جواز سفر خاص بالمتطوعين – د. صلاح نيوف

جواز سفر خاص بالمتطوعين – د. صلاح نيوف

بما أن كل مجالات الحياة العلمية و المهنية تتجه بشكل متسارع نحو التخصص، فلماذا لا نفكر بإنشاء ما يسمى [ جواز سفر المتطوع]؟ هذا الجواز سيكون اعترافا حقيقيا بوجود “مهنة” أو تخصص في العالم العربي هي “مهنة المتطوع”.

هذا المقال سيحاول تبيين أهمية الفكرة، ودورها في العمل الخيري والتطوعي، على أن يتم تطويرها وتبنيها من قبل الجمعيات الأهلية أو المؤسسات الرسمية.

المتطوع هو فاعل أساسي في المجتمع المدني؛ حيث يضع في خدمة هذا المجتمع ليس فقط جزءا مهما من وقته، بل ـ أيضا ـ قدرته وخبرته داخل الجمعية أو المؤسسة التي ينتمي إليها. هذه القدرات لم يتم الاعتراف بها حتى الآن في عالمنا العربي، لا من قِبَل المجتمع نفسه، ولا حتى من الجهة التي ينتمي إليها المتطوع، والتي ترى في كل عمل يؤديه بأنه [واجب] وليس قدرة على الإبداع في مجال عمل التطوع. مع إصدار “جواز سفر” للمتطوع، فإن هذا الأخير مهما كانت مسيرته في العمل التطوعي فإنه يستطيع الاحتفاظ بآثار عمله للنتائج التي حصل عليها، و المهارات التي استخدمها عمليا، أو للأفكار التي طورها للحصول على هذه النتائج. ومهما كان المتطوع [ربة منزل، طالب، عامل في البريد، عاطل عن العمل، متقاعد..] فمع “جواز سفر” المتطوع سيرى الاعتراف بخبرته ومسيرته في هذا المجال، والقيمة الأخلاقية والإبداعية الكبيرة لممارسة هذه المهنة.

أيضا “لجواز سفر” المتطوع فائدة تأتي ضمن مجال التطور المهني. بمعنى أن كل متطوع أو منتمٍ إلى جمعية أو مؤسسة في حقل العمل الخيري يمكنه أن يقطف ثمار ممارسته لعمله، للنتائج التي وصل إليها، للمهارات التي اكتسبها داخل هذه الجمعية أو المؤسسة، أي أن خبرته كمتطوع ستظهر داخل “جواز السفر” وكأنها خبرة مهنية متطابقة أو تتشابه مع تقييم نفس الخبرة التي يمتلكها في مجال عمله الحقيقي [أستاذ جامعي، طبيب، ضابط في الجيش..].

إن “جواز سفر” المتطوع هو مصدر أساسي لصاحبه الذي يريد توظيف خبراته لغايات مهنية، أي تقييم عمله، والانتقال من مهنته الأولى إلى مهنة المتطوع، ثم حقه الدائم في الوصول إلى معلومات تتعلق بجميع النشطات التي يقوم بها. ضمن هذا المعنى، إن “جواز سفر” المتطوع يشكل ضمانا أو أمنا للمسيرة المهنية لصاحبه، فمن خلاله يحصل على مسيرته في مهنة أخرى غير مهنته، لها تاريخ وتقييم خاص بها، ومستقلة عن المشروع أو المؤسسة التي يعمل بها. وبالتأكيد يجب أن يعطى “جواز سفر” المتطوع إلى كل من قام أو يقوم بعمل تطوعي وفق صفات وخصائص محددة.

ماذا يتضمن “جواز سفر” المتطوع؟

بداية هذا “الجواز” هو شخصي، يتضمن معلومات كاملة عن المتطوع، والمهمات التي قام بها. ثم تفاصيل المهمات، وضمن أية ظروف تمت ممارستها، المسؤوليات التي أعطيت له، الوسائل التي استخدمها في المهمة، وما هي الخبرات التي حصل عليها من كل مهمة. ومع كل مهمة تطوعية يقوم بها المتطوع، فإن على الجهة التي استفادت من عمله أن تقدم له ما يشير إلى ذلك، ثم يقوم المتطوع بالاتصال مع الجمعية التي يعمل لها لتضع هذه المعلومات في جواز سفره التطوعي. أما إصدار جواز سفر المتطوع فيجب أن يكون عن الجمعية أو المؤسسة التي يعمل بها أو لصالحها.

كيف تساعد الجهات الرسمية في إصدار “جواز سفر” المتطوع؟

لا بد من إحداث روابط قوية بين الأجهزة الحكومية التي تعنى بشؤون الشباب، الصحة، والعمل من أجل تقديم المساعدات الضرورية للجمعيات ومنظمات العمل الأهلي في إصدار جوازات سفر للمتطوعين، كما عليها المساهمة في تكوين وتدريب المتطوعين؛ لأن مساندة العمل التطوعي هي محور أساسي وجوهري في عملية بناء المجتمع المدني، وتعويد الأشخاص على بناء العلاقات المؤمنة بالعمل الجماعي. إذن، على الجهات الرسمية المذكورة أعلاه أن تفتح في كل منها قسما أو مكتبا خاصا لدعم العمل التطوعي، ويمكنها ـ أيضا ـ إطلاق مشروع وطني يستند إلى نقطتين أساسيتين:

1ـ استعدادها لقبول المتطوعين وفق خطة مدروسة؛ من أجل إعدادهم في مختلف مجالات العمل التطوعي.

2ـ إطلاق مشروع بحثي أكاديمي على مستوى جميع المؤسسات العلمية يهدف لدراسة أهمية العمل التطوعي، وكيفية ارتباط مؤسسات المجتمع المدني مع المؤسسات التابعة للدولة.

وأخيرا، وضمن هذا النطاق، على الجهات التشريعية في الدولة أن تعمل لإصدار قانون واضح ينظم العمل التطوعي، ويساهم في تكوين ثقافة التطوع ودعم المتطوع بكل الوسائل الممكنة من أجل استمراره.

إن جواز سفر المتطوع هو وسيلة حضارية لتأكيد أهمية العمل التطوعي، كما أنه أداة للسير في العمل التطوعي نحو التخصص في ميادين مختلفة. بمعنى أن لكل مجال من مجالات العمل التطوعي جواز سفر خاص به، يقدم تفصيلا كاملا عن عمل المتطوع، وسيرته الذاتية في المجال الذي يعمل به كمتطوع. العمل التطوعي اليوم هو حقل خاضع للمنافسة بشكل كبير، وليس عبارة عن أوقات للفراغ يقضيها المتطوع هنا وهناك؛ وبالتالي إن عدم الاكتراث من قبل الجمعيات أو مؤسسات المجتمع المدني لأهمية فكرة المنافسة في مجال العمل التطوعي يؤدي إلى إحباط لدى المتطوع. وجواز السفر هو تحفيز و إشارة لإدراك هذه المؤسسات لمدى أهمية العمل التطوعي على الصعيد الداخلي، وحتى على صعيد العلاقات الدولية.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=73