الدكتور محمد يونس ..صاحب نوبل الذي حول المتسولين إلى متطوعين – عبد الوهاب إبراهيم سعيد

الدكتور محمد يونس ..صاحب نوبل الذي حول المتسولين إلى متطوعينعبد الوهاب إبراهيم سعيد

يختزل البعض في عالمنا الإسلامي العمل التطوعي في تقديم إعانات عاجلة للمحتاجين بأشكال مختلفة سواء عينية أو نقدية، متجاهلين أن العمل الخيري الأكثر أهمية وامتدادا هو إعادة تأهيل الفقير والمحتاج ليكون عنصرا منتجا ويحقق لنفسه ومن يعول حد الكفاية بحيث لا تكون المساعدات الخيرية مؤقتة، وهو ما يطلق عليه ” التنمية المستدامة “.. هذا ما أنجزه على الأرض فعلا الاقتصادي المسلم البنغالي الدكتور محمد يونس، وحصل بجهوده الخيرية على جائزة نوبل للسلام قبل عامين وذلك عن تجربته” بنك الفقراء ” الذي حول الفقراء المحتاجين من فئة تنتظر المساعدات والتبرعات إلى قوى منتجة تكفي نفسها وتنتشل المحتاجين إلى خانة المنتجين، وبذلك تقوى شوكة الأمة وتعود من جديد إلى ناصية الحضارة الإنسانية، فقد استفاد من تجربة الفقراء آلاف المسلمين الفقراء في دولة تعد من أفقر دول العالم.

ماكينة خياطة

ومن القصص المعروفة عن الدكتور محمد يونس أنه قدم لإحدى السيدات ماكينة خياطة فقالت: إنها لا تملك مالاً أو أقساطاً لدفع ثمنها. فطلب منها أن تخيط الملابس وتبيعها ومنها تسدد أقساط ماكينة الخياطة. ومن الجوانب الخيرية التي يستحق ذكرها عند الحديث عن أحد رواد العمل الخيري أن الدكتور يونس عندما أعلن فوزه بجائزة نوبل البالغة 1.4 مليون دولار لأعمال خيرية( هنا نقص في العبارة). ولا يعتذر يونس عن عدم إعطائه أي شيء للمتسولين؛ ففلسفته تقوم على مساعدة الفقراء بحيث يساعدوا أنفسهم على طريقة المثل الصيني: ” لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف اصطاد “. لكنه لم يبخل بإعطاء المسولين غير القادرين على الإنتاج صدقات تعينهم على الحياة، خاصة المتسولين كفيفي البصر، أو كانت أماً عجوزاً ترعى أيتاماً ولا تستطيع ممارسة أية أعمال تكفيها شر المسألة، ويمنح الغارمين قروضا معفاة من الفوائد للأشخاص الأشد فقرا. ويتساءل يونس: «لماذا ينبغي أن يحرم الفقراء من الخدمات المالية.. لماذا تكون تكنولوجيا المعلومات امتيازا محصورا على الأغنياء.. لماذا لا يمكننا تصميم أشياء لصالح الفقراء؟

الفقراء معلمونا

وينقل “لالان جوليس” الذي شارك في إعداد كتاب عن حياة الدكتور يونس بعنوان «المصرفي النابغة» على لسان يونس: «بينما كان الناس يموتون جوعا بالشوارع.. كنت أدرس نظريات اقتصادية رائعة ..كنا جميعا كأساتذة بالجامعة أذكياء للغاية، ولكننا لم نكن نعرف شيئا على الإطلاق بشأن الفقر المحيط بنا». ومضى يقول: «قررت أن الفقراء أنفسهم سيكونون معلمي». ويشعر يونس بالفخار لأن مشروعات التمويل الصغيرة انطلقت في أنحاء العالم. ويقول: إنه إذا منح الفقراء إمكانية الوصول إلى القروض مثل الأغنياء فسوف ينجحون.

أقرض 42 امرأة فقيرة

بدأ العالم المسلم الدكتور محمد يونس تجربته في مكافحة الفقر بطريقة عملية عام 1972، وأقرض 42 امرأة من الفقراء مبلغاً بسيطا من المال من جيبه الخاص بدون فائدة، ودونما تحديد لموعد الرد. ويحكي البروفيسور “يونس” القصة التي أدت لظهور فكرة المصرف، فيقول: “في عام 1972م، وهو العام التالي لحصول بنجلاديش على استقلالها، بدأت بتدريس الاقتصاد في إحدى الجامعات، وبعد عامين أصيبت البلاد بمجاعة قاسية، وكنت أقوم في الجامعة بتدريس نظريات التنمية المعقدة، بينما كان الناس في الخارج يموتون بالمئات، فانتقلت إلى قرى بنجلاديش أكلم الناس الذين كانت حياتهم صراعًا من أجل البقاء، فقابلت امرأة تعمل في صنع مقاعد من البامبو، وكانت تحصل في نهاية كل يوم على ما يكاد يكفي للحصول على وجبتين فقط، واكتشفت أنه كان عليها أن تقترض من تاجر كان يأخذ أغلب ما معها من نقود. وقد تكلمت مع اثنين وأربعين شخصًا آخرين في القرية ممن كانوا واقعين في فخ الفقر؛ لأنهم يعتمدون على قروض التجار المرابين، وكان كل ما يحتاجونه من ائتمان هو ثلاثين دولاراً فقط، فأقرضتهم هذا المبلغ من مالي الخاص.

الفقراء ليسوا أهلا للإقراض

وفكر يونس في أنه إذا قامت المؤسسات المصرفية العادية بنفس الشيء؛ فإن هؤلاء الناس يمكن أن يتخلصوا من الفقر. ولأنه رأى عدم إمكانية الاستمرار في ذلك فقد مضى يحاول إقناع البنك المركزي أو البنوك التجارية لوضع نظام لإقراض الفقراء بدون ضمانات، لكن المصرفيين الذين ارتبط القرض في ذهنهم بالفوائد الربوية قابلوه بالسخرية والتهكم من أفكاره، زاعمين أن الفقراء ليسوا أهلا للإقراض، وعبثاً حاول إقناعهم أن يجربوا، ومن ثم فقد اقترض قرضاً خاصا ليبدأ به مشروعا في قرية “جوبرا” ببنجلاديش. وبمساعدة طلابه أمضى في متابعته ودراسته من عام 1976 حتى عام 1979 في محاولة لإثبات وجهة نظره بأن الفقراء جديرون بالاقتراض، ونجح مشروعه نجاحا باهرا وغير حياة 500 أسرة من الفقراء، وفي عام 1979 اقتنع البنك المركزي بنجاح الفكرة، وتبنى مشروع “جرامين” أي “مشروع القرية.

خمس مقاطعات

وفي عام 1981 زاد من حجم المشروع ليشمل 5 مقاطعات، وقد أكدت كل مرحلة من تلك المراحل فاعلية نظام القروض المتناهية في الصغر، حتى وصل عملاء البنك “المشروع” عام 1983 إلى 59 ألف عميل يخدمهم 86 فرعا. وفي تلك المرحلة قرر يونس إنهاء حياته الأكاديمية وأن يمضي في طريقه، حيث تم اعتماد بنك جرامين في ذلك العام كمؤسسة مستقلة لترتبط حياته بهذه المؤسسة التي كانت حلمًا فصارت واقعًا واعدًا منذ تلك اللحظة وإلى الأبد. وساهمت الحكومة في هذا البنك بنسبة 60 % من رأس المال المدفوع، بينما كانت الـ40 % الباقية مملوكة للفقراء من المقترضين. وفي عام 1986م صارت النسبة 25 % للحكومة و75 % للمقترضين. وفي عام 1976م بدأ البروفيسور يونس مشروعًا بحثيًا عمليًا لاستكشاف إمكانيات تصميم نظام مصرفي يصلح للفقراء من أهل الريف. و توصل إلى أنه إذا توافرت الموارد المالية للفقراء بأساليب وشروط مناسبة فإن ذلك يمكن تحقيق نهضة تنموية كبيرة. و حقق المشروع بالفعل نجاحًا في محافظة “شيتاجونج” في الفترة من 1976م إلى 1979م.

وفي ذلك العام امتد المشروع بمساعدة مصرف بنجلاديش إلى محافظة “تانجيل”، وفي الفترة من 1979م حتى 1983م امتد العمل بنجاح إلى محافظات “دكا ورانجبور وباتواخالي”. وفي سبتمبر1983م تحول المشروع إلى مصرف مستقل باسم جرامين مصرف، ساهمت الحكومة فيه بنسبة 60 % من رأس المال المدفوع، بينما كانت الـ40 % الباقية مملوكة للفقراء من المقترضين. وفي عام 1986م صارت النسبة 25 % للحكومة و75 % للمقترضين.

دائرتان مغلقتان

ويرى يونس خطورة حرمان البنوك التجارية للفقراء من القروض بحجة عدم قدرتهم على السداد، معتبرا أن ذلك التوجه يجعل دائرتي الغنى والفقر في المجتمع دائرتين مغلقتين تتحرك أولاهما إلى أعلى إلى مزيد من الغنى، بينما تتحرك الأخرى إلى أسفل إلى مزيد من الفقر؛ نتيجة لإتاحة الائتمان للفئة الأولى وحرمان الفئة الثانية. ومن ثم كان أهم إنجاز حققه المصرف على الإطلاق هو تمكنه من عمل نظام ناجح لتوفير الائتمانات للفقراء، دون الحاجة لوجود ضمان مالي من ودائع أو عقارات والتي يعجز عنها الفقير بحكم تعريفه. حيث يتقدم العضو الراغب في الحصول على قرض بطلبه إلى زملائه في المجموعة والذين يناقشونه في طلبه، وإذا وافقوا له على طلبه يتقدم رئيس المجموعة بالطلب شفهيًا إلى رئيس المركز الذي يعرض الطلب على أعضاء المركز، فإذا وافقوا قام بكتابة طلب قرض باسم العضو ووقعه ثم قدمه لموظف المصرف في الاجتماع الأسبوعي للمركز، فيقوم الموظف بتحرير نموذج رسمي لطلب القرض، ويقوم بتقديم طلب رئيس المركز والنموذج إلى مدير الفرع، والذي يقوم بزيارة للمراكز التي أتت منها الطلبات للتأكد من ملاءمة المبالغ المطلوبة للأغراض المرغوبة للقروض، ثم يوصي بالموافقة على الطلبات، ويرسلها إلى مكتب المنطقة لتعرض على مسؤول البرامج هناك، والذي يحق له تخفيض المبالغ المطلوبة أو رفض الطلب كلية، ولا يحق له زيادة المبالغ، وبناءً على توصية مسؤول البرامج يعطي مدير المنطقة تفويضه النهائي بصرف القروض. ولا تستغرق هذه الإجراءات أكثر من أسبوع، بعدها يتم تسليم القروض في مكتب الفرع بحضور اثنين من الشهود مع العضو، وعادة ما يكونان رئيس المركز ورئيس المجموعة. ويتم سداد القرض على 52 قسطًا تسدد أسبوعيًا، مضافًا إليها مصاريف إدارية بنسبة 10 % تقريبًا من قيمة القرض، تقسم بالتساوي مع الأقساط الأسبوعية.

فردي وموسمي

وتتنوع القروض الحسنة التي يقدمها بنك الفقراء، فمنها القرض العام وهو النوع الأساسي من القروض في المصرف ويحصل عليه كل أعضاء المصرف والحد الأقصى له 10 آلاف تكا، ويستخدم في جميع أغراض الاستثمار الفردي. وهناك القرض الموسمي والغرض منه هو دعم الزراعات الموسمية، ولها نوعان: فردي والحد الأقصى له 3 آلاف تكا ترد في موسم الحصاد أو خلال ستة أشهر، وجماعي ويبلغ حده الأقصى10 آلاف تكا للمجموعة و135 ألف تكا للمركز من 6 مجموعات. وأيضا قرض الأسرة وتحصل الأسرة عليه عن طريق المرأة، وهي المسؤولة عنه قانونًا، ويسدد على أقساط أسبوعية خلال عام، والحد الأقصى له 30 ألف تكا، لكنه يتراوح في الأغلب بين 10 و 15 ألف تكا، ويشترط له أن تكون المرأة قد سبق لها الاقتراض أربع مرات. وهناك أنواع أخرى سبق لنا الحديث عنها( لم يسبق لها ذكر هنا)، وهي: قرض الإسكان، وقرض التكنولوجيا، وقروض صناديق الادخار.

ولد محمد يونس في 28 يونيو 1940 في “تشيتاغونغ”، ميناء بنغلاديش الرئيسي وثاني أكبر المدن في جنوب شرقي البلاد قرب بورما، وتلقى تعليمه في مدرسة “تشيتاغونغ”، ولاحقا في كلية “تشيتاغونغ”. وأكمل تعليمه العالي في جامعة داكا حيث حصل على البكالوريوس والماجستير في الاقتصاد، ثم حصل على الدكتوراة من جامعة “فاندربيلت” في “ناشفيل” – ولاية “تينيسي” الأميركية – عام 1969. وفي ما بعد انضم إلى طاقم التدريس بجامعة “تشيتاغونغ” بروفيسيرا للاقتصاد. ومنذ تأسيسه «غرامين» أقرض يونس أكثر من 5.1 مليار دولار استفاد منها 5.3 مليون شخص وجهة تجارية. ولضمان تسديد هذه الديون اعتمد البنك نظام «مجموعات التضامن» الذي يشجع فيه المقترضون على التقدم بطلباتهم في مجموعات صغيرة يكون أفرادها «ضامنين» لبعضهم بعضا، والواحد منهم مستعدا لمؤازرة الآخرين في سعيهم إلى الخروج من ضائقة الفقر.

وبعد نمو «غرامين» توسعت خدماته للفقراء لتشمل تمويل الإسكان، ومصائد الأسماك، ومشاريع الري والنسيج.. إلى آخره. إضافة لنشاطاته المصرفية الأخرى مثل التوفير. وقد أدى نجاح “غرامين” إلى تكرار تجربته ليس في أنحاء العالم الثالث وحسب، بل في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، وعموما في 23 دولة. ويذكر أن 96 في المئة من قروض “غرامين” ذهبت إلى النساء اللاتي يعانين أكثر من الرجال من وطأة الفقر، واللاتي تقع على أعبائهن في معظم الأحوال مسؤولية رعاية الأسرة بالمأكل والملبس والسكن والتعليم والصحة. أمد الله في عمر يونس؛ فقد ضرب المثل الرائع لحيوية الإسلام في معالجة أهم مشاكل العصر وهي الفقر.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=45