تخضع للتحليل والقياس حتى تكون منضبطة بمقاييس الشرع.

حد الرغد لا الكفاف

بذلك يتضح أن نقطة التوازن بين الحاجات والموارد تقع عند نقطة متقدمة على منحنى الحاجات والموارد إذا كانت الحاجات هي المحدودة والموارد اللانهائية، وهو ما حاولنا إثباته والتأسيس والتأصيل له في منهج الاقتصاد في الإسلام على نحو ما تقدم.

وفي معنى قوله تعالى: «وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان» النحل/12 لدلالة على حد الرغد وما يشتمل عليه من الكفاية في إشباع الحاجات والذي هو دون الإسراف والتبذير والترف المنهي عنها شرعاً.

ولاشك إنه من رشد الإنسان أن يحقق ذلك التوازن المفقود بين حد الرغد في إشباع الحاجات وبين الموارد دون عائق من فكرة ندرة الموارد التي دلت الدلائل الشرعية على فسادها، ودون تجاوز لحد الرغد في إشباع الحاجات والدخول في السرف والترف والتبذير، وقد دلت الدلائل الشرعية على حرمة قربانها، فضلاً عن إتيانها، وهذا هو العدل المفقود في العملية الاقتصادية وفي النظام الاقتصادي الوضعي، إذا ظللنا نطبق أفكاراً ليس لها من الشرع نصيب بالتأييد والتدليل والتعليل.

أما علمنا بعد ذلك أن سياسة القوام في المنهج الاقتصادي في الإسلام لها أصولها وتترتب عليها فروعها وتؤتي أكلها بإذن ربها وصدق الله العظيم القائل:

«والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما» الفرقان/67 وكان القوام هو حد الوسط بين السرف والتقتير، والسرف مجاوزة حد المباح إلى المحظور(1)؛ ونظير التقتير الشح والبخل، وقيل البخل منع الواجب، وشبيه السرف التبذير والترف، وقيل التبذير إنفاق المال في المعصية، والترف تعدد جهات السرف(2) ويكون الاعتدال بين جانبي كل من:

الشح والبخل والتقتير وكلها مهلكات ومن ثم محظورات.

الإسراف والترف والتبذير وكلها مهلكات ومن ثم محظورات أيضاً وكان الجانب الأول هو المعبر عنه « باليد المغلولة « والجانب الثاني هو المعبر عنه «باليد المبسوطة كل البسط» وفي كلا الجانبين لوم وحسرة، ولهذا يقول القرآن الكريم: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً» الإسراء/29.

ملوماً لفساد خطتك ومحسوراً لضياع مالك ومن هنا كانت سياسة القوام هي المعبّرة عن الاعتدال والوسطية في المنهج الاقتصادي في الإسلام في ظل أزمة الفكر الاقتصادي الوضعي وتداعياته الظالمة في عالم اليوم.

سبل العلاج وبرامج الإصلاح

انتقل الغرب الآن من «برامج الإنقاذ المالي» إلى ما أسماه «برامج التحفيز الاقتصادي» ليؤكد لنا ما قلناه من أن الإسراف في برامج الإنقاذ لا يحل المشكلة الحقيقة للنظام الرأسمالي ما بقيت هذه البرامج على نفس الأسس السابقة وبات العالم حتى مع هذه برامج الإنقاذ يتداعي في اقتصادياته ومرشح للمزيد وقد أعُلن الركود الاقتصادي في كثير من البلدان المتقدمة اقتصادياً ومازال الوضع الاقتصادي مرشحا للدخول في مرحلة الكساد الممهدة لحالة الانهيار الاقتصادي، لذلك كان من الطبيعي جداً أن تستدرك الحكومات والدول وتطالب التدخل ببرامج تحفيز اقتصادي وتنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة وتلافي تداعيات البطالة والتضخم والكساد. وبرامج التحفيز الاقتصادي هذه تتطلب تعديلات جوهرية وتصحيحاً هيكلياً للنظام الاقتصادي بعد كل ذلك:

من أين يمول الغرب ما أسماه «خطط وبرامج التحفيز الاقتصادي» لأوضاع اقتصادية كلها تقريباً ما بين انكماش وركود وعلى شفا كساد.

السؤال هو: هل ستستمر الدول البترولية والناشئة كممولين والدول النامية كمستهلكين وهل ستدفع الفاتورة مرة أخرى على أساس من التهديد والوعيد والكبرياء؟!

وهل الممولون والمتمولون سيتّبعون نفس الأسس السابقة للتمويل والتي أفرزت للعالم الأزمة أو الكارثة أو الزلزال الذي يواجهه العالم الآن؟

لو فعلوا لكنا أمام حالة من الحالات السفاهة المالية التي تعني وضع المال في غير موضعه الصحيح من كلا الجانبين الممول والمتمول وذلك لغياب أبسط وأول قواعد التمويل وهو العدل والتوازن بين أطرافه:

العدل المتمثل فيما يحصل عليه المموِّل من مكافأة رأس المال أي نصيبه المتكافئ من عائد أمواله وبحسب ما يسفر عنه التشغيل لهذه الأموال حتى لا يثري أحد الطرفين على حساب الآخر بغير حق.

والحاصل الآن أن المموِّل لا يحصل من عائد أمواله إلا بقدر ما تسمح به نسب أو معدل سعر الفائدة وهذا ظلم للمموِّل من المتمول والعكس أيضا قد لا يحصل المتموَّل على عائد أو ربح من تشغيل الأموال ولكن يتحمل سعر الفائدة وهذا ظلم له أيضاَ حتى ولو كان سعر الفائدة صفراً لأن الصفر رقم ابتداء ووجوده لا يُغيَر أساس المعاملة أو المعادلة بين أطرافها فلا زال المموِّل نمانماً بضمان رأس ماله، ولايزال المتموِّل غارماً بخسارته في حالة حصولها أو ظالماً باستئثاره بالربح في حالة حصوله في ظل سعر الفائدة الصفر. ونحن نريد معاملة مالية شفافة على قاعدة «لا تظلمون ولا تُظلمون» وهذه هي أولى أسس الإصلاح الهيكلي المنشود.

ومن هنا نقول: إن خطط الإنقاذ القائمة على ضخ أموال على نفس الأسس المسببة للأزمة وأدت أو ساهمت إلى حد كبير في الانهيارات المالية والدخول في انكماش وركود لن تحقق الهدف منها وهنا لابد من إحداث إصلاح هيكلي جوهري والتفكير جدياً في تغيير أمرين هما:

1 – أسس التمويل والتمول.

2 – إدارات التمويل وأساليبه أيضاً.

ولن يكون المتاح أمام هذا التفكير غير أسس وأدوات وأساليب التمويل في المنهج الإسلامي والاقتصاد الإسلامي ونظامه.

3- إتاحة الفرصة كاملة لكل من عنده فكر بنّاء من العلماء والمؤسسات الإسلامية سواء كانت: بنوكاً – شركات – مؤسسات علمية. فليخرجوه للناس لإنقاذهم مما هم فيه بعيداً عن الشعارات وهذه حجَة علينا.

من إيجابيات الكارثة

من أهم الايـجابيات التي فرضتها الأزمة ما يلي:

1ـ العمل على فك الارتباط مع الاقتصاد الأميركي والدولار الأميركي، خصوصاً بعد الدخول في موجة ركود.

2 ـ إعطاء الفرصة لمراجعة الاستثمارات العربية في الأسواق الأميركية والأوروبية

التعديلات الجوهرية المطلوبة للإصلاح هي:

(1) التصحيح الهيكلي للنظام الاقتصادي وفق برنامج للإصلاح الاقتصادي.

(2) وضع آلية دقيقة ومحكمة وصحيحة لضبط حركة الأسواق المالية، وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي المشار إليه، تتضمن نظم الشفافية والرقابة بأنواعها، ومنع المضاربات الوهمية والصورية.

(3) وضع تصنيف محكم للمخاطر وآلية التعامل معها والرقابة الفعالة على تنفيذها وإجراءات واحتياطيات مواجهتها، إذا حدثت.

سبل العلاج الهيكلي من أهمها:

أ ـ إحلال القاعدة الإنتاجية للاستثمار محل القاعدة الإقراضية، وما يتبع ذلك من آليات فنية شرعية، أي وفق منهجية النظام الإسلامي المطبقة والممارسة فعلاً.

ب ـ إصلاح وتطوير المنظمات الدولية، التي تدير النظام المالي والاقتصادي العالمي وعلاجها، وأهمها:

* منظمة التجارة العالمية، وما يـجب أن تقوم عليه من النظام التجاري المتعدد الأطراف والشفافية في اتـخاذ القرار.

* البنك الدولي.

* وصندوق النقد الدولي .

كمنظمات إصلاح حقيقي، لا كشرطي مطافئ أو رجل إسعاف.

ج ـ إحلال سياسة نقدية تهدف إلى العمل على إلغاء سعر الفائدة، واستخدام بدائل من، معدل الربحية ومعدل الإنتاجية ومعدل النمو الاقتصادي، ولنعلم، دائماً، أن الحقيقة المرة تكمن في الديون، فهي القاسم المشترك في الأزمة، ونظام وآلية القرض بفائدة بأشكالها المختلفة الحقيقية والصورية .

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم « ألا إن ربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أضعه رباناً ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وصدق

الله سبحانه وتعالى القائل:

{ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ….. } سورة المائدة/آية 8

ثانياً: اعتماد قاعدتي نظرة الميسرة للمعسر بضوابطها الشرعية، وعقوبة المليء المماطل بضوابطها الشرعية، ومن ثم، فلا مكان لفوائد التأخير في السداد، التي قد تزيد عن سعر الفائدة الأصلي، ولا مكان لفوائد إعادة جدولة الدين، التي تتسبب في زيادة عجز المدين عن السداد، بسبب تضخم الدين، الذي عجز عن سداد أصله،

بل إننا نقول، إن الفوائد في هذه الحالات تصبح بذاتها سبباً إضافياً للإعسار، وما يترتب عليه من آثار وخيمة، يتمثل أهمها في استمرار مطالبة المدينين بالسداد وعجزهم عنه، ومن ثم بيع الرهون والتصرف في الضمانات الأخرى، إن وجدت، لتحصيل ما يمكن تحصيله من الديون، وبذلك يجد المدينون أنفسهم في وضع عسير، وتتدهور أحوالهم المالية، وما ينجم عن ذلك من انخفاض الطلب على السلع والخدمات، ودخول الاقتصاد في السلسلة الخبيثة من التباطؤ ثم الانكماش، ثم الركود….. إلخ، وهنا تبدو القيمة الاقتصادية والمالية المضافة للقاعدة الشرعية القرآنية “نظرة الميسرة للمعسر”، لتلافي تلك الآثار السلبية ولكي يستمر الإنتاج، ويستمر بالتالي الطلب على السلع والخدمات المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي.

فهذه القاعدة الذهبية، شرعت لتحمي المدين من الإفلاس، وتحمي الاقتصاد من الدخول في السلسلة الخبيثة، التي أشرنا إليها.

ثالثاً: التناسب بين مصادر الأموال والاستثمارات، فمثلاً لا تستخدم أموال ذات أجل قصير، مثل حسابات التوفير، والجارية في استثمارات طويلة الأجل، مما قد ينعكس سلباً على حالة السيولة في البنك.

رابعاً: قياس المخاطر المرتبطة بمجالات وأدوات الاستثمار بصورة دقيقة وفعالة، فعقود المرابحة أقل مخاطرة من غيرها.

خامساً: البورصة سوق للمال «الأوراق المالية والبضائع»، يستثمر فيها لا المضاربة غير المشروعة فيه، فهي وسيلة لتمويل المشروعات الجديدة عن طريق الاكتتاب، وسحب السيولة الزائدة من السوق، ويجب تطهيرها من صناع السوق المرجفين فيها بالأكاذيب وأساليب التغرير والغرر، مما يوقع صغار المستثمرين فريسة سهلة بالبيع جملة «سياسة القطيع»، ومن ثم انهيار السوق، وفي هذا الماء العكر يصطاد صناع السوق المرجفون فيها.

خطة إستراتيجية

وتقدم الدراسة توصيتين مهمتين، إحداها موجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، والأخرى إلى العالم العربي والإسلامي، فيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، تؤكد الدراسة على الحاجة إلى خطة إستراتيجية طويلة المدى:

ـ ترتكز على معطيات ثابتة وليس على الفوائض المالية فقط.

ـ تنويع مصادر الدخل.

ـ ترشيد الإنفاق.

ـ بناء قاعدة صناعية متكاملة.

ـ الحد من العمليات الاحتكارية، التي ساهمت كثيراً في تعميق الأزمة.

أما على مستوى العالمين العربي والإسلامي، فتؤكد أننا في حاجة إلى:

1 ـ إدماج نظام المعاملات المالية الإسلامية في النظام المالي العام للدولة.

2 ـ تطوير النظام القانوني والتشريعي لحماية وضمان تطوّر المعاملات المالية الإسلامية، وإزالة العقبات الضريبية والقانونية الأخرى .

3 ـ دور الدولة الفعّال والمتوازن في النظام والنشاط الاقتصادي.

4 ـ تفعيل اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات وانتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية، وتفعيل اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار، لاستعادة الأموال العربية في الخارج.

5 ـ حجم الأموال العربية في الخارج حوالي 3. 2 تريليون دولار في قطاعات، السوق العقاري، والسياحة، والترفيه، والفضائيات، والمضاربة في الأسهم والسندات في أسواق النفط والغاز والبورصات.

ومطلوب الدعوة إلى عودتها لعلاج الفجوات والمشكلات الاقتصادية، مثل:

ـ الفجوة الغذائية والاعتماد على الخارج بنسبة 80% من الغذاء.

ـ تقليل البطالة التي تـجاوزت 30% في بعض البلدان.

ـ معالجة حالة من يعيشون تـحت خط الفقر (70%) من إجمالي المواطنين.

6ـ العمل على مضاعفة حجم الاستثمارات العربية التي تصل حالياً إلى 20 مليار دولار فقط.

وتلفت الدراسة النظر مرة أخرى إلى أنه يجب أن يعلم الناس أن لدى الأمة الإسلامية منهجاً، يـجب النظر فيه والتعلم والاستنباط منه ما يصلحنا، ويصلح غيرنا.

أعلى معدل للبطالة في أميركا منذ 16 عاماً

انخفضت الوظائف في الولايات المتحدة الشهر الماضي بنحو 530 ألفاً .

وذكرت تقارير اقتصادية، حسب وكالة «رويترز» للأنباء، ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة خلال يناير الماضي إلى أعلى مستوى منذ 16 عاماً، في حين أدى انخفاض المبيعات إلى شطب العديد من الوظائف،

وتشير دراسة لوكالة بلومبرج الإخبارية الأميركية أن معدل البطالة ارتفع إلى 7.5%، وانخفض عدد الموظفين بنحو 530 ألفاً خلال الشهر الماضي، وهو الانخفاض الثالث عشر على التوالي.

وقد تم شطب 524 ألف وظيفة خلال الشهر نفسه، ليصل إجمالي الوظائف، التي تم شطبها خلال العام الماضي إلى 2.6 مليون وظيفة، وهو أعلى معدل شطب منذ العام 1945.

خطة معدلة لإنقاذ البنوك

كشفت وزارة الخزانة الأميركية الثلاثاء عن خطة إنقاذ مالي معدلة لإسقاط ما تصل قيمته إلى 500 مليار دولار من الأصول الفاسدة من دفاتر البنوك، ودعم تقديم قروض جديدة قيمتها تريليون دولار،

وأعلن وزير الخزانة تيموثي جيثنر، حسب وكالة الانباء الفرنسية، عن الخطة، التي عدل اسمها إلى “خطة الاستقرار المالي” في مقر الوزارة، وهي تتضمن رصد 50 مليار دولار من أموال الإنقاذ الاتحادية، لمحاولة كبح نزع ملكية المنازل، والحد من تداعيات أزمة الإسكان العميقة، التي تعصف الآن بالاقتصاد بأسره.

صندوق النقد: أسوأ نمو اقتصادي منذ الحرب الثانية

توقع صندوق النقد الدولي انخفاض معدل نمو الاقتصاد العالمي إلى 0.5 بالمئة، ومع تزايد عدد السكان، وهو ما يعني انخفاضاً في معدل الدخل الفردي.

ومن أن العالم يواجه أسوأ وضع اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية.

وحذر الصندوق من أن العالم يمر بأسوأ أزمة مالية، مؤكداً انكماش الاقتصادات النامية، بينما تتباطأ معدلات النمو بشدة في الاقتصادات الأخرى، وتوقع انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 2.8 بالمئة في العام المقبل، وهو التوقع الأسوأ، الذي يصدر عن المؤسسة، حيال إحدى البلدان المتقدمة.

إغلاق 13 مصرفاً خلال شهرين فقط

انضم مزيد من المصارف الأميركية إلى قائمة البنوك المنهارة، بعدما أعلنت سلطات الرقابة المصرفية أمس إغلاق أربعة بنوك جديدة ليرتفع عدد ضحايا الأزمة المالية في القطاع البنكي الأميركي للعام الجديد 2009 إلى 13 مصرفاً، حسب وكالة الانباء الفرنسية، وحسب مجلة تايم الأميركية، فإن مؤسسة ضمان الودائع الفيدرالية، ستتولى تصفية المصارف الأربعة الموجودة في ولايات نبراسكا، وفلوريدا، وأوريجون، وإلينوي.