في اقتصاديات العمل الخيري- د. سليمان بن عبدالله الرويشد

في اقتصاديات العمل الخيري

د. سليمان بن عبدالله الرويشد

إعلان الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض (إنسان) – والتي هي بالمناسبة من الجمعيات الخيرية الوليدة نسبياً – عن توجهها لإنشاء صندوق وقفي يعنى بالاستثمار من أجل تلبية الاحتياج المتزايد للموارد المالية للجمعية وتوفير دخل سنوي ثابت للأموال التي ترد لأنشطتها التطوعية، يسلط الضوء من جديد الكيانات الصغيرة التي تتضاعف بموجبها الجمعيات الخيرية في المملكة خلال السنوات الأخيرة، وما يلقى ذلك من أثر في تنامي فقدان الثقة بقدرة تلك الجمعيات على الاستمرار في ممارسة أنشطتها الخيرية دون الحاجة لمعونة حكومية واللجوء لمصادر التمويل القائمة على التبرعات من المحسنين ذات الطبيعة المتذبدبة في مقدار ما يرد منها، وما يستوجبه ذلك من حتمية إعادة النظر في أداء تلك الجمعيات ضمن إطار ما توجه به اقتصاديات العمل الخيري بوجه عام.

فعدد المؤسسات والجمعيات الخيرية في المملكة التي كان نواة القديم منها صناديق البر الخيرية التي نشأت قبل عام 1380ه وتم تسجيلها تحت مسمى جمعيات خيرية حينما قامت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك، بلغ عددها في الوقت الحاضر 264مؤسسة وجمعية خيرية تمثل الأخيرة منها – وهي محور الحديث – التي تفتقر لمصادر التمويل الثابتة عداً الإعانة الحكومية السنوية ما نسبته 91% من تلك الجمعيات حيث تسعى تلك الجمعيات الخيرية من خلال أنشطتها التطوعية إلى تلمس إحتياجات المعوزين وذوي الحاجة من السعوديين، وتمارس عدد من الأعمال الخيرية التي تستفيد منها شريحة يزيد عددها عن الثمانمائة ألف عن المواطنين أوما يمثل 5% من إجمالي سكان المملكة من السعوديين، تشمل تلك الأعمال الخيرية المساعدة المباشرة النقدية والعينية للأسر السعودية المحتاجة، والرعاية الصحية، والتعليم والتأهيل ورعاية الطفولة والعجزة والمعوقين، والثقافة العامة من حلقات لتحفيظ القرآن والتأهيل ورعاية الطفولة والعجزة والمعوقين، والثقافة العامة من حلقات لتحفيظ القرآن ومكتبات عامة ومحاضرات توجيهية، وإنشاء وتحسين المساكن، وغيرها من الأنشطة الخيرية الأخرى، ويبلغ حجم المصروفات لتلك الجمعيات على أنشطتها المتعددة ما يزيد عن المليار ريال سنوياً، تمثل الإعانة الحكومية السنوية في الغالب 80% من مواردت تلك المصروفات، بينما تتم تغطية النسبة الأخرى المتبقية من تبرعات المحسنين وزكاة الموسرين.

ومما يلاحظ في أداء تلك الجمعيات الخيرية أن الغالبية منها تفتقر للتخصص في مجال محدد ومعين من أوجه العمل الخيري، وأنها تمارس جملة من الأنشطة التطوعية المختلفة، يضاف إلى ذلك أنها بعددها الحالي تفطى نطاقاً واسعاً المواطنين، حيث يبلغ معدلها جمعية خيرية واحدة لكل 65000من المواطنين السعوديين، مقارنة بالولايات المتحدة على سبيل المثال التي يبلغ معدلها جمعية خيرية واحدة لكل 200مواطن أمريكي تقريباً، دون توزيع متوازن لتلك الجمعيات بين مناطق المملكة المختلفة، كما أن مقدار المساعدات المباشرة للمستفيدين من خدماتها سواء كانت نقدية أو عينية يصل إلى حوالي الثلثين من حجم مصروفات الجمعيات الخيرية، بينما يوجه الثلث الباقي للصرف على الرعاية الصحية بنسبة 12% تقريباً، والتعليم والتأهيل بنسبة 5% تقريباً، ورعاية الطفولة بنسبة 5% تقريباً، لتتقلص تلك النسب إلى أن تتلاشي بعدم وجود أي أوجه صرف على العناية بالمرافق العامة التي تشير تلك الجمعيات أنها واحدة من ضمن أنشطتها الخيرية مثل توزيع مياه الشرب والعناية بالمقابر ونحوها، لذا فإنه من أجل توفير موارد كافية لتلك الأنشطة تشهد الأيام القليلة التي تسبق دخول شهر رمضان المبارك من كل عام حمى التنافس بين الجمعيات الخيرية في الإعداد وحصر المدعوين وإرسال بطاقات الدعوة للمناسبات الخيرية التي تقام غالباً خلال العشرين يوماً الأولى من هذا الشهر والتي تحرص تلك الجمعيات أثناءها على بذل أقصى جهد لاقتطاع حصتها من إجمالي التبرعات وما يصرف من زكاة الموسرين في الغالب أثناء هذه الفترة من العام، وذلك عبر التأكيد في تلك المناسبات على دورها الأنسائي واستعراض الجديد من البرامج الخيرية التي تقدمها للمستفيدين من خدماتها وأنشطتها. إن العمل الخيري التي تقوم به تلك الجمعيات التطوعية يتطلب في الواقع تحديد أكثر دقة للفئة التي ستوجه لها خدماتها عبر مسح مسبق وشامل لتلك الفئة، وكذلك معرفة معدلات نموها أو إنحسارها في كل عام، وكذلك التوجه نحو التخصص لتلك الجمعيات في نطاق محدد من العمل الخيري الذي يستهدف شريحة معينة من المحتاجين لأنشطتها وخدماتها، كما أن ترشيد العمل الخيري يتطلب أيضاً ضرورة إعادة هيكلة أوجه الإنفاق وترتيب الأولويات في الصرف على المستفيدين بحيث لايطفى كما هو جار الآن تقديم المساعدات المباشرة النقدية والعينية لمن ترعاهم تلك الجمعيات، وإنما منح مقدار أكبر لمشاريع التعليم والتدريب للمستفيدن من أنشطة تلك الجمعيات على نحو يتيح تحويل المستفيد من تلك الخدمات من مستهلك لها وعالة على الجمعية إلى منتج لنفسه وللمجتمع، وكذلك تفادي الاعتماد على الإعانة الحكومية وما هو متفاوت في مقداره من سنة لأخرى من التبرعات المالية من المحسنين على المدى المتوسط والبعيد وتبني عوضاً عن ذلك المشاريع الاستثمارية التي هي في الواقع رهان الجمعيات الخيرية في استمرارية أداء دورها بعد توفيق المولى عزوجل.

@ أكاديمي وباحث في اقتصاديات التنمية الحضرية