مقال: العملات الرقمية – ماهـر الكببجي

كان تبادل السلع قديماً يتم بطريق المقايضة فكانت السلعة تستبدل بسلعة أخرى ، ثم جرى توسيط سلع لاستبدالها بالسلع الأخرى . ولكن بسبب صعوبة تجزئة البضائع والاعتماد على تساوى قيمة المتبادلين عند التبادل باسلوب المقايضة ، فقد ابتدعت النقود لتكون وسيطاً لتبادل السلع والخدمات تطورت عبر مراحل مختلفة ؛

  1. استعملت مصكوكات من الذهب والفضة نقوداً تكتسب قيمتها من قيمة المادة التى تصنع منها
  2. ثم ظهر نظاام الذهب الذى اعتمد الذهب غطاءاً للعملات الورقية تكتسب قيمتها من قيمة الغطاء
  3. ثم انهار نظام الذهب فتحولت الدول إلى إصدار النقود الورقية Fiat Money  فرضت قبولها العام باعتبارها أداة دفع قانونية مقبولة للإستبدال بمنتجات وللوفاء بالالتزامات Legal Tender  يغطيها وتكتسب قوتها الشرائية من قيمة ما يتم تبادله فى الدولة من السلع والخدمات

ولكن زاد التضخم بسبب زيادة كمية النقود المتداولة على الكمية اللازمة لتبادل السلع والخدمات ، إذ أن قيام البنوك بإصدار النقود من خلال ممارستها لما يعرف بعملية خلق النقود ووجود وتشجيع النشاط المالي ، من إقراض ومضاربات وفساد وضرائب ، يرتب تكاليف تدفعها الدول رغم أنه لا يضيف قيمة للسلع والخدمات . ومع ذلك فإن الدول تسعى لضبط معدلات التضخم حتى لا تتسبب فى انهيار الاقتصاد ، وذلك من خلال ممارستها لسياسات نقدية واقتصادية للتحكم فى كمية النقود وفى اسعار المنتجات ، ولكن زادت معاناة الشعوب وزادت مراقبة الدول لحركة النقود فلجأ الناس إلى الانترنت لعلها تجد مخرجاً .

العملة الرقمية ليست عملة إذ لا تغطية لها على الإطلاق ، وهي ليست سلعة حقيقية وإنما هي سلعة وهمية يجرى تداولها فى العالم دون ضوابط ، وبتقديمها بوصفها سلعة فإنها تخضع لعوامل الطلب والعرض ، ولكن الطلب غير محدود ، والعرض محدد ، والناس تسعى لكسب المال ، والأسواق المالية مفتوحة على مصراعيها لتشجيع المضاربين ومحتكرى الأسواق ليرفعوا أسعار الأصول المالية . وضمن هذه المعطيات ، ترتفع أسعار العملات الرقمية بجنون فيصبح من كان معه وحدة واحدة من عملته المحلية التى حولها إلى عملة رقمية ليكون معه عشرة آلاف وحدة أو أكثر من عملته المحلية ، فتزيد كمية النقود المتداولة زيادة كبيرة ترتفع معها معدلات التضخم دون ضوابط ودون سيطرة من الدول .

دول مثل المانيا أقرت التعامل بالعملة الرقمية انسجاماً مع سياساتها الاقتصادية التى تهدف إلى رفع مستوى التضخم ، ولكن كيف لها أن تجمح ارتفاع معدل التضخم إذا جاوز ما تعتبره حداً مقبولاً ، خصوصاً وأن آثار العملات الرقمية على اقتصاديات الدول غير ظاهرة لأن الارتفاع الحالي الكبير فى أسعارها حافز على الاحتفاظ بها وليس تحويلها إلى عملات محلية ، فماذا لو تحولت أمزجة محتكرى الأسواق المالية من أصحاب العملات الرقمية لتحويلها إلى العملات المحلية .

ودول تفكر فى إصدار عملة رقمية خاصة بها ، ولكن هل ستراعى الآثار التضخمية لعملة يجرى تداولها فى نطاق جغرافي خارج عن سيطرتها ، أم أن تداولها سينحصر فى الدولة المصدرة ، وهل ستكون بديلاً عن العملة المحلية أم يجرى تداولها مع تداول العملة المحلية .

ودول إسلامية حرم علماؤها التعامل بالعملات الرقمية المتداولة فهي تخالف الشريعة الإسلامية التى تحرم التضخم ” كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ” (الحشر 59: 7) ، وتوجب ثبات القوة الشرائية للنقود ” وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ” (هود 11: 85) .

إن النظام النقدي القائم يخلق التضخم ، والعملات الرقمية تزيد التضخم ، والتضخم مصدر كل الشر فى النظام الاقتصادي ، والدول الأجنبية التى يسيطر عليها حب المال لن تقدم نظاماً نقدياً خال من التضخم ، فعلى الدول الإسلامية العمل بأحكام القرآن الكريم لتقدم نظاماً نقدياً يقوم على حصر تداول النقود فى سلطة نقدية حكومية عليها وحدها أن تصدر النقود بالقدر اللازم لتبادل السلع والمنتجات دون حاجة لاقتراض نقود محلية أو لممارسة أنشطة مالية تضخمية .

ماهـر الكببجي

01/02/2018