مقال: العقود المالية المركبة بين المخارج الشرعية والحيل الربوية – د. عبد الله بن محمد العمراني

العقود المالية المركبة بين المخارج الشرعية والحيل الربوية.. د. عبد الله بن محمد العمراني
عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة في الرياض
تشهد السوق الإسلامية حاجة ملحة إلى ابتكار أدوات مالية تواكب التغيرات والمستجدات
في شتى مجالات التمويل والاستثمار والاقتصاد الإسلامي وتوظيف الهندسة المالية
الإسلامية في تطوير الأدوات الإسلامية وتعزيزها.
وقد ذكر الفقهاء في مدوناتهم كثيراً من الصور الفقهية التي تمثل حلولاً عملية مبنية على
اجتماع العقود وتركيبها في مثل مسائل الإمام أحمد، رحمه الله، ومدونة الإمام مالك
- رحمه الله - وغيرها من الكتب الفقهية الأصيلة. ويمثل النهي عن (بيعتين في بيعة)
أصلاً من أصول المعاملات المالية للبعد بها عن الحيل الممنوعة والتعاملات الصورية في
العقود والموغلة في الربا، ذلك أن هذا النهي فسر بتفسيرات متعددة كان أقربها إلى التفسير
الحقيقي للنص النبوي هو تفسيرها ببيوع العينة التي تكون محصلتها النهائية نقودا آجلة
بنقود عاجلة توصل إلى الربا في هذه المعاملة بالتركيب بين عقدين مباحين من حيث الأصل
إلا أن الغاية هي الربا. وجاءت الإشارة البلاغية في هذا النهي إلى التنبيه على أن الغالب
في هذا التصرف هو التوصل إليها بطريق غير كفء من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية
الشرعية بدلالة الرواية الأخرى للحديث: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) كما
أن هذا النص يعتضد بالنهي عن (سلف وبيع) والذي يعتبر أصلاً شرعياً بذاته ونصاً واضحاً
في النهي عن اجتماع عقدين محصلتهما في النهاية هي الربا ولذلك فإن بعض المعاصرين
رأى أن الأصل في العقود المركبة هو التحريم، وكما تفيده أيضاً توصيات بعض الندوات
الفقهية، على أني أرى أن هذا النهي والنهي الآخر لهما معنى خاص يفسرهما كما سبق،
ولذلك كان المجال الفقهي واسعاً بناء على أن الأصل في العقود المالية البسيطة والمركبة
هو الحل والإباحة لابتكار أدوات مالية استثمارية يكون فيها التركيب من عقدين أو أدوات أو
شروط مصاحبة للعقود المالية ما لم يؤد هذا التركيب إلى محرم كالربا أو الغرر وما لم يؤد
هذا التركيب إلى تضاد في الآثار والأحكام.
وإن الناظر في أدوات المصرفية الإسلامية في السنوات الماضية يجد تطبيقها وتوظيفها
للعقود المركبة، على نطاق محصور ببعض الأدوات، كما أن تطبيقها جاء تطبيقاً متبايناً في
بعض الأحيان إلا أنه يتطور شيئاً فشيئاً إلى الأفضل بإذن الله.
ومن الأمثلة البارزة: المرابحة المركبة المبنية على المواعدة الملزمة للطرفين والتي احتيج
معها إلى تطوير هذه الأداة لتكون مرابحة مقترنة بشرط الخيار. والإجارة المنتهية بالتمليك
التي هي من قبيل اجتماع عقد الإجارة وعقد البيع المعلق على سداد الثمن، وأدى هذا
الاجتماع إلى تضاد في الآثار والأحكام احتيج معه إلى فصل العقدين ليكون إجارة مع الوعد
بالتمليك أو مع التخيير.
وفي مثل المشاركة المتناقصة التي تعتبر من الأدوات الاستثمارية المتميزة في بعض
صورها والتي نحتاج إلى تطويرها وتوسيع مجالها واتخاذ الاحتياطات اللازمة لإنجاحها
وتوسعة مفهومها لتشمل الائتمان بالمشاركة وبطاقة الائتمان المبنية على هذا المبدأ.
والتأمين التعاوني المركب المبني على مبدأ المضاربة والإجارة، والتمويل الإسلامي المبني
على المشاركة، وتمويل المساكن المركب، وأدوات الاستثمار المالية وغيرها، وتبدو الحاجة
إلى دراسة العوائق والعقبات التي قد تعترض هذه الأدوات وتفعيل دور مراكز البحوث
والدراسات لتبني مشاريع علمية وعملية للرقي بأدوات التمويل والاستثمار الإسلامي.
وكلنا أمل أن تصل أدواتنا الإسلامية إلى معايير عالية الجودة.