الجمعيات الخيرية في عالم متغير – د . محمد سعيد عبدالمجيد

الجمعيات الخيرية في عالم متغير

بقلم د . محمد سعيد عبدالمجيد

رئيس قسم البحوث بالمركز الدولي للأبحاث والدراسات

الأستاذ المشارك بجامعة طنطا – مصر

في ظل عالم يموج بالتغيرات والتحولات التي غيرت شكل العالم عما كان مألوفاً قبل ذلك لعدة عقود، تأتي أهمية مناقشة مدى التغير الذي طرأ على دور الجمعيات الخيرية، وحدود الدور الجديد للجمعيات في ظل هذا العالم المتغير.

وإذا ما تحدثنا في البداية عن أهم التغيرات التي شهدها العالم في الفترة الأخيرة، فنجد أنها تتمثل في ظاهرة العولمة وما ارتبط بها من دعوة نحو التحرير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي. فعلى المستوى الاقتصادي، نجد الدعوة إلى التحول نحو التخصصية كي تعمل آليات السوق بكفاءة قصوى، وتسمح لكل دولة بالاندماج في الاقتصاد العالمي. وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي، نجد الثورة المعلوماتية التي جعلت العالم أشبه بقرية صغيرة، تنتقل فيها المعلومات والاستثمارات والسلع والخدمات بحرية تامة، وما ارتبط بذلك من إمكانية التقاء الأفراد بصورة متزايدة في حياتهم اليومية بثقافات أخرى وقيم مغايرة . ونجد – أيضاً – ما أحدثته تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الحديثة – الحواسب، والإنترنت، والهواتف المحمولة، والقنوات الفضائية – من آثار متعددة في حياتنا اليومية. فلقد تغير عدد كبير من الأنشطة التي نمارسها، والطريقة التي نؤدي بها أنشطتنا التقليدية، وعلاقتنا بالآخرين، ورفاهيتنا الشخصية والاقتصادية.

أما على المستوى السياسي، فنجد تنامي الاهتمام بقضايا التطور الديمقراطي في كل دول العالم، وما ارتبط بذلك من تزايد الاهتمام بمفهوم المجتمع المدني، والمناداة بزيادة فاعلية منظمات المجتمع المدني، خاصة في ظل تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي والخصخصة، وما ترتب عليها من تزايد لمعدلات الفقر والبطالة، وتضاؤل لمساحة الدور الاجتماعي الذي كانت تقوم به الدولة في العديد من المجالات التنموية المختلفة. لذلك فقد ظهرت رؤية جديدة تنادي بالبحث عن شركاء جدد في التنمية لا تحركهم بواعث الربح الخاص. وقد تمثل هذا في الجمعيات الخيرية التي أصبح لها دور إيجابي كبير في عملية التنمية؛ نظراً لكونها أكثر قدرة وفاعلية على الوصول والتغلغل في القاعدة الشعبية بشكل يتعذر على الأجهزة الحكومية القيام به، وكذلك لكونها أكثر قدرة على تحديد احتياجات وأولويات السكان في مجتمعاتها المحلية بكفاءة وواقعية.

وتنهض الجمعيات على أساس الاستقلال الذاتي، وعدم استهداف الربح، وعدم التدخل في السياسة، ومن ثم تقف بوصفها صمام أمان وعامل استقرار وتوازن في ميدان العمل الاجتماعي والإنمائي.

ووفقاً لذلك، تمثل الجمعيات الخيرية جزءاً من القطاع المجتمعي في المجتمعات الحديثة، وتقع تلك الجمعيات بين القطاعين العام والخاص. وتعد تلك الجمعيات بمثابة منظمات ربط ووصل بين مكونات المجتمع. وعلى الرغم من اختلاف الجمعيات من حيث الحجم، والأهمية، ومناط الاهتمام بين الدول والثقافات المختلفة، فإن لتلك الجمعيات وظائف متشابهة؛ فهي تناصر الفقراء والضعفاء، وتسعى للتغيير الاجتماعي، وتقدم الخدمات الاجتماعية، وفي بعض الدول تمثل الأداة الرئيسية لتوزيع ونشر الرفاهية الاجتماعية.

ويلاحظ من خلال واقع خبرات العمل الأهلي في بلاد عديدة من العالم أن الجمعيات الخيرية تنقسم إلى ثلاث فئات كبرى هي:

1- جمعيات تهدف إلى مساعدة الأفراد والأسر غير القادرة، بما في ذلك تلك التي تنشأ لغرض المساعدة الذاتية بين الناس غير القادرين، مثل: الجمعيات الخيرية الإسلامية.

2- جمعيات تتكون بناءً على اهتمام عام مشترك، أو بهدف العمل في مجال محدد ولأغراض تحقيق منافع جماعية، مثل: جمعيات حماية حقوق المستهلك.

3- جمعيات ذات طابع عالمي، مثل: جمعيات حماية البيئة، ودعم دور المرأة.

وفي ظل هذا العالم المتغير، تتضح حدود أبعاد دور الجمعيات الخيرية، وهذه الحدود تنطلق من خلال النظر إلى أهمية الاعتماد على مثلث متساوي الأضلاع ( الدولة – القطاع الخاص – القطاع الأهلي )، وهذا المثلث إذا تساوت أضلاعه سوف يحل إشكالية التنمية عالمياً ومحلياً.

وتقوم فكرة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني على التعاون والتكامل بين الأطراف الثلاثة، مع تحديد مجالات العمل والنشاط لكل طرف، بهدف تعبئة أفضل لإمكانيات المجتمع، وإدارة أكثر رشاداً لشؤون الدولة.

كما تقوم هذه الشراكة على تغير النظرة السائدة في كل دول العالم حول استناد التنمية في كل أصولها ونتائجها على دور الدولة – فقط – أو دور القطاع الخاص – فقط -، حيث أصبح هناك اقتناع بأن تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة قائم – بصورة أساسية – على توفير فرص المشاركة لكل المجتمع بكل فاعلياته وبمختلف تنظيماته؛ فقد تطورت النظم الاقتصادية العالمية، وبالتالي تطورت النظم الاجتماعية في معظم المجتمعات، وحدث تغيير واسع باتجاه الاقتصاد الحر في أغلب دول العالم، وأصبح دور الدولة متغيراً، في الوقت الذي مازال دور الدولة مطلوباً وعليها مسؤوليات أساسية، ولكنها أصبحت تعتمد على القطاع الخاص في دور استراتيجي في التنمية، وأصبح – أيضاً- للقطاع الأهلي دور آخر كشريك كامل في التنمية.

لذا تمثل الجمعيات الخيرية وحدات بنائية في المجتمع، بما تستهدفه من إشباع لاحتياجات الأفراد والجماعات لتحقيق التنمية المتواصلة المنشودة في المجتمع.

ووفقاً لذلك، فهناك عدد من المباديء الإرشادية التي يمكن أن تزيد من فاعلية دور الجمعيات الخيرية في ظل هذا العالم المتغير، وتتمثل فيما يلي:

1- القضاء على المعوقات التي تواجه عمل الجمعيات الخيرية، ومن أهمها: المعوقات الإدارية والتشريعية، وضعف مشاركة أفراد المجتمع المحلي، وعدم التوازن القطاعي والمكاني والنوعي.

2- نشر الوعي بزيادة المساعدات التي يقدمها القطاع الخاص للجمعيات الخيرية كمجال من المجالات التي سيعود نفعها إلى القطاع الخاص فيما بعد، خاصة من ناحية تأييد ودعم القطاع الخاص من جانب أفراد المجتمع.

3- ضرورة توافر درجة أكبر من اللامركزية في عمل الجمعيات الخيرية.

4- زيادة عدد الندوات لتوعية المجتمع بدور الجمعيات الخيرية.

5- حصر احتياجات المجتمع المحلي بما يمكن الجمعيات الخيرية من توجيه المساعدات للمناطق الأكثر احتياجاً.

6- المساهمة في توعية المواطنين بأهمية المشاركة.

7- تأسيس مجموعات عمل بين الجمعيات الخيرية والأجهزة المحلية.

8- تشجيع وتجويد المنتجات المحلية، من خلال مساهمة الجمعيات الخيرية في إقامة معارض للسلع المحلية بأجور اشتراك رمزية.

9- مشاركة الجمعيات الخيرية في دعم البرامج التعليمية والصحية في المجتمع.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=47