العمل الخيري والتنمية (6) – د. محمد سعيد عبدالمجيد

العمل الخيري والتنمية (6) – د. محمد سعيد عبدالمجيد

حددنا في المقالة السابقة مفهوم المجتمع المدني باعتباره مجموعة التجمعات والروابط التطوعية التي تقيمها فئات مختلفة من الناس للتعبير عن مصالحهم وأفكارهم، وتحقيق أهدافهم المشتركة، وبما يخدم قضايا عامة.

وتتمثل أهم منظمات المجتمع المدني فيما يلي:

1- الجمعيات الخيرية ” الأهلية “.

2- التعاونيات.

3- االنقابات المهنية.

4- االاتحادات التجارية.

5- االأحزاب السياسية.

وسنركز في هذه المقالة علي الجمعيات الخيرية، والتي تعد أهم شكل من أشكال منظمات المجتمع المدني، لذلك سنعرض فيما يلي لكل ما يتعلق بالجمعيات الخيرية من ناحية المفهوم والخصائص.

وبداية فقد شهدت السنوات العشر الأخيرة متغيرات عديدة قبل حلول الألفية الثالثة. فخلال هذه الفترة الوجيزة، وقبل أن يأفل نجم القرن العشرين، وصلت التجارة الدولية والاستثمارات العالمية إلى أقصى نمو لها، واتسعت الفجوة بين دول الشمال والجنوب، ونتج عن هذا النمو الاقتصادي أن أصبحت الأغلبية تعاني من الفقر، بينما الأقلية تتمتع بثروات طائلة. وشدت هذه التغيرات العديدة الانتباه إلى التحديات التي تواجه التنمية كالتدهور البيئي، واستنفاذ الموارد نتيجة للتنمية غير المستدامة والزيادة السكانية.

وكان من الطبيعي أن يؤدي تعثر خطط التنمية في ظل برامج الإصلاح الاقتصادي والخصخصة إلى حدوث بعض الآثار السلبية على محدودي الدخل نتيجة لهذه البرامج التي أدت إلى زيادة حدة الفقر، وتفاقم البطالة بين أفراد المجتمع، مما دفع بالحكومات إلى البحث عن منهج يكون أكثر التزاماً بالبعد الاجتماعي، وأكثر مرونة وكفاءة في العمل التنموي، ولا تحركه بواعث الربح الخاص، فضلاً عن وجود أفكار مبتكرة ومتجددة لمواجهة احتياجات مجتمعاتها. وقد تمثل هذا في جهود وأنشطة المنظمات الخيرية التطوعية التي بدت قادرة على أن تلعب دوراً إيجابياً في عمليات التنمية المحلية؛ أي تنمية مجتمعاتها مع السماح بمشاركة أكبر من جانب الأفراد في تحقيق التنمية(1).

وتركز الجمعيات الخيرية برامجها ومشروعاتها على الفئات المهمشة والأكثر احتياجاً، وبالتحديد بالمناطق العشوائية والمناطق الشعبية والمكتظة بالسكان بالمدن وفي المناطق النائية والنجوع بالقرى والمراكز؛ وذلك بهدف استثارة المجتمعات المحلية لدعم مفهوم المشاركة المجتمعية في حل المشاكل والقضايا التي تواجههم، كذلك تفجير الطاقات الكامنة لديهم من أجل القدرة على الفعل بطريقة أفضل مما ينعكس إيجابياً على مستواهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وتقدم بذلك الجمعيات الخيرية صياغة جديدة للواقع، ورؤية حضارية لمفهوم المشاركة المتبادلة، بدلاً من المفهوم التقليدي وهو أن يقتصر طرف على تلقي الخدمة في مقابل آخر مانح لهذه الخدمة ( 2 ).

ويلاحظ أن هناك العديد من المسميات والمفاهيم التي تعبر عن الجمعيات الخيرية، وهناك أيضاً العديد من المسميات والمفاهيم التي تعبر عن القطاع الذي تنتمي إليه، ومن هذه التعبيرات نجد ما يلي:

المنظمات غير الحكومية (Non Governmental Organizations – Ngo’s)

المنظمات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح (Non Profit Organization)

القطاع الثالث(Third Sector)

ـــ القطاع التطوعي (Voluntary Sector)

القطاع الخيري (Philanthropic Sector) ( 3 ) .

ويعد تعبير ” المنظمات غير الحكومية ” هو السائد عالمياً، ولكنه لا ينفي في نفس الوقت استخدام تعبيرات ومصطلحات أخرى، حيث وجود القواسم المشتركة بين هذه التعبيرات كالآتي:

إنها مجموعة من المنظمات غير الهادفة للربح، تسعــى إلى تحقيــق النفع العام، وأحياناً تحقيق وحماية مصالح أعضائها.

إنها منظمات تطوعية إرادية، نشأت بمبادرات من المواطنين وبمشاركة منهم.

إنها منظمات إذا حققت أرباحاً من أنشطتها فإنها لا توزع الربح على أعضاء مجالس إدارتها، وإنما تستثمر هذه الأرباح فيما يحقق أهدافها ويدعم نشاطها.

إنها منظمات غير منخرطة في نشاط حزبي(4 ).

ووفقاً لهذه الخصائص يشير مفهوم الجمعيات الخيرية إلى تلك التجمعات المنظمة غير الهادفة للربح، والتي تعمل في مجالات الرعاية الاجتماعية، وتعتمد في تمويلها على تبرعات القطاع الخاص وأشخاص من المجتمع أو من جهات أجنبية. كما إنها قد تحصل على دعم الحكومة لمساعدتها في إنجاز أهدافها غير السياسية. كما تعبر هذه المنظمات عن صورة حديثة لفكرة التكافل الاجتماعي، خصوصاً في أوقات الكوارث والأزمات. وتشمل جمعيات للمساعدة الذاتية، وأخرى تعاونية خيرية، وغيرها من الروابط الدينية التابعة للمساجد ودور العبادة أو متخصصة في حقوق الإنسان، وتلك التي تسعى إلى تنظيم الأسرة ورعاية الأمومة والطفولة وتقديم الخدمات الصحية بأسعار رمزية. ومن بين هذه المنظمات ما يعمل في المجال الاجتماعي، أو الرياضي، أو الترفيهي وحده، مثل تلك المهتمة بخدمة المعوقين، أو إنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال ودور المسنين، وإقامة برامج لمحو الأمية ومساعدة الشباب، ومنظمات المرأة التي تهتم بتوفير خدمات الرعاية الصحية والتعليمية والنفسية للأمهات والأطفال، كما تقوم بدراسات حول قضايا المرأة، وتنظيم الندوات والملتقيات الفكرية. وهناك منظمات تمارس نشاطاً سياسياً ممزوجاً بالنشاط الاجتماعي كمنظمات البيئة، ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية(5).

وتمثل الجمعيات الخيرية جزءاً من القطاع المجتمعي في المجتمعات الحديثة، وتقع تلك المنظمات بين القطاعين العام والخاص. وتعد تلك المنظمات بمثابة منظمات ربط ووصل بين مكونات المجتمع. وعلى الرغم من اختلاف الجمعيات الخيرية من حيث الحجم والأهمية ومناط الاهتمام بين الدول والثقافات المختلفة، فإن لتلك المنظمات وظائف متشابهة؛ فهي تناصر الفقراء والمهمشين والضعفاء، وتسعى للتغيير الاجتماعي، وتقدم الخدمات الاجتماعية، وفي بعض الدول تمثل الأداة الرئيسية لتوزيع ونشر الرفاهية الاجتماعية. وخلال العشرين عاماً الأخيرة باتت تلك المنظمات قاسماً مشتركاً في الجدل حول التنمية، وأصبحت فاعلاً له دوره في أمور وطنية ودولية هامة، الأمر الذي أدى إلى نمو تلك المنظمات سواء كان ذلك على مستوى العدد أو القوة والبنيان. وفي بعض الحالات اكتسبت الجمعيات الخيرية مصداقية وشرعية مع الضغوط التي تعاني منها الميزانيات الحكومية، وتسعى بعض الدول النامية ـ حالياً ـ لإفساح الطريق أمام تلك المنظمات للعب دور أكثر فاعلية، والمشاركة في عملية التنمية ( 6 ).

ويلاحظ من خلال واقع خبرات العمل الأهلي والخيري في بلاد عديدة مــن العالم أن الجمعيات الخيرية تنقسم إلى ثلاث فئات كبرى، هي ( 7 ):

1- منظمات تهدف إلى مساعدة الأفراد والأسر غير القادرة بما في ذلك تلك التي تنشأ لغرض المساعدة الذاتية بين الناس غير القادرين.

2- منظمات تتكون بناء على اهتمام عام مشترك أو بهدف العمل في مجال محدد ولأغراض تحقيق منافع جماعية.

3- منظمات تتأسس في إطار سعي أعضائها لتحقيق هدف عالمي مشترك، مثل الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والطفولة، وغير ذلك من القضايا ذات الاهتمام العالمي.

هذا، وتتوقف فاعلية المنظمات الخيرية على مجموعة من العوامل والمحددات، من أهمها ـ خصوصاً فيما يتعلق بالدور السياسي والثقافي لها ـ ما يلي(8 ):

المناخ الثقافي السائد والحالة الراهنة للثقافة الشعبية وللثقافة السياسية.

مستوى التطور الديمقراطي واحتمالات توسيع الهامش التعددي.

الأطر الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلاد.

مدى قوة وتطور العمل الأهلي المستقل وقدرته التعبوية.

مدى إدراك نشطاء العمل الأهلي لأهميته في ظل الظروف الحالية والمستقبلية وقدراتهم المعرفية والتنظيمية، ومدى استيعابهم لثقافة بناء المؤسسات.

ومما سبق يمكن تعريف الجمعيات الخيرية على أنها: تلك التجمعات الإرادية التطوعية غير الهادفة للربح، وهذه التجمعات تهدف بالأساس إلى إشباع احتياجات أفراد وجماعات المجتمع، وتحقيق التنمية المستدامة دون الرغبة في الحصول على نفوذ سياسي أو أرباح اقتصادية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع :

([1]) الجمعيات الأهلية وأولويات التنمية بمحافظات جمهورية مصر العربية، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية رقم (136)، معهد التخطيط القومي، القاهرة، يناير 2001، ص ص 1-2.

(2) التخطيط بالمشاركة بين المخططين والجمعيات الأهلية على المستويين المركزي والمحافظات، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية، رقم (145)، معهد التخطيط القومي، القاهرة، فبراير 2002، ص ص55-56.

(3) Hulme, David, Social Development Research and the Third Sector, In : Booth, David (ed.) , Rethinking Social Development : Theory, Research, and Practice, Longman Scientific & Technical , New York, 1994, p. 251.

(4) أماني قنديل، المجتمع المدني في مصر ” في مطلع ألفية جديد “، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 2000، ص164.

(5) ناهد عز الدين، المجتمع المدني، موسوعة الشباب السياسية، العدد (5)، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 2000، ص ص 82-83 .

(6) عطية حسين أفندي، شركاء التنمية، الحكومة القطاع الخاص- المنظمات غير الحكومية، مجلة النهضة، العدد الرابع، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، يوليو 2000، ص ص 104-105.

(7) أحمد عبد الحميد ثابت، المجتمع المدني، الصلاحيات المنهاجية وضرورة التطوير، مجلة النهضة، العدد الخامس، أكتوبر 2000، ص12.

(8) أحمد عبد الحميد ثابت، الدور السياسي والثقافي للقطاع الأهلي، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 1999، ص 124.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=64