مقال : الجمعيات الخيرية وتجفيف منابع الخير – أحمد حسين

الجمعيات الخيرية وتجفيف منابع الخير

بقلم : أحمد حسين

في ظل حملة الإرهاب الحالية تتوجه أصابع الاتهام إلى الجمعيات الخيرية في العالم العربي على وجه التحديد، وقد أوعزت الإدارة الأمريكية إلى الحكومات العربية خصوصا الخليجية بتشديد قبضتها على الجمعيات الخيرية، تحت زعم تمويلها لما تصفه بالجماعات الإرهابية ضمن خطة أمريكية أوربية لتجفيف مصادر تمويل الجماعات الإسلامية.

وثارت في العالم العربي تساؤلات عديدة، خصوصا بعد أن أدرك الجميع أن الحملة الأمريكية الأوربية تطال الإسلام رغم النفي المتواصل من المسئولين الأمريكيين والأوربيين.. من هذه التساؤلات:

هل تضع أمريكا والغرب ضمن خططها تجفيف منابع الخير في العالم العربي؟

هل تتدخل الحكومات العربية خصوصا في الخليج لإحكام القبضة على نشاطات الجمعيات الخيرية؟

هل تطلب الإدارة الأمريكية من الحكومات العربية تصفية العمل الخيري، خصوصا الموجه للعمل الإنساني في الأراضي المحتلة وفى غيرها من الدول الإسلامية الفقيرة؟

بل إن التساؤل الأهم الآن الذي نحاول أن نجد إجابة له في هذا التقرير هو:

هل يتوقف دعم الجمعيات الخيرية في الخليج لحركات المقاومة في فلسطين بعد أن أدرج الاتحاد الأوربي كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي على قائمة المنظمات الإرهابية؟

وما هو موقف الحكومات العربية والخليجية بالتحديد من الجمعيات الخيرية التي ستواصل تقديم الدعم للفلسطينيين؟

المؤشرات حتى الآن لا تدعو للتفاؤل بشأن مستقبل العمل الخيري بعد طلب الإدارة الأمريكية من الحكومات العربية تشديد القبضة على المؤسسات الخيرية التي تدعم الجماعات “المتشددة” من وجهة النظر الأمريكية؛ فعلى الفور سارع عدد من الحكومات في الخليج بفرض الرقابة على عمل الجمعيات الخليجية، وباتت الجمعيات مطالبة بإبلاغ الحكومات بأنشطتها، وباتت السلطات مطالبة بمتابعة أنشطة الجمعيات التي كانت في السابق تمارس عملها دون تدخل من السلطات؛ لإدراكها أن مساعدات جمعياتها تتوجه في الطريق السليم.. حدث ذلك في الإمارات والكويت والسعودية.

ففي الكويت، أعلنت الحكومة الكويتية عن عزمها إنشاء لجنة عليا للإشراف على الجمعيات الخيرية، كما أعلنت حكومة دبي عن تأسيس مجلس إشرافي تنسيقي لمتابعة أعمال الجمعيات الخيرية في الإمارة.

نشاطات.. والمحتاجون عرب وأمريكيون

تعد دول الخليج أكثر الدول العربية التي تضم عددا كبيرا من الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعدات بملايين الدولارات سنويا إلى المحتاجين في أرجاء العالم الإسلامي (من الدول العربية حتى كوسوفا والشيشان والصومال والبوسنة والهرسك وأفغانستان)، بل إلى أمريكا اللاتينية في الأرجنتين والبرازيل، وحتى أوربا وأمريكا حيث تتكفل هذه الجمعيات ببناء المساجد والمراكز الإسلامية في العديد من الدول الأوربية والولايات الأمريكية.

ويوجد المئات من الجمعيات الخيرية الخليجية التي لديها برامج للمساعدات سواء للإغاثة في الدول التي تتعرض لنكبات طبيعية أو تقوم بحركات المقاومة الجهادية في فلسطين، أو في الدول التي تحتاج إلى مساعدات لإعادة الإعمار كما في البوسنة والهرسك وكوسوفا والصومال. وتأخذ هذه الجمعيات أوجها عدة، منها ما هو حكومي كجمعيات الهلال الأحمر، ومنها ما يعود للأسر الحاكمة التي تؤسس جمعيات خيرية باسمها لمساعدة المحتاجين في كل مكان، ومنها جمعيات نفع عام تأسست من تبرعات رجال الأعمال والمقتدرين.

وفي الإمارات على سبيل المثال هناك جمعيات الأسر الحاكمة كما في حالة مؤسسة الشيخ زايد بن سلطان للأعمال الخيرية والإنسانية ورأسمالها مليار دولار، وبلغ حجم إنفاقها على المشاريع الخيرية في داخل الإمارات وخارجها العام الماضي 83 مليون درهم (24 مليون دولار) وتمتد مشاريعها لتشمل إنشاء عدد من المراكز الصحية ودور الأيتام في الأراضي المحتلة، وكذلك مشاريع خيرية في كل من سلطنة عمان والسودان وموريتانيا والصومال ونيروبي وجزر القمر وساحل العاج وباكستان والهند وروسيا، كما وصلت مساعداتها إلى السويد وبريطانيا لإنشاء مساجد للجاليات الإسلامية هناك. وكذلك هناك مؤسسة محمد بن راشد للأعمال الخيرية والإنسانية المملوكة لولي عهد إمارة دبي والتي تلعب دورا كبيرا منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في توصيل المساعدات الخيرية لأسر الشهداء وجرحى الانتفاضة.

وعن الجمعيات التي تأسست من قِبل رجال الأعمال وكبار التجار فهناك مثلا جمعية “بيت الخير” في دبي التي يرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال المعروف “خليفة النابودة”، وتشكلت بمبادرة من مجموعة من رجال الأعمال لتقديم المساعدات المادية والعينية للأسر المحتاجة في داخل الإمارات وخارجها، وتعتمد مثل هذه الجمعيات في مصادر تمويلها على تبرعات رجال الأعمال والزكوات التي تجمعها على رؤوس أموال التجار؛ حيث توجد في الإمارات ظاهرة جيدة هي أن هناك من رجال الأعمال من يقدمون زكاة أموالهم سنويا إلى الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعدات للمحتاجين في الداخل والخارج.

وعادة ما تنشط الجمعيات الخيرية في شهر رمضان بالتحديد لجمع زكاة المال من التجار ورجال الأعمال، وفي المقابل تقدم المساعدات للمحتاجين في هذا الشهر، ولوحظ في شهر رمضان الذي انقضى منذ أيام أن عددا كبيرا من رجال الأعمال تسارعوا للإنفاق من زكاة أموالهم – عن طريق تلك الجمعيات – لأسر شهداء الانتفاضة والأسر الأفغانية.

وقد اتبعت جمعية مثل “بيت الخير” في دبي فكرة تمويل أنشطتها بشكل مستمر عن طريق أن يتعهد رجل الأعمال بتخصيص مبلغ سنوي لأنشطة الجمعية علاوة على زكاة المال التي يخرجها سنويا، لذلك لدى الجمعية العديد من المشاريع الخيرية مثل مشروع الصدقة الجارية (عطاء)، وهدفه تكوين وقف خيري لكل مشروع قائم أو تقوم به الجمعية على مدى عامين، وتعطي الجمعية من خلال هذا المشروع للمحسن أو المتبرع الحق في أن يعمل لنفسه وقفا خاصا به أو يساهم مساهمة دائمة في هذا الخير.

انتشار واسع.. والسبب؟؟

يعود السبب في انتشار الجمعيات الخيرية بكثافة في دول الخليج دون غيرها من الدول العربية والإسلامية إلى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بعد أن حققت دول الخليج وفرة مالية من ثروات البترول، ورأت الحكومات الخليجية ومعها رجال الأعمال ضرورة مشاركة الآخرين همومهم من خلال مساعدة المحتاجين، ودعم الدول الإسلامية المحتاجة إلى مساندة مالية لإنشاء المساجد والمراكز الصحية والمستشفيات والمدارس.

ويرى البعض أن العمل الخيري أضفى على دول الخليج طابعا إنسانيا عند الشعوب المتلقية لمساعداتها الخيرية، كما يرى كثيرون أن دول الخليج استفادت إعلاميا من المساعدات الخيرية التي تقدمها للدول الفقيرة، وأيا كان الأمر فإنه ليس هناك خلاف على أن المساعدات الخيرية التي تُقدّم من قبل الجمعيات الخيرية لعبت دورا جوهريا في تحسين معيشة العديد من الأسر المحتاجة، ويبدو عائدها واضحا في حالة الشعب الفلسطيني.

الخوف على الأراضي المحتلة

ظلت الجمعيات الخيرية منذ انطلاقتها تمارس عملها الإنساني دون رقابة تذكر من جانب الحكومات الخليجية لأسباب أبرزها إدراك الحكومات أن مساعدات هذه الجمعيات تذهب إلى أوجه مشروعة، لكن السؤال: هل تغير الحكومات الخليجية من موقفها إزاء الجمعيات الخيرية تحت ضغط من الإدارة الأمريكية وتحت مزاعم تصفية مصادر تمويل الجمعيات المتشددة؟

حقيقة وبعد مرور ما يقرب من 3 شهور على أحداث 11 سبتمبر فإن الموقف الحكومي في بعض دول الخليج إزاء الجمعيات الخيرية لم يتعد سوى الحديث عن رقابة حكومية على أعمال هذه الجمعيات؛ للتحقق من مصادر تمويلها دون الحديث عن محاربتها، لأسباب أهمها أن غالبية الجمعيات الخيرية في الخليج تأسست برعاية من بعض الأسر الحاكمة أو من رجال الأعمال المقربين من هذه الأسر؛ وبالتالي تخشى الحكومات من الدخول في صراعات مع القائمين عليها، كما أن هناك إجماعا عاما لدى الخليجيين مفاده أن مساعدات هذه الجمعيات لم تذهب يوما لأية جماعات خارجة على القانون.

وبسؤال عدد من مديري الجمعيات الخيرية في الإمارات عن توقعهم لأية إجراءات حكومية تجاه أنشطتهم، في أعقاب اعتزام حكومة دبي على سبيل المثال تأسيس مجلس للإشراف على أعمال الجمعيات الخيرية.. أكد الجميع أنه لا خوف من الرقابة الحكومية على أنشطة الجمعيات على الإطلاق؛ على اعتبار أن أنشطة الجمعيات هي نفس أنشطة الهلال الأحمر الإماراتي، ونفس أنشطة مؤسسة محمد بن راشد الإنسانية المملوكة لولي عهد دبي، وكذلك الحال بالنسبة لمؤسسة الشيخ زايد الإنسانية.

لكن التخوف الذي أبداه الجميع هو أن تفرض رقابة على عمل الجمعيات الخيرية في الأراضي المحتلة بعد أن تم إدراج حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” ضمن المنظمات الإرهابية، وأن ذلك ربما يدفع السلطات الحكومية للتخوف من دعم المؤسسات الخيرية والتعليمية والصحية المملوكة للحركات الإسلامية كما كان يتم من قبل، وهذا يعني أن الدعم الذي كان يُقدّم للفلسطينيين ربما يتعرض لرقابة شديدة في ظل التطورات التي تجري على الساحة.

 

كثيرون من القائمين على العمل الخيري في الإمارات يتحدثون عن عمليات “تجفيف منابع العمل الخيري” تمارسها الإدارة الأمريكية على الحكومات العربية، حتى إن معظمهم لا يستبعد طلب الإدارة الأمريكية مدها بقائمة المشاريع الخيرية التي تعتزم الجمعيات بل والحكومات العربية القيام بها في دولة إسلامية فقيرة، أي أنه في المستقبل ربما يتعين الحصول على موافقة الأمريكيين لفعل الخير.

رقابة من نوع آخر

وهنا السؤال: وهل هناك من يعارض رقابة الحكومات على أعمال الجمعيات الخيرية؟

لا خلاف على أن العديد من الجمعيات الخيرية تحتاج إلى رقابة على أعمالها، لكن ينبغي ألا يتم ذلك بضغط من الإدارة الأمريكية وتحت مزاعم محاربة الإرهاب بتصفية وجود هذه الجمعيات.

في المقابل يمكن الحديث -كما يقول د. محمد إبراهيم الرميثي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الإمارات- عن حاجة الجمعيات الخيرية إلى تنظيم إداري ومحاسبي وتدقيق ومراجعة حسابات من قبل جهة حكومية مثل وزارة الأوقاف أو وزارة المالية أو ديوان المحاسبة، حيث تفتقر معظم الجمعيات إلى أبسط النظم الإدارية والمحاسبية، كما أنها لا تصدر نتائج أعمالها وحساباتها الختامية كل عام ليعرف المتبرعون أين صُرفت أموالهم التي ينفقونها في سبيل الله، وفيما عدا أموال اليتامى والمساجد والأموال المخصصة لمشاريع خيرية كالمدارس وملاجئ الأيتام والآبار فإن باقي الأموال كأموال الزكاة والصدقة وإنفاق العفو لا يعلم المنفق ما هو مصيرها.

هناك إجماع على أهمية وجود رقابة على أعمال الجمعيات الخيرية، لكن يظل الخوف من أن تمتد يد الرقابة لما هو أكبر من مجرد متابعة أعمال الجمعيات لتشمل على سبيل المثال: وقف الدعم الموجه للانتفاضة الفلسطينية ولدول تعتبرها أمريكا داعمة للإرهاب مثل: السودان والصومال واليمن والعراق، وهذا يعني أن دولا إسلامية عديدة ربما تُحرم من مساعدات الجمعيات الخيرية في المستقبل.

المصدر :

موقع :

خير أون لاين- 21/04/2007