تفعيل العمل الخيري للقضاء على الفقر – تحقيق : محمد الدسوقي

تفعيل العمل الخيري للقضاء على الفقر

 

معد التحقيق : محمد الدسوقي – القاهرة

تنشيط العمل الخيري في جميع مجالاته ضرورة دينية وعصرية للنهوض بالمستوى المعيشي للفقراء والمحتاجين، ورعايتهم، وتوفير احتياجاتهم.هذه الحقيقة المهمة يؤكدها عدد كبير من العلماء والمفكرين وخبراء الاقتصاد الإسلامي وأساتذة الجامعات.

خبراء الاقتصاد الإسلامي وأساتذة الجامعات يطلبون: تفعيل العمل الخيري للقضاء على الفقر

د. حمدي عبد العظيم:  ديننا يُلزمنا بتوفير الحاجات الإنسانية والمستوى المعيشي اللائق للفقراء.

د. رفعت العوضي: الزكاة والصدقات التطوعية من أهم وسائل نشر العمل الخيري في المجتمع.

د. كمال توفيق الحطاب: العمل الخيري يحمي المجتمع من مخاطر الفقر الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.

د. نبيل السمالوطي: خيرية العمل الإسلامي تتسع لرعاية الجميع دون النظر للدين أو الجنس أو اللون.

تحقيق: محمـد الدسـوقي 

تنشيط العمل الخيري في جميع مجالاته ضرورة دينية وعصرية للنهوض بالمستوى المعيشي للفقراء والمحتاجين، ورعايتهم، وتوفير احتياجاتهم.

هذه الحقيقة المهمة يؤكدها عدد كبير من العلماء والمفكرين وخبراء الاقتصاد الإسلامي وأساتذة الجامعات.

وحذروا من تزايد الفقر في كثير من البلاد العربية والإسلامية مع ارتفاع عدد السكان، وانتشار الفساد الإداري والتخلف العلمي والتعليمي، وضعف الرقابة المالية، واتساع المسافة بين الفقراء والأغنياء وتزايد البطالة.

وأكدوا أنه رغم وضوح المنهج الإسلامي في علاج مشكلة الفقر، فإن الأمم المعاصرة والمؤسسات الدولية لا تزال عاجزة عن فهم أبعاده، وآثاره، وضوابطه، فهي تتخبط بين سياسات التحرير والتقييد حتى تفاقمت مشكلة الفقر عالميا، وارتفع عدد فقراء العالم إلى أكثر من مليار مواطن معظمهم في الدول النامية والمتخلفة دون وجود بارقة أمل في تحسين أحوالهم.

العلماء والخبراء وأساتذة الجامعات يجزمون بأن تنشيط العمل الخيري الإسلامي أقصر الطرق وأسرعها للقضاء على الفقر، ورعاية الفقراء وتوفير

احتياجاتهم.

وفي التحقيق التالي نتعرف على المزيد من آرائهم وأفكارهم:

يقول الدكتور حمدي عبد العظيم العميد السابق لأكاديمية العلوم الإدارية بالقاهرة: لقد عُني الإسلام بمواجهة مشكلة الفقر بأساليب علمية، وأدوات عملية جادة، حيث حرص على توفير حد الكفاية لكل فرد في المجتمع، بصرف النظر عن عقيدته.

ولا شك في أن العمل الخيري بأشكاله المتعددة يُمثل علاجا ناجعا في مواجهة الفقر، والتخفيف من آثاره، والحد من مخاطره.

ويلفت إلى أن حد الكفاية هو المستوى اللائق للمعيشة، وليس المستوى الأدنى المعروف بحد الكفاف، ذلك أن علاج الإسلام للفقر ينقل الفرد من مستوى الفقر إلى مستوى الغنى.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أعطيتم فأغنوا”.

ويشير إلى أن النظم الرأسمالية توفر حد الكفاف فقط في صورة إعانات بطالة أو طوابع غذاء، بينما تهتم النظم الاشتراكية بالمساواة في الكفاف دون تفاوت.

ويمضي الدكتور عبد العظيم قائلا: لقد اهتم الإسلام من خلال العمل الخيري ، سواء أكان فرضا أو تطوعا، بتوفير ما يشبع الحاجات الإنسانية للفقراء، فالإسلام لا يوفر الحاجات الضرورية فقط، بل يتعدى ذلك إلى توفير ما يؤدي إلى تيسير حياة الناس ويعينهم على احتمال أعباء الحياة، ويرفع عنهم الضيق أو الحرج، وتوفير ما يؤدي إلى تجميل حياة الناس، ويترتب على فقده خروج الناس من مقتضى الكمال الإنساني.

وإذا توفر حد الكفاية لكل فرد في المجتمع الإسلامي، فإن الإسلام لا يمنع الثراء أو الغنى بشرط توافر التقوى والصلاح.

مخاطر مشكلة الفقر

 

ويحذر الدكتور حمدي عبد العظيم من مخاطر مشكلة الفقر بقوله: يؤدي الفقر إلى العجز عن إشباع احتياجات الفرد، ومن يعولهم من الطعام والشراب والدواء والكساء والمسكن والإحساس بالمعاناة، وعدم القدرة على العمل بإنتاجية مرتفعة، لأن سوء الأحوال المعيشية يؤدي إلى ضعف الإنتاجية، وضعف القدرة على الإنفاق على التعليم أو العلاج أو المواصلات أو المياه النقية أو الكهرباء، وغيرها من سبل تيسير الحياة على الناس.

ويؤدي الفقر إلى جنوح الأفراد إلى الجرائم الاجتماعية المترتبة على انعدام الدخل، مثل السرقة والاغتصاب والبلطجة والتسول، والبحث عن الدخل غير المشروع مثل تجارة المخدرات والبغاء.

كما يؤدي الفقر إلى زيادة البطالة وانتشار الجرائم في المجتمع وحدوث العنف والصراع الطبقي، وما يرتبط به من حقد وكراهية وانتشار الفساد والإدمان وانخفاض مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية بصفة عامة، وزيادة معدل الوفيات في المجتمع خاصة بين الأطفال.

ومن هذا كله تبرز أهمية تفعيل العمل الخيري لوقاية المجتمع المسلم من تلك المخاطر التي تمتد في مناح عديدة.

 

نشر العمل الخيري

أما الدكتور رفعت العوضي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر فيؤك والقضاء عليها.

 

ويقول: إن مبدأ الاستخلاف يعطي الغطاء الرقابي لتنفيذ هذه التشريعات، وذلك لأن المخاطب بهذه التشريعات مستخلف على ما في يده، وهذا يوجد نوعا من الرقابة، وهي رقابة ذاتية إيمانية، وهي أرقي أنواع الرقابة.

ويضيف أن مبدأ الاستخلاف له رباطه الوثيق مع موضوع مواجهة الفقر لعلاجه والقضاء عليه، حيث يوجد البيئة العقيدية التي يقبل فيها من بيده الملكية على أن يوظف هذه الملكية في معالجة مشكلات المجتمع.. هذا الأمر الذي عبر عنه الفقهاء بقولهم: “للملكية وظيفة اجتماعية”.

كما يحدد مبدأ الاستخلاف طبيعة الملكية في الإسلام، سواء خاصة أو عامة، فيجعل هذه الملكية تستمد مشروعيتها من تشريعات الله سبحانه وتعالى، وغرس هذا المبدأ في نفس المالك، فردا أو دولة الأمر الذي يجعله يتصرف على أنه وكيل على ما في يده، وبموجب هذه الوكالة فإنه يلتزم بالتشريعات المنظمة للملكية، من حيث الوسائل التي يكتسبها بها، ومن حيث الطرق التي يستثمرها بها، ومن حيث الالتزامات الاجتماعية التي يكلف بها بسبب هذه الملكية، مثل الزكاة، وغيرها من أدوات ووسائل نشر العمل الخيري في المجتمع.

ويوضح الدكتور العوضي مبدأ الاستخلاف من أساليب القضاء على الفقر في الإسلام، وهذا المبدأ وإن لم يمكن ترجمته في أسلوب مادي إلا أنه يهيمن على كل الأساليب المادية التي تواجه بها مشكلة الفقر، كما يعطي مبدأ الاستخلاف الأساليب الإسلامية في مواجهة الفقر صيغة تجعلها متميزة، لانطلاقها من مبدأ مهيمن عقيديا على من تقع عليه الالتزامات للمشاركة في مواجهة الفقر، فالمستخلف مكلف بأن يجعل جزءا مما استخلف د أن الإسلام جاء بتشريعات متنوعة تستهدف علاج مشكلة الفقر

فيه للقضاء على الفقر، وهذا هو التميز الذي يتحقق في الأساليب الإسلامية للقضاء على الفقر.

 

العمل الخيري.. وقاية وعلاج

ويجزم الدكتور كمال توفيق الحطاب أستاذ الاقتصاد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة اليرموك بأن الإسلام سبق جميع النظم الاقتصادية الوضعية في إرساء قيم وقواعد وأسس وضوابط تشجيع العمل الخيري بهدف الوقاية من الفقر وعلاجه، لحماية المجتمع المسلم من مخاطره الصحية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

 

ويضيف أن الزكاة هي الأداة الأولى، والسياسة الأولى من سياسات التكافل الاجتماعي، كما أنها أهم أداة من أدوات السياسة المالية الإسلامية، التي تسهم في تحقيق الاستقرار والتوازن الاقتصادي.

ويوضح أن الإسلام يشجع الصدقات والعمل، ويحارب البطالة والتسول، ويحث على التكافل الاجتماعي لحماية المجتمع المسلم من الفقر، كما شرع “القرض الحسن” تدعيما لأواصر المحبة والألفة والتعاون في المجتمع.

ويضيف أن حكمة الله عز وجل اقتضت أن يخلق الناس متفاوتين في قدراتهم ومواهبهم وميولهم وذكائهم من أجل أن يتعاونوا، ويكمل بعضهم بعضا في مهمة الإعمار والخلافة، والإكثار من الخير، والتقليل من الشر، وفي كافة العصور لا تستطيع تلبية حاجاتها ورغباتها بما يغنيها عن مساعدة الناس وعونهم. وقد اعترف الإسلام بهذه الفئة، وجعل لها حقوقا ثابتة علي المجتمع والدولة..

وفي كل مجتمع تصاب فئة بالعجز، أو المرض، أو الإعاقة، أو الإفلاس، أو غير ذلك من أشكال الضعف البشري.

وهذه الفئة تحتاج إلى من يقوم برعايتها والإنفاق عليها، وقد تكفل الإسلام بهذه الفئة، وضمن لها حقوقا دائمة في بيت مال المسلمين..

ويشدد الدكتور كمال توفيق الحطاب على أن الإسلام جاء بسياسات وقائية لمواجهة مشكلة الفقر قبل أربعة عشر قرنا، وطبقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون من بعده، وتمكنوا خلال فترة قياسية من نقل الجزيرة العربية، وما حولها من ظلمات الجهل والتخلف والفقر إلى نور الإسلام والتقدم والرفاهية.

فقد حث الإسلام علي العمل، وجعله واجبا علي كل مسلم، كل فيما يطيقه ويتناسب مع ميوله وقدراته. وحارب الإسلام البطالة والتسول، وسد جميع المنافذ الموصلة إليهما.

وعالج الإسلام كافة البواعث والمعوقات النفسية التي يمكن إن تعيق الإنسان عن العمل، فرفض القعود عن العمل بحجة العبادة، واعتبر العمل عبادة إذا لم يكن في معصية الله.

 

إنسانية العمل الخيري

ويُشدد الدكتور نبيل السمالوطي العميد السابق لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر على العمل الخيري المستمد من قيم الإسلام وتعاليمه السمحة يتميز بأنه إنساني، ويتسع لرعاية الناس جميعا دون النظر للعقيدة، أو الجنس، أو اللون.

 

ويقول : إن الإسلام يقر مبدأ الفروق الفردية بين الناس، ويعتبر الفقر والغنى حقيقتين ثابتتين من طبيعة الوجود الإنساني والاجتماعي.. قال تعالى: “نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”.

ويلفت إلى أن الإسلام لا يسمح بأن يُذل الفقير، أو يتغطرس الغني، فيكون الحقد الطبقي والصراع الاجتماعي المدمر واستغلال بعض الناس موقفهم على السُّلم الاقتصادي لنيل امتيازات غير مشروعة.

وقد قدّم الإسلام نظاما متكاملا لمواجهة الفقر يتضمن تمكين كل قادر على العمل، سواء أكان ذهنيا أو يدويا، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على العمل اليدوي، فقال: “ما أكل ابن آدم طعاما خيرا من عمل يده، وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده”.

وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم نبي الله داوود لأنه كان قائدا عظيما وملكا ذا سلطان، وتحت يده خزائن الدولة، لو أخذ منها ما يكفيه وأهله بالمعروف ما كان عليه غضاضة فيما يأخذ لكنه آثر أن يأكل من عمل يده، لينال ذلك الكسب الطيب الذي هو خير كسب.

وبالنسبة للعاجزين عن الكسب بسبب الشيخوخة أو المرض أو الأنوثة أو الصغر أو اليتم.. فإن الإسلام يتكفل بهم حيث يجب على المجتمع إعالتهم.

ولا شك في أن هناك حاجة ملحة إلى دعم مسيرة العمل الخيري الإسلامي في شتى الميادين، لتوفير حاجات الفقراء والمحتاجين من الطعام والدواء والكساء، وتأكيد تكافل المجتمع الإسلامي الذي يُمثل ميزة لصالح البشرية كلها في ظل تعاليم الإسلام ، وغاياته السامية.