إدارة مؤسسات التطوع واستقطاب المتطوعين – د. أحمد عبادة العربي

إدارة مؤسسات التطوع واستقطاب المتطوعين – د. أحمد عبادة العربي

يمر العالم اليوم بظروف قاسية تحتم على مؤسسات المجتمع التعاون وبذل أقصى جهدها للتخفيف من معاناة أفراد المجتمع وفق جهد علمي منظم ترعاه مؤسسات العمل الخيري، وأصبح وجود إدارة علمية سليمة ضرورة حتمية لأية مؤسسة تطوعية لضمان تحقيق أهدافها والحفاظ على كيانها، وغدا استقطاب المتطوعين من المهام الرئيسية لإدارة المؤسسة، لذا يجب أن توليه جل اهتمامها، وأن تدقق في اختيارهم، وتعمل على تذليل العواقب التي تعوق أداءهم بالمؤسسة.

مفهوم التطوع:

يُعرف العمل التطوعي بأنه: ” عملية إسهام المواطنين تطوعاً في أعمال التنمية، سواء بالرأي أو بالعمل أو بالتمويل أو غير ذلك”.

أو هو ” الجهد الذي يبذله الإنسان من أجل مجتمعه أو من أجل جماعات معينة، وفيه يتحمل مسؤوليات العمل من خلال المؤسسات الاجتماعية القائمة؛ إرضاءً لمشاعر ودوافع إنسانية داخلية خاصة تلقى الرضا والقبول من جانب المجتمع.

أو هو ” الجهد والعمل الذي يقوم به فردٌ أو جماعة أو تنظيم طواعية واختياراً، بهدف تقديم خدمة للمجتمع أو لفئة منه، دون توقع جزاء مادي مقابل جهوده”.

ومن خلال التعريفات السابقة يتبين أن العمل التطوعي له عدة خصائص هي:

– جهد وعمل يلتزم به الفرد طواعية من غير إلزام.

– عمل غير مأجور مادياً.

– عمل يهدف إلى سد ثغرة في مجال الخدمات الاجتماعية.

– تنظيم محكوم بأطر إدارية مؤسسة جماعية (جمعيات عمومية، مجلس أمناء).

– تنظيم لا يهدف للربح المادي، ولا يستفيد منه أعضاء المؤسسة الذين يشرفون عليه، ولا يحققون أرباحاً شخصية توزع عليهم.

– تنظيم تحكمه تشريعات محددة تنظم أعماله، ويعتمد على الشفافية والاستقلالية والبعد عن الصراعات، والتكافل والأمانة والنزاهة والصدق والمساواة.

إن العمل التطوعي – بالخصائص السابق ذكرها – لا يتم في فراغ، لكنه بحاجة إلى التنظيم المحكم ليتمكن من تحقيق أهدافه بعيداً عن الارتجال والفوضى، ويستلزم ذلك توافر البنية التحتية والبيئية المشجعة على العمل التطوعي. وهناك عدة ثوابت لا بد وأن يتحلى بها العمل الخيري التطوعي هي:

1. أن العمل التطوعي لا يتم سراً وإنما لا بد من إشهاره، ولا يأتي الإشهار وفقاً للتشريعات المعمول بها في الدول، ويشترط في معظم دول العالم ترخيص رسمي لإقامة مؤسسات العمل التطوعي.

2. أنه يجب أن يكون له نظام أساس يحدد أدوار كل المشاركين فيه، ويحدد أهداف المؤسسة ورسالتها ورؤيتها بشكل واضح.

3. توفير البيئة المناسبة لتشجيع واستقطاب المتطوعين وتأهيلهم وتدريبهم وتزويدهم بالمهارات المناسبة للعمل ضمن الأهداف التي وضعتها المؤسسة التطوعية لنفسها، ولا يجب الاكتفاء بمجرد النوايا الحسنة للمتطوعين.

4. يجب أن يحقق العمل التطوعي آمال واحتياجات فئات المجتمع المختلفة من: غذاء، وكساء، ومأوى، وأمن، واستقرار نفسي وأسري.

ومما لا شك فيه أن مؤسسات التطوع هي تنظيمات أهلية، بمعنى أنها ليست حكومية، وتعتمد في إقامة مشروعاتها على التبرعات والهبات والأوقاف، وأن هذه المؤسسات عبارة عن تنظيمات مستقلة تصدر قراراتها من خلال إداراتها المنتخبة، واستقلال هذه المؤسسات يخول لها اتخاذ القرارات وتنفيذ المشروعات التي تتفق مع أهدافها دون تدخل من الحكومة، ودون تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة من أية جهة أخرى، ولا يعني ذلك غياب الضوابط أو الخروج عن الأهداف المحددة، ولا يجوز صرف أموال هذه المؤسسات إلا لتحقيق أهدافها الموضوعة سلفاً.

وتتركز وظائف إدارة المؤسسة في: التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والرقابة، والتقييم، وتبسيط الإجراءات، وتشجيع التعاون بين المؤسسة والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة.

ويقع على عاتق مجالس إدارات المؤسسات التطوعية عدد من المهام مثل: تحديد رسالة المؤسسة وأهدافها ورؤيتها، وتحديد سبب وجود تلك الهيئة، وتحديد الفئات المستهدفة من المؤسسة، والاستخدام الأمثل لمواردها، واختيار المدير التنفيذي لها ومراجعة أدائه، والتخطيط الجيد لإدارة المؤسسة، وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ مشروعاتها ومتابعتها وتحسين الصورة العامة لها.

استقطاب المتطوعين:

المتطوع هو ” الشخص الذي يتمتع بمهارات أو خبرات معينة، يستخدمها لأداء واجب اجتماعي عن طواعية وبدون توقع جزاء مادي مقابل عمله التطوعي .

واستقطاب المتطوعين له دور فعَّال في حياة الأفراد والمجتمعات ومؤسسات التطوع؛ حيث يساعد في سد العجز الموجود في بعض المهارات التي يحتاجها المجتمع، كما أنه يساعد مؤسسات التطوع في التعرف على احتياجات المجتمع وتعريف المجتمع بخدمات وأنشطة مؤسسات التطوع.

والمتطوعون من أكثر المدافعين عن الأفكار والأهداف التي تقوم عليها الهيئات والمؤسسات، بالإضافة إلى أن وجودهم يقلل من الأعباء المالية على المؤسسات التطوعية، إضافة إلى أن التطوع يؤتي بثماره على المتطوعين أنفسهم؛ حيث يساعدهم على اكتساب خبرة استثمار أوقات الفراغ بطريقة مجدية، وإشباع الكثير من الحاجات النفسية والاجتماعية والانتماء والأمن.

وهناك معايير يجب أن تضعها مؤسسات التطوع في الاعتبار عند اختيار المتطوعين، ومن هذه المعايير السمعة الطيبة لدى المجتمع، وأن يكون لديه الوقت لأداء العمل التطوعي والخبرة في مجال العمل، ولديه القدرة على الاتصال والعلاقات العامة والقدرة على العمل بروح الفريق والثقة بالنفس والتأثير في الآخرين.

واجب المتطوعين على المؤسسات:

يجب أن يُعرف المتطوع على أهمية ما يؤديه من عمل مهما صغر، وعلاقته بالجهود الكلية المبذولة، وأن تكون المهام المسندة إليه تتناسب مع قدراته وإمكانياته، وأن يُعامل المتطوع كمسؤول، و لا بد من تشجيعه على تحمل المسؤولية والاعتراف للمتطوع بالفضل إذا ما جاد، وإعلامه بكل ما هو جديد في المؤسسة، والعمل على تدريبه وتنمية قدراته باستمرار. وهناك عدد من العوامل تساعد على تحسين أداء عمل المتطوعين بالمؤسسات التطوعية ومنها:

– جهاز إداري متعاون ومحل ثقة المجتمع.

– وضوح أهداف المؤسسة وبرامجها ومناسبتها لحاجة المجتمع.

– توافق رغبة المتطوع مع أهداف المؤسسة.

– وجود هيكل وظيفي متكامل بالمؤسسة.

– إعداد برامج تدريبية مناسبة للمتطوعين، ومتابعة مستوياتهم أولاً بأول، وتوجيههم نحو الأفضل.

ولكن هناك بعض العوامل التي تعوق عمل المتطوعين، ومنها: عدم وضوح الهدف من العمل بالنسبة لهم، واختلاف وجهات النظر بينهم وبين إدارة المؤسسة، وعدم تحديد دور معين يلتزم به المتطوع، وعدم أهليته للعمل المكلف به، وعدم الجدية والالتزام بتعليمات المؤسسة، وعدم التنسيق بين المتطوعين، وبعض القوانين التي تعوق عملهم.

ولإدارة جهود المتطوعين ينبغي مراعاة مجموعة من الخطوات أهمها:

– تحديد المهام المطلوبة من المتطوعين.

– تحديد الحد الأدنى المطلوب لمؤهلات المتطوعين من حيث: العمر، والتعليم، والخبرة الشخصية.

– مقابلة المتطوعين واختيارهم.

– توزيع المتطوعين على المهام.

– توجيه وتدريب المتطوعين.

– الإشراف والتقييم.

– تقدير الجهود التطوعية معنوياً.

ويمكن إنشاء قسم أو وحدة بالمؤسسات التطوعية تحت مسمى (وحدة استقطاب المتطوعين) تكون مهامها حصر احتياجات المنظمة من العاملين والمتطوعين، وتحديد تخصصاتهم، واستقبالهم، وتسجيلهم، والتعرف على إمكاناتهم ومهاراتهم والأوقات المناسبة لهم، ويكون من مهامها – أيضاً – الدعوة إلى التطوع والحث عليه، وتنظيم لقاءات تعريفية بالمؤسسة وأنشطتها، وعرضها على المتطوعين الجدد، وتنظيم برامج تدريبية لهم؛ لتنمية قدراتهم، وتوزيع المتطوعين على وحدات العمل، ومتابعة وتقويم أدائهم.

إن استقطاب المتطوعين من أهم المهام التي يجب أن توظف لها المؤسسات الخيرية كل طاقاتها؛ لأن ذلك يضمن نجاح تلك المؤسسات في ظل الصعوبات التي تواجهها حيث الصراعات والظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية والتي تزداد يوماً بعد يوم. وفي ظل هذه الظروف التي تحيط بنا يستوجب تعميق مفهوم التطوع، والدعوة لاستقطاب المتطوعين، وتشجيعهم وتأهيلهم وتنمية قدراتهم، والاعتراف بأعمالهم، وتقييم جهودهم للارتقاء بأداء مؤسسات التطوع في عالمنا الإسلامي.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=44