تنمية موارد المؤسسات الخيرية مسؤولية من؟!
إبراهيم بن عبد الله السماريفي كل مجتمع انساني يتفاوت الناس في قدراتهم المادية ومهاراتهم الذاتية القادرة على اغناء انفسهم عن طريق التفكير في سبل تنمية مواردهم واقتحام سوق العمل بما يمكنهم من المنافسة والفوز بالفرص المتاحة.
وبرغم تفاوت القدرات والهمم والمهارات الا ان الانسان مكرم من ربه عز وجل ومفضل على كثير من المخلوقات قال الله تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» سورة الاسراء آية 70.
وفي المجتمع المسلم تبرز أهمية العمل الخيري بشكل اوضح لانه مرتبط بالوازع الايماني والثواب الرباني، حيث يفيض القادرون على اخوانهم المحتاجين من رزق الله ما يحفظ كرامة المحتاج ويعود بالنفع في الدنيا والاخرى على القادر.
وذوو الحاجة يقل عددهم او يكثر من مجتمع الى مجتمع بل ويزداد عددهم او ينقص في المجتمع الواحد بحسب تطورات الاحوال الاقتصادية والاجتماعية ومن هنا تبدو اهمية تنظيم عملية العمل الخيري الهادف الى اغناء ذوي الحاجة او على الاقل سد ضروراتهم او جزء منها بحسب الطاقة والامكانات المتاحة.
وفي بلادنا الحبيبة حيث أسست الدولة السعودية على اساس ايماني راسخ منذ نشأتها وحيث المجتمع المتمسك بدينه واخلاقه الكريمة فان ذوي الحاجة لا يشعرون بالفوارق التي يشعر بها غيرهم في مجتمعات اخرى ليس اهلها مثل اهل هذه البلاد استشعارا للوازع الديني. وفي الجانب الآخر تكثر الاعمال التطوعية الهادفة الى ايجاد مجتمع متماسك متعاون وكان من ثمارها اليانعة كثرة الجمعيات والمبرات الخيرية في مناطق المملكة المختلفة. وبرغم العوائق التي تعترض العمل التطوعي في بلادنا وقد ابسط القول عنها في مقال مستقل فان ازدهار العمل الخيري في هذه البلاد يستحق الاشادة وهو ثمرة التعاون بين الدولة والمواطن لدعم هذا العمل النبيل في اهدافه وثماره.
ونتيجة للتجربة المتواصلة في المجال التطوعي المحلي احس القائمون بهذه الاعمال والمشاركون فيها بأهمية تنمية موارد العمل الخيري لأن العامل الاقتصادي هو عصب حياة كل عمل في هذا العصر الا انه لا يمكن اغفال الصبغة الدينية التي لابد من صبغ العامل الاقتصادي بها في المجتمعات المسلمة فالمتبرع للعمل الخيري في المجتمع المسلم يبتغي الاجر من الله عز وجل ولذا يمكن استثارة هذا العامل من خلال التذكير بوعد الله العظيم للمحسنين واختراع السبل المعينة على ايصال هذا المفهوم الى القادرين من اهل الخير وتذكيرهم به في مختلف المناسبات.
وقد اهدى لي الشيخ خالد بن عبد الله الفاضل كتابا بعنوان «الاساليب والنظم المعينة على تنمية الموارد والتبرعات بالهيئات والجمعيات والمؤسسات والمنظمات الخيرية» لمحيي الدين بن سعود المغلوث».
والكتاب شامل ومفيد الا انه لم يسلم من بعض الملحوظات التي كنت اتمنى ان يخلو منها لو بذل لها بعض العناية وسأشير الى اهمها فيما بعد.
في الباب الاول تحدث المؤلف عن اهمية تنظيم العمل الخيري وتأصيله وكان عنوان الباب الثاني: عناصر العمل الخيري وهي المتطوع والمتعاون والموظف والمندوب وادارة المؤسسة الخيرية حيث فصل القول عن تعريفها واهميتها وأساليب تنميتها.
وركز الباب الثالث على كيفية بدء العمل الخيري واورد المؤلف بعض النقاط المطلوبة لتأسيس عملية اتصالية بين المؤسسة الخيرية وبين المستحقين وبينها وبين المتبرعين لتنمية مواردها المالية.
وخصص المؤلف الباب الرابع لأساليب ونظم زيادة الموارد والتبرعات متحدثا عن السندات ذات القيمة «دفاتر التبرعات» والمساجد والندوات والمناسبات العامة والحفلات الخيرية والاقتطاع الشهري والتبرعات العينية والمبيعات الترويجية والإعلانات والنشرات الإعلامية عن طريق الملصقات والنشرات والمجلات التعريفية والظروف وأشرطة الفيديو وصناديق البريد والهاتف والحصالات الصغيرة والكبيرة والمعارض الثابتة والمتنقلة والزيارات الميدانية والأكشاك والمدارس والكليات والمندوبين والتجار والهبات والأوقاف والاستثمار التجاري والطبق أو السوق الخيري.
وفي الباب الخامس اقترح المؤلف خطة عمل لشهر رمضان أو مواسم الذروة في ضوء الأساليب التي ذكرها في الباب السابق.
وصمم المؤلف في الباب السادس نماذج تساعد على ضبط آلية التعامل داخل المؤسسة الخيرية.
وجاء الباب السابع ليتحدث عن الإسلام وتفرده في ضمان موارد للفقراء والمحتاجين في حين تحدث الباب الثامن عن الصدقات والباب التاسع عن الربا والباب العاشر عن تنمية الموارد وأثرها في دعوة الناس للتفكير في آيات اللّه «لعل المؤلف أراد الحديث عن جزء من مقومات التطوع الدعوي».
وخصص المؤلف الباب الحادي عشر للحديث عن فريق العمل في المؤسسات الخيرية وأهميته وفوائده في حين تحدث في الباب الثاني عشر عن الرقابة والتوجيه في الأعمال الخيرية وأشار في الباب الثالث عشر الى بعض معوقات العمل الخيري وتنمية الموارد.
وأفاض الحديث في الباب الرابع عشر عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة العمل الخيري على مستوى الدولة والأفراد. كما أورد مقتطفات إخبارية عن العمل الخيري مما ورد في بعض الصحف السعودية. ثم أورد مقتطفات من بعض الدراسات عن العمل التطوعي العالمي وعاد فأرفق صورا لبعض المقالات والتحقيقات في الصحف السعودية والخليجية عن العمل الخيري. ولم يتضح لي معنى الفصل بين ما نقله من المقتطفات الإخبارية وما نقله من المقالات والتحقيقات؟
وعلى أية حال هناك بعض الملحوظات التي تمنيت أن يلحظها مؤلف الكتاب فيتلافاها ومن أهمها:
1 طول عنوان الكتاب مع أنه يجمعه لفظ موجز هو «أساليب تنمية موارد العمل الخيري».
2 عدم مراعاة التسلسل المنهجي فعنوان الباب السابع مثلا هو: «الإسلام وتفرده في ضمان موارد للفقراء والمحتاجين» مع أن حقه التقديم. وكذا تكرر ذكر المؤلف العنوان في صفحة مستقلة ثم ذكره في رأس الصفحة التالية!
جعل المؤلف الباب الخامس عشر ملحقا ونقل في 124 صفحة بعض الدراسات عن العمل التطوعي العالمي. والباب لا يمكن أن يكون ملحقا والصواب أن ما أورده المؤلف هو ملحق وليس بابا. كما أن طول ما نقله أضاع فائدة بعض الإشارات المهمة فيما نقله وكان الأولى التركيز على المهم منها.
3 كثرة الأرقام في عناوين فقرات الكتاب وتداخلها بحيث يصعب الربط بين الفقرات بل ويستحيل إلا بعد إضاعة وقت القارئ وإجهاد ذهنه.
4 عدم العناية بتصنيف العناصر فمثلا: فتح المحلات الخيرية التجارية وقبول أسهم الشركات يدخل في دائرة استثمار الأموال إلا أن المؤلف استعرضه في ثلاثة عناصر. والباب السابع يتحدث عن الإسلام وتفرده في ضمان موارد للفقراء والمحتاجين. والباب الثامن عن الصدقات والباب التاسع عن الربا والباب العاشر عن تنمية الموارد وأثرها في دعوة الناس للتفكير في آيات اللّه . وكان يمكن دمجها جميعا في موضوع الباب السابع مع بيان أثر كل عنصر ومعالجة الإسلام له وأثره في تنمية الموارد مع تقديمه الى بداية الكتاب ليكون تسلسله منطقيا.
5 كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية الفادحة مثل نصب المبتدأ حين يكون من جمع المذكر السالم ونحو ذلك.
6 الإخراج الطباعي كان سيئا وسرعة تمزق صفحات الكتاب ملفتة للنظر. والمقرر أن الدرة النفيسة لا تقدم في وعاء رديء وإنما يختار لها الوعاء الجذاب والمناسب لأهميتها ومكانتها.
الكتاب الذي استعرضته معك أخي القارئ كتاب قيم ومفيد ويقدم إجابة شافية للسؤال المعنون به هذا المقال «تنمية موارد المؤسسات الخيرية مسؤولية من؟!» وهو معين للعاملين في المجال التطوعي، لأن أساس عملهم تنمية الموارد الكفيلة باستمرار عطائهم. هذا وباللّه التوفيق.
أحدث التعليقات