العمل الخيري والتمكين الاقتصادي للمرأة – د . محمد سعيد عبد المجيد

العمل الخيري والتمكين الاقتصادي للمرأةد . محمد سعيد عبد المجيد

برز الاهتمام بقضايا مشاركة المرأة عالمياً وإقليميا ومحلياً لأنه أصبح من المؤكد عدم قدرة أي مجتمع على النهوض وتحقيق التنمية مع إضعاف نصفه, بل إن المرأة تمثل النصف الأفضل من المنظور التنموي . فالمرأة إن كانت تمثل حوالي نصف المجتمع من حيث العدد , فهي أكبر من ذلك بكثير من حيث الكيف لأنها العامل الأساسي في تربية النصف الآخر( فالأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعباً طيب الأخلاق) .

ولقد أثبتت تجارب العديد من الدول أن مكافحة فقر المرأة وتمكينها اقتصادياً يؤدى إلى رفاهية المجتمع ككل , لأنه قد ثبت أن الزيادة في دخل المرأة تؤدى إلى زيادة في إنفاق الأسرة على الصحة والتعليم والتغذية مما يؤدى إلى الزيادة في دخل الرجل , وبالتالي إلى زيادة رأس المال البشرى , فضلاً عن مردود تعليم المرأة على معدل الخصوبة وتغذية وصحة الأطفال.

كما أن مشاركة المرأة في التنمية وتمكينها يعد أحد المؤشرات التي يقاس عليها تقدم الأمم ونهوضها , ومن المؤشرات الهامة في ترتيب الدول في أدلة التنمية البشرية المختلفة .

مفهوم التمكينEmpowerment

التمكين مفهوم حديث ، بدأ في الظهور في التسعينات من القرن العشرين ويكثر استعماله في سياسات المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية في برامجها ، وهو مفهوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشاركة والتنمية ويمكن القول بأن التمكين والمشاركة هما وجهان لعملة واحدة . وتستلزم المشاركة الفاعلة تنمية المرأة وتطوير قدراتها وإمكاناتها لتمتلك عناصر القوة التي تمكنها من إحداث التغيير في مجتمعها. وتكمن مصادر هذه القوة في المعرفة والثقة بالنفس وقدراتها والعمل ضمن إطار الجماعة وليس العمل الفردي .

كما يعني التمكين تعزيز القدرات والارتقاء بواقع المرأة لمعرفة حقوقها وواجباتها، وتوفير الوسائل المادية والثقافية والمعنوية والتعليمية لتتمكن المرأة من المشاركة في اتخاذ القرار .

ونجد إن درجة المشاركة ونطاقها تحدد إلى درجة كبيرة توزيع القوة power في المجتمع، بمعنى القدرة على إحداث تأثير في الآخر الذي قد يكون فرداً أو جماعة أو مجتمعاً بأكمله . أي أن المشاركة لا تستهدف فقط تنمية المجتمع وصنع مستقبله بل تستهدف أيضاً تنمية الذات المشاركة وتطوير قدراتها وإمكاناتها ووجودها الفاعل والمؤثر في الحياة الاجتماعية على أصعدتها المختلفة . ومن هنا فإن درجة مشاركة النساء في الجوانب المختلفة للواقع الاجتماعي تقف كمؤشر أساسي على وضع المرأة ومشكلاتها، ومكانتها وقوتها وتمكنها في المجتمع .

وتشترط عملية المشاركة بصفة عامة درجة معينة من القوة أو التمكين ، إذ أن المشارك في الحياة اليومية هو فاعل لديه القدرة على الفعل والاختيار وتحقيق الأوضاع والأهداف التي يرغبها .

ويرتبط مفهوم التمكين في التحليلات السسيولوجية الحديثة بمفهومين آخرين؛ تحقيق الذات أو حضور الذاتEnselfment ، وهو المفهوم الذي يشير إلى الوعي والمعرفة والخبرة أو القابلية لامتلاك تلك العناصر الضرورية للمشاركة ومقاومة الضغوط الاجتماعية .

ومن واقع تحليل الأوضاع الاجتماعية للمرأة يتضح أن أهم معوقات تفعيل تمكينها تتمثل في اختلاف الأهمية النسبية لتعليم الفتيات عن تعليم الذكور وهي ثقافة سائدة داخل الأسر العربية ، وهو ما يعني حرمانها من التعليم ، وبالتالي ارتفاع نسبة الأمية بين النساء عن الرجال .هذا علي الرغم من أن ديننا الإسلامي الحنيف قد أكد علي ضرورة إعطاء المرأة كافة حقوقها ، وفرض للمرأة من الحقوق ما تصل إليه حتى الآن في أعتي الدول الغربية .

لذا فنحن نؤكد علي أهمية تمكين المرأة ولكن بالمفهوم الإسلامي وليس بالمفهوم الغربي الذي يري أن التمكين يعني تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة . وهذه رؤية خاطئة لأن المرأة كما يقول الشيخ محمد صالح المنجد ( تماثل الرجل في أمور وتفارقه في أخرى ، وأكثر أحكام الشريعة الإسلامية تنطبق على الرجال والنساء سواء ، وما جاء من التفريق بين الجنسين ينظر إليه المسلم على أنه من رحمة الله وعلمه بخلقه ، وينظر إليه الكافر المكابر على أنه ظلم ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) (الملك : 14) .

معوقات التمكين الاقتصادي للمرأة

يعوق تمكين المرأة عدة عوامل من أهمها :

1- الموروث الثقافي : حيث تحدد ثقافة المجتمع أدواراً ومسؤوليات وفرصاً وحقوق للمرأة تختلف عنها للرجل. فكثير من القيم الثقافية الموجودة تربط المرأة بدورها في المنزل كزوجة وأم فقط لا غير .

2- مقاومة المرأة ذاتها للتغيير واستسلامها للموروث الثقافي السابق وعدم ثقتها في قدراتها وإمكاناتها , وعدم قدرة المرأة على التوفيق بين أدوارها.

3- وسائل الإعلام: التي رسخت في الكثير من المواد الإعلامية المختلفة صورة نمطية سلبية في أذهان الكثيرين.

4- ضغوط الحياة والإيقاع السريع للحياة, مما يؤدى إلى انغماس الكثيرات في أمور حياتهم اليومية.

أسس التمكين الاقتصادي للمرأة

من أهم أسس تمكين المرأة أن يكون هناك دعم من الرجل لحقوق المرأة ، وتحسين دخلها النقدي ، وتحسين مستويات تعليم المرأة وتيسيره مكانياً وزمانياً، وإتاحة فرص الإقراض للمرأة بشروط ميسرة سواء للمشروعات الصغيرة أو لبناء مسكن صحي، والعمل على رفع الوعي السياسي للمرأة ، من خلال توعيتها بأهمية دورها السياسي ، وأيضا تفهم المؤسسات السياسية لدورها السياسي . أما الآليات المتاحة لتمكين المرأة وبالتالي منحها مصادر القوة لتكون عنصر مؤثر وفاعل قادر على التأثير في الآخرين وذو خيارات متعددة وحرية في الاختيار حسبما تقتضيه حماية مصالحها الفردية والجماعية فلا بد أن تشمل التالي:

أولاً: بناء الوعي لدى المرأة . وهي عملية أساسية تعمل في جوهرها على التغيير الجذري للمفاهيم الخاطئة عند المرأة حول نفسها وحقوقها ولدى المجتمع ، وحول الأدوار المختلفة التي بإمكان المرأة أن تمارسها كإنسان وتتفوق فيها ضمن عملها وأدائها جنباً إلى جنب مع الرجل .

ثانياً: التأهيل والتدريب وبناء القدرات، وهذه خطوة تكميلية متى ما نشأ الوعي لدى المرأة والمجتمع, بحيث تقبل المرأة على البرامج التدريبية بوعي وحماس وشغف ودراية وتتسلح بالقدرات التي تمكنها من الخوض في ميادين العمل المختلفة.

ثالثا: بناء القاعدة المعرفية.

دور العمل الخيري في التمكين الاقتصادي للمرأة

يمثل تمكين المرأة مجالاً هاماً أصبح أحد المحاور الأساسية في قياس التنمية في أي مجتمع, لذا يجب أن يوجه العمل الخيري جانباً كبيراً من اهتمامه لدعم دور المرأة في التنمية . ومن أهم الأنشطة التي يمكن للعمل الخيري القيام بها في هذا المجال ما يلي :

القضاء على قلة تأهيل النساء ، خاصة لشغل الأعمال المتميزة مهنياً و اجتماعياً . ولاشك في أن تحسين القدرات البشرية للنساء سواء من خلال التعليم أو التدريب سيزيد من قدرتهن على الحصول على عمل عند الحاجة ، ومن قدرتهن في التفاوض على شروط العمل من ناحية أخرى ، غير أن هناك حاجة لضمان المساواة في فرص العمل، وفى ظروفه، وفى عوائده.

إن المناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة في ظروف العمل وعوائده لا تلغى الحاجة لمراعاة الظروف الخاصة للمرأة كزوجة وأم . ويتفرع عن ذلك ضرورة توافر مؤسسات راقية لرعاية المرأة العاملة ، وأطفالها . وهذا مجال مهم لنشاط الجمعيات الخيرية .

من أهم أساسيات تمكين المرأة تتمثل في تحسين دخلها النقدي، وتحسين مستويات تعليم المرأة وتيسيره مكانيا وزمانياً، وإتاحة فرص الإقراض للمرأة بشروط ميسرة سواء للمشروعات الصغيرة أو لبناء مسكن صحي .

لا شك أن تحقيق وتفعيل التمكين الاقتصادي للمرأة يتطلب توافر البنية القانونية ، والإجرائية التي تضمن الحفاظ علي حقوق المرأة ، ووجود المنظمات المجتمعية الكفيلة بالدفاع عن حقوقها .

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=52