ضوابط ..”الخير الإسلامي” – د. حامد سليمان

ضوابط ..”الخير الإسلامي”

د. حامد سليمان – براغ

 2003/01/16

يعرّف بعض الاقتصاديين العمل الخيري بأنه نشاط غير ربحي، لكن انتفاء الصفة الربحية عن النشاط الخيري لا تبعد الصفات: الدينية، الاقتصادية والاجتماعية الأخرى عنه. كما أن الصفة الخيرية في الوقت ذاته لا تجرده إذا ما أخذ طابعه المؤسسي عن أغراض وأهداف عامة، تحدد طبيعته سلبا أو إيجابا، وفق نوعية المؤسسات التي تقف خلفه، وعلى هذا الأساس تبدأ التداخلات على العمل الخيري من أطراف متعددة ولأغراض مختلفة. وإذا كان العمل الخيري يأخذ طابعا عالميا، بمعنى أنه ظاهرة كونية، تتسع وتضيق وفق العديد من الشروط والظروف، فإن العمل الخيري الإسلامي له مميزاته الخاصة منها: – أنه حق وواجب على كل مسلم. – أنه أخلاقي المضمون والمحتوى والهدف. – غير محظور على مستحقيه بغض النظر عن أعمارهم وأجناسهم ولغاتهم ومعتقداتهم. ومن ينهض بواجب العمل الخيري الإسلامي مقيد بقواعد وضوابط وسنن لا نظير لها من حيث علو شأنها الذوقي، فالمسلم الفرد عندما يؤدي واجباته الدينية الملزمة وغير الملزمة: الزكاة، الصدقة، المعونة، الفطرة، الوقف… إلخ عليه أن يضمن: – احترام المتلقي. – الستر: بمعنى عدم المجاهرة بهدف قمع النزوات الفردية المظهرية، والحفاظ على هيبة المحتاج. وأن يكون العمل خالصا لوجه الله. – خلو العمل الخيري من كل مظاهر النفعية والمنافقة، أي الابتعاد عن تحقق هدف دنيوي وشخصي أو من أجل الجاه والوجاهة، أو للتملص من مسؤوليات أخرى: مثل التهرب الضريبي وما على شاكلة ذلك. تجربة إسلامية ويملك العمل الخيري الإسلامي على الصعيدين الفردي والجماعي تجربةً تطبيقية هائلة عمرها 14 قرنا، تراكمت خلالها خبرات نظرية وعملية. وسار بخطوات واثقة ومقننة على الأخص، على الصعيد الشخصي، بمعنى أنه أصبح جزءا أساسيا من مكونات الشخصية الإسلامية، بغض النظر عن تقلبات الزمن والدول مدا وجزرا. وفي العقود الأخيرة، شهد العمل الخيري الإسلامي تطورا مهما، ولكن هذا التطور ظل في حدود الاتساع الكمي النسبي، بمعنى زيادة حجم المبالغ الداخلة في إطار العمل الخيري الإسلامي، وتزايد عدد المنظمات المتخصصة في هذا العمل الضروري. وتعود أسباب ما تقدم إلى: – تزايد الدخل المالي للدول العربية والإسلامية النفطية في سبعينيات القرن الماضي بسبب ارتفاع أسعار النفط الخام، وقد عرفت هذه الفترة بالحقبة النفطية. – تنامي دور الجمعيات الخيرية الإسلامية في الغرب عامة، بفعل تزايد الهجرات إلى ما كان يعرف بـ “دول الرفاهية”، حيث بدأ المهاجرون في أوطانهم الجديدة يجمعون الأموال لخدمة أنفسهم وأوطانهم الأصلية من خلال جمعياتهم الخيرية. – تأثير بعض التطورات السياسية في منتصف وأواخر القرن الماضي (العشرين) التي أعطت للتبرعات الخيرية بعض المعاني الجهادية الملموسة، مثل: نكبة الشعب الفلسطيني، ومحنة الشعب الكشميري وغيرها. وبعد انهيار جدار برلين في عام 1989، وانتهاء ما كان يعرف بعالم القطبين والحرب الباردة، ارتفعت في كل دول شرق ووسط أوروبا وآسيا الوسطى والفيدرالية الروسية موجات عارمة من المشاعر الوطنية والقومية والدينية والنزعات الاستقلالية، وكان الأمر مشروعا لجميع الدول والقوميات والأقليات المعنية، باستثناء الدول ذات الأغلبية المسلمة، فقد حُرمت من حقها في الاستقلال والسيادة، أو أنها نالت الاستقلال أو السيادة، ولكن بعد تضحيات كبيرة، حيث ارتُكبت بحق المسلمين أبشع جرائم الإبادة والتطهير العرقي والأرض المحروقة؛ فكانت مأساة: البوسنة والهرسك، إقليم كوسوفو، الشيشان وغيرها. وهذا أيضا أعطى دفعا قويا للعمل الخيري العام. ولقد لعبت وسائل الإعلام الجماهيري في العقدين الماضي والحالي دورا حيويا في إنماء العمل الخيري الإسلامي ترويجا ودعاية، وحتى حملات جمع تبرعات مباشرة؛ فإلى جانب الصحف والمجلات والإذاعات والتلفزيونات لعبت المحطات الفضائية العربية والإسلامية دورا تعبويا يذكر. المنعطف ولكن التطور النوعي الخطير الذي رافق العمل الخيري الإسلامي جاء بعد أحداث 11/أيلول – سبتمبر 2001 وما أعقبها من تطورات عسكرية وسياسية وفكرية عرفت بـ”الحرب العالمية ضد الإرهاب”. ولقد أصابت نيران هذه الحرب العمل الإسلامي الخيري بالصميم، وألصقت بعض الجهات الدولية صفة الإرهاب به بصورة مباشرة أو غير مباشرة, وصدرت قرارات معلنة ضد بعض البنوك والأرصدة تجاوزت عشرات الملايين من الدولارات. (انظر أخبار تجميد إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لأموال مؤسسات إسلامية، والضغوط الأمريكية على بعض الدول لتحجيم العمل الخيري). ورغم كل ما قيل ويقال عن العولمة بأنها تعني حرية حركة الأشخاص والأموال والمعلومات فإن واقع الحال يقول عكس ذلك بالنسبة للعرب والمسلمين بصفة عامة. إن أعدادا متزايدة من المراقبين والمحللين يؤكدون وجود تعليمات وإجراءات غير معلنة لمراقبة حركة أموال المسلمين حتى القليل منها وعلى نطاق عالمي. ومن البديهي في مثل هذه الأجواء أن تجد هذه الضغوط انعكاسا لها على حجم الأموال المخصصة للعمل الخيري، سواء كان مصدرها حكوميا، أو تنظيما اجتماعيا أو أفرادا، بفعل المواجهة المبرمجة التي تستهدف إعاقة العمل الخيري. ولا تنقص الباحث في هذا المجال الأدلة على استهداف العمل الخيري، وربما امتد القمع إلى الحياة الشخصية التي تمثلت بما يعرف بقانون الأدلة السرية، أو عمليات الجرد والمراقبة. ولم تسلم الشركات المملوكة من أفراد أو حتى من دول إسلامية في الدول الغربية من مختلف أنواع المضايقات. وبدأت أنواع كثيرة من الضغوط في هذه الصدد عبر الاستفسار عن الضرائب أو مصادر البضاعة، أو الرقابة الدورية إلى غير ذلك. وإن شدة الحملة وصلت حد الاستفسار عن الجهات العربية والإسلامية المصدّر إليها أو المستورَد منها، وهذا الأسلوب قد يُستخدم للابتزاز والتخوف والترويع، وربما لتوسيع مصادر المعلومات الأمنية. لا شك في أن أجواء من هذا النوع تؤدي بالضرورة إلى نوع من الانكماش في نشاط المستثمرين المسلمين، هذا الصعيد التجاري. وعلى صعيد التبرعات والدعم الخيري، تؤدي إلى حذر المانحين: الأفراد والجماعات. كما أن الجمعيات الخيرية التي تتوقع أن تنال الاحترام أصبحت تُعامل كطرف مشبوه؛ ما يؤثر سلبا على العمل الخيري. إن أعدادا متزايدة من المراقبين والمحللين يؤكدون أن الحملة الحالية ضد العمل الخيري الإسلامي ليست مجرد رد فعل أو نزوة عابرة أو فعلا مؤقتا، إنها خطة مدروسة، تنوي محاصرة النجاحات التي حققتها الاستثمارات العربية والإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة، ولمنع وصول تلك الاستثمارات إلى شرق القارة الأوروبية. المراجعة ممكنة في هذه الحالة يُطرح سؤال ملح، حول كيفية مواجهة محاولات التضييق أو محاربة العمل الخيري الإسلامي. • إن الخطوة الأولى في هذا المجال تتطلب دراسة التجارب السابقة ومعرفة عقلية القوى التي تقف ضد العمل الخيري الإسلامي بكل أشكاله ومراتبه. • كذلك ينبغي أولا تجميع وتحليل طبيعة الاتهامات الموجهة من الأطراف الأخرى في هذا الميدان. • اعتماد نظام الإجازات القانونية وفق نظام الدولة التي ينطلق فيها العمل الخيري، على أساس فردي أو أساس مجموعة أفراد، أو فرع لمؤسسة ما في دولة معينة. • اعتماد أصول الشفافية: التي تبدأ من إعلان مصادر توفير الأموال أو السلع، وحركتها حتى آخر مراحل الاستخدام، ضمن سجلات في أعلى درجات الجهازية، بمعنى أنها جاهزة للتفتيش أو المراقبة لحظة بلحظة. • يفضل اختيار أسماء للجمعيات الخيرية تناسب ثقافة البلد الذي تعمل فيه. • العناية الفائقة في اختيار المسؤولين للعمل في الجمعيات الخيرية بما يشكل إضافة وليس انتقاصا، مع تحقيق الاستفادة القصوى من العناصر المحلية. • في حالة توزيع مساعدات عينية ينبغي اختيار المادة المناسبة. • الامتناع كلية عن توزيع أي مواد ثقافية أو سياسية أو دعائية أثناء توزيع المواد الإغاثية على المحتاجين، وفي الوقت نفسه ينبغي على العمل الخيري أن يفرد جزءا من نشاطه في التوجه إلى أهل الخير من أجل تحصيل بعض الأموال أو توجيه بعض المشاريع نحو العمل الإعلامي الجاد والذكي والواعي. العمل على تعميم التجارب الناجحة في الميدان الخيري على الجهات والأفراد المعنيين، وفي الوقت نفسه ينبغي أن تسجل كل الانتهاكات التي يتعرض لها العمل الخيري، وأن تُنشر على نطاق واسع؛ لأن في ذلك حماية للمستقبل أيضا.