تأثير النمو السكاني المنفلت في الدول النامية على عمليات النمو الأقتصادي

تأثير النمو السكاني المنفلت في الدول النامية على عمليات النمو الأقتصادي

يقصد بالأنفلات في النمو السكاني هو ظاهرة عدم تحديد النسل بشكل منظم ومتناسب مع الدخل المعيشي المتوفر حيث يؤدي ذلك الى زيادة عدد السكان بشكل مضطرد مسبباً أزمة متعددة الأوجه بالضغط على الخدمات العامة والجوانب الصحية والتعليمية ، وذلك لأنها تتطلب إنجاز المزيد من المشاريع الخدمية ومشاريع الإسكان و توفير فرص العمل وزيادة مشاريع التعليم وهذا ما يعني ضرورة توفير المزيد من الميزانيات المالية لغرض تجاوز الأزمات المتنوعة التي تخلفها هذه الظاهرة.

وتؤثر هذه الظاهرة على الجانب التنموي والخدمي لأنها تتسبب بتكوين الضغط على الخدمات المتوفرة مما يسبب بحدوث خلل كبير وأزمة خدمية بغض النظر عن إحداث الخلل في عدم كفاية توفير وتوزيع الدخل القومي ، حيث يعزى التأثير السلبي لهذه الظاهرة أنها لا تتناسب مع الموارد الأقتصادية المتوفرة أو المستغلة لتوفير الدخل القومي.

إن التخطيط الإنمائي في الدول يتم من خلال إجراء عملية توازن في الواقع بين عدد السكان وبين الموارد الأقتصادية المتوفرة وبما يتيح ذلك من توفير التخطيط لعمليات التنمية في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والتعليمية ،والذي يخدم في النهاية التنمية الأقتصادية في البلد ، ويلاحظ على الدول المتقدمة أنها لم تحدد النمو السكاني بعد الثورة الصناعية التي حصلت فيها لأنها كانت بحاجة الى زيادة القوى العاملة بالشكل الذي يخدم النمو الأقتصادي السريع فيها ، ولكنها حينما مرت في أزمات أقتصادية خصوصاً بعد الحروب العالمية ، فإنها عمدت الى تحديد النمو السكاني بالشكل الذي لا يكون أو يساعد على أستمرار الأزمات الأقتصادية .

إن التوازن بين عدد السكان والمقومات الأقتصادية المتوفرة وما يشجع للتطوير والتقدم المرتبط بالتنمية الأقتصادية يهدف الى توفير الحدود الأدنى من الرفاه الأجتماعي والأقتصادي للسكان ، ويؤدي الأنفلات والزيادة بعدد السكان الى خلق الصعوبات والأزمات التي تحول دون تحقيق هذا الرفاه .

إن معظم أسباب النمو السكاني المنفلت في الدول النامية لا تتعدى مافي الأسباب التالية :

1- وجود العقائد الدينية والعادات الأجتماعية والقبلية والتي تقف بالضد من عملية تحديد النسل .

2- الرغبة الشعبية أو القومية في زيادة السكان بشكل يؤدي الى زيادة الأفراد للشعور بالقوة بإتجاه الآخرين من الدول أو القبائل المجاورة .

3- الرغبة في زيادة الأفراد لأستخدامهم في توفير قوى عاملة تخدم الأسرة وتزيد من دخلها ، دون العلم أن هذه الزيادة ستسبب زيادة حالات البطالة والفقر مع ما يواجهها من إنخفاض فرص العمل.

4- إنخفاض الحزم من قبل الدولة لإصدار القوانين الصارمة لتحديد النسل وتلافي ظاهرة تزايد عدد السكان غير المدروس.

أما نتائج النمو المنفلت في السكان وتأثيره على التخطيط للتنمية الأقتصادية:

1- الضغط على البنى التحتية المتوفرة في البلد وخلق الأزمات في الخدمات المتوفرة مثل الإسكان والتعليم والصحة والمواصلات وغيرها .

2- إحداث زيادة في معدل الأستهلاك وبما لا يتناسب مع الأنتاج الزراعي المتوفر مما يؤدي الى توسيع ثغرة الأستيراد وبالتالي صرف كميات إضافية من العملة الصعبة وهذا يعني هدراً فيها لأن توفرها يساعد في التنمية الأقتصادية من خلال استخدامها في استيراد الآلات والأجهزة الحديثة والتقنيات المستخدمة في تطوير العوامل الأنتاجية في البلد.

3- زيادة استهلاك الوارد الأقتصادية والثروات المتوفرة في البلد بشكل غير لا يساهم بقوة في حساب تأمين حاجة الأجيال بالمستقبل .

4- ابتعاد المرأة بشكل أكبر عن مسيرة التنمية ، فإنشغالها بكثرة الولادات والتربية سيفوت عليها فرصة التعليم أو المشاركة في التنمية الأجتماعية ، وربما تعمل على زج نفسها في الأعمال الصعبة الى جانب الرجل لغرض السيطرة على توفير الغذاء والمواد الأستهلاكية لأفراد العائلة .

5- زيادة الهجرة من الريف الى المدينة للحصول على العمل ، وذلك بسبب زيادة عرض قوة العمل في الريف مع قلة عروض العمل المتوفرة ، وتؤدي زيادة عرض قوة العمل الى انخفاض الأجور من جهة وزيادة معدل البطالة .

6- زيادة تسرب الشباب من المدارس بأعمارصغيرة لغرض العمل ومساعدة أهاليهم لتوفير المتطلبات الحياتية ، وبهذا ستزيد نسبة الأمية وغير المتعلمين ويخسر البلد شريحة يمكن أن يعتمد عليها في التخطيط للتنمية .

7- إن زيادة نمو السكان سيؤدي الى زيادة الأستهلاك وبالتالي يؤدي ذلك بالنتيجة الى خفض الأدخار وعدم توفر رؤوس الأموال المهمة في عملية الأستثمار والتنمية الأقتصادية.

8- ارتفاع معدل الديون والقروض على الدولة نتيجة زيادة الحاجة لمواكبة الخدمات مع الزيادة السكانية الكبيرة .

إن تأثير الإنفلات في النمو السكاني يمكن أن لا يؤثر في مسيرة التنمية الأقتصادية عندما يتم استيعاب الأرتفاع في النمو السكاني من خلال رفع مستوى الخدمات المختلفة وبما يتناسب مع احتواء هذه الزيادة وبشكل لا يؤثر على الحالة المعيشية للسكان ، ولكن هذا يحتاج الى قوة تكتيكية في التخطيط الخدمي واستغلال الموارد الأقتصادية بشكل مدروس لرفع الدخول المعيشية للسكان ، وذلك لأمتصاص هذه الزيادة السكانية ولكن ذلك يجب أن يكون مقروناً بحملات تثقيفية أو قوانين حازمة ترفع عن السكان حالة الجهل التي تؤثر بشكل أو بآخر على مستقبل النمو الأقتصادي في البلد.

ومن أهم المخططات للحد من الأنفلات في النمو السكاني مايلي :

1- توجيه الأهتمام بشكل كبير للمرأة في المجتمع من خلال الرعاية العلمية والثقافية مما يؤدي الى توعيتها بضرورة إيجاد التوازن في الحالة المعيشية من خلال تحديد النسل ، ومشاركتها كعنصر فعال في المجتمع باستغلالها لفرص العمل ، مما يؤدي الى  زيادة وعيها لتفهم استقرار الناحية المعيشية وتجنب الفقر .

2- دراسة توسيع الأنتاج وتنويعه من خلال تنويع مصادره والتخطيط لتوفير فرص العمل للحد من الفقر والبطالة الناتجة من تزايد السكان ، وأهم ذلك هو إيجاد مصادر جديدة للأنتاج.

3-التأكيد على تطبيق القوانين الرامية لتحديد النسل وبما يتوافق مع مسيرة التنمية البشرية والأقتصادية في البلد وما يتناسب مع المصادر الأقتصادية الممتوفرة أو المخطط لأستثمارها في المستقبل .

4- الأهتمام بالجانب الإعلامي والتوعوي الذي يهدف الى  تثقيف السكان حول المشاكل المترتبة على الأنفلات في النمو السكاني غير المخطط له والذي يسبب التعسير في الحياة المعيشية وبالتالي آثاره السلبية على المجتمع الأقتصادي .

5- توجيه الأهتمام الى وضع خطط إنمائية لتنمية الموارد البشرية ذات إتجاهين أحدها استغلال الرأسمال البشري في عمليات التنمية والآخر في توسيع دائرة العمل داخل البلد وخارجه وبما لا يضر القاعدة العلمية والتقنية من الطاقات الوطنية المتوفرة .

6- التثقيف والتوعية حول ضرورة عدم التركز بالعيش في المدن وضرورة تنمية الريف في كل النواحي لتقليل ظاهرة الهجره منه الى المدن والتي تسبب حالة ارتفاع الكثافة السكانية غير المناسبة .

 

عبدالقادر إسحق إسماعيل/ الأكاديمية العربية بالدنمارك / الدراسات العليا