العمل التطوعي وبناء الثقة بالمنظمات الخيرية – أمجد نيوف

العمل التطوعي وبناء الثقة بالمنظمات الخيرية – أمجد نيوف

ثمة ميل إلى الاعتقاد بأن الثقة في المنظمة الخيرية يعد شرطا ودافعا مهما للتبرع الخيري، وأن العمل التطوعي يعزز من ثقة الجمهور في المنظمة الخيرية.

إذا كان العمل التطوعي سلوكا اجتماعيا رمزيا قابلا للتغير أو التغيير فهل يبني ثقة في المنظمة الخيرية؟

وهل التطوع والثقة في المنظمة الخيرية يخضعان لمتغيرات مشتركة، أم يخضع كل منهما لمتغيرات خاصة؟وهل من متغيرات ملاحظة وأخرى مهملة؟

لا شك أن ضعف ثقة الجمهور بالمنظمة الخيرية أمر مقلق.ويعتقد أن انحسار الثقة يحد من التبرع الخيري والتطوع ، وانه إذا كان بالإمكان العثور على وسيلة ما لتعزيز الثقة ، فان القطاع الخيري سينمو ويتطور.

تشير أبحاث ودراسات إلى علاقة سببية تنتقل من التطوع إلى الثقة.فالثقة بالمنظمة الخيرية قد لا تكون عاملا مهما عند اتخاذ القرار للبدء بالعمل التطوعي، لكن التطوع قد يساعد في بناء الثقة بالمنظمة الخيرية.

وترى أبحاث ودراسات أخرى أن اثر التطوع على الثقة بالمنظمة الخيرية أقوى من تأثير الثقة بالمنظمة الخيرية على التطوع.وعليه فان إعادة الثقة بالمنظمة الخيرية سيتم عبر مزيد من العمل التطوعي.

لكن هذه الدراسات لا تقدم إجابات شافية وواضحة للعلاقة القائمة بين التطوع والثقة بالمنظمة الخيرية ، نظرا لاستبعاد أو إهمال بعض المتغيرات التي تؤثر على كل من الثقة بالمنظمة الخيرية والتطوع ،الأمر الذي قد يسبب تحيزا في تقدير اثر العمل التطوعي على الثقة.

ولكي لا يبدو كلامنا ضبابيا ندخل في مسارين تحليليين:

على المسار الأول …التغيرات في العمل التطوعي لا ترتبط بالتغيرات في الثقة الخيرية.وهذا يدل على أن ارتفاع مستوى الثقة داخل صفوف المتطوعين يعود أساسا إلى ثقة الأفراد بالعمل التطوعي.وربما يكون هذا على قاعدة المتغيرات المهملة.

وتقييم كاف لأثر العمل التطوعي على الثقة بالمنظمة الخيرية يتطلب تحليل كيفية تغير الثقة بالمنظمة الخيرية بعد بدء الأفراد بالعمل التطوعي أو انسحابهم منه.

فإذا كان للعمل التطوعي تأثير سببي على الثقة بالمنظمة الخيرية ، فلا بد أن نجد أن هؤلاء الأفراد قد ارتفعت لديهم الثقة بالمنظمة الخيرية بعد أن يكونوا قد بدؤوا بالعمل التطوعي ، وأنهم فقدوا الثقة بالمنظمة الخيرية بعد انسحابهم من العمل التطوعي.

على المسار الثاني…. لا بد من تحديد قيم الثقة والإيثار المهملة.ونجد هنا أن قرار البدء بالعمل التطوعي أو الانسحاب منه متأصل جزئيا في قيم الثقة والإيثار.

إذا كان العمل التطوعي لا يروج للثقة بالمنظمة الخيرية، لماذا نجد لدى المتطوعين ثقة بالمنظمة الخيرية؟

عندما نقوم باستبعاد متغير القيم الايثارية، بينما نحتفظ بمتغيرات أخرى كالتربية المنزلية مثلا، يمكن الحديث عن تأثير ايجابي، ولو بشكل متواضع ،لانضمام متطوع، بينما عندما يغادر متطوع، فانه قد لا يترك تأثيرا هاما .فالأفراد الذين يعتبرون مساعدة الآخرين هدفا مهما في حياتهم يميلون إلى التطوع.

وبالتالي إن اختيار الأفراد الأكثر ثقة بالعمل الخيري والذين لديهم قيم إيثارية إلى التطوع يولد العلاقة بين العمل التطوعي والثقة بالمنظمة الخيرية.

فالثقة بالعمل الخيري والقيم الايثارية تولد الثقة بالمنظمة الخيرية، ومثل هذا الاختيار يكون مسؤولا عن الاستجابة للتطوع أو ترك التطوع بعد الاستجابة إليه.

وبتعبير آخر..الثقة والإيثار خصائص وعوامل مهمة لدى الأفراد في اتخاذ القرار للبدء في التطوع أو الانسحاب منه.

من هنا يمكن القول أن الثقة بالمنظمة الخيرية والقيم الايثارية تظهر حالة من المصادقة على جاذبية التطوع.

وبالمناسبة لا بد من الإشارة إلى ما يمكن تسميته ” الإيثار غير النقي” الذي يبين حالة التبرعات النقدية.فالمصلحة الخاصة قد تشتق من المصلحة العامة، وكلاهما يخلق بالتطوع.

فالثقة بالعمل الخيري العام هو مركب اجتماعي، ولكن العمل التطوعي هو عمل إرادي.والعمل التطوعي من شانه أن ينعكس تعزيزا للثقة بالعمل الخيري.وعلى الجانب الآخر، العمل التطوعي هو شيء رمزي بالنسبة للبعض.هو وسيلة للقول :” أنا إنسان جيد “.

وبالتالي لا يوجد سبب للتوقع بان الثقة بالعمل الخيري لدى هكذا شخص قد تتغير كنتيجة لتجربة تطوعية.

وهنا علينا أن نؤكد على أن الثقة بالمنظمة الخيرية هي مسألة تجربة ، لكن الثقة الاجتماعية العامة هي مسالة اعتقاد.فمن الممكن أن يكون الملهم الرئيس الذي يدفع الأفراد للثقة بالعمل الخيري هو الاعتقاد بان المؤسسات الخيرية ستنفق الأموال بحكمة وشفافية.وهذا الاعتقاد هو أساس الثقة على الرغم من الأفراد لا يعرفون كيف تدار المؤسسات الخيرية ، ومعظمهم لا يدقق بهذه المؤسسات عندما تنفق الأموال.

ولذلك فان الثقة الاجتماعية العامة من المحتمل أن تؤثر على الثقة بالمنظمة الخيرية.فأشخاص مع ثقة اجتماعية عالية يمكن أن يكون لديهم ثقة خيرية مقارنة بأشخاص من ذوي ثقة منخفضة.

بدأنا مقالنا مع ملاحظة مفادها أن القلق من فقدان الثقة في منظمات خيرية يقوم على افتراض أن فقدان الثقة الخيرية يؤثر على الجهات المانحة والمتطوعين لسحب دعمها من هذا القطاع بصورة شاملة.

وإذا ما تم العثور على وسيلة لتعزيز الثقة ، فان القطاع الخيري سيستفيد من زيادة في عدد المتطوعين .

ولكن ، إذا كان العمل التطوعي والثقة الخيرية سوية سيحددها الإيثار النقي والثقة الاجتماعية العامة، فربما ليس هناك حاجة إلى القلق حول فقدان الثقة في المنظمات الخيرية.

وفي المقابل، إذا كان العمل التطوعي هو شيء رمزي- الإيثار غير النقي، ينبغي لكل منظمة أن تشعر بالقلق إزاء فقدان ثقة الجمهور بها.

نحن في حاجة إلى نظرية تفسر بشكل مشترك العمل التطوعي والثقة بالمنظمة الخيرية.نظرية غنية بما فيه الكفاية بحيث تشمل متغيرات أخرى تلبية لشروط الحالة الراهنة مثل نموذج الإيثار غير النقي.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=81