أضواء على خيرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه – الهيثم زعفان

أضواء على خيرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الكاتب : الهيثم زعفان

عمر بن الخطاب فاروق الأمة، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، وافق ربُنا سبحانه وتعالى في مواضع عديدة من القرآن الكريم. وكما كان شديداً في الحق ونصرة الإسلام، كان عظيماً في الرحمة بفقراء المسلمين والسعي على الأرملة والمسكين، نافس الصحابة رضوان الله عليهم في الأنفاق وفعل الخيرات.

في سيرته نماذج عطرة لفعل الخيرات، وفي حكمه أروع الأمثلة لبذل الحاكم المسلم وشعوره بهموم أمته واحتياجاتها، وخوفه دوماً من أن يكون مقصراً في حق فقير مسلم يحتاج إلى عون أو إغاثة. هذا المقال المختصر يستعرض نماذج من خيريته قبل حكمه وأثنائه لنرى كيف يكون التواضع والرحمة بالمسلمين، ونستكشف واجبات المسئول الاجتماعية والخيرية نحو أمته، ولنعلم أن تلك الواجبات لا يُستكمل أداؤها، ولا يستوفى حقها إلا بالبذل المباشر ليرق القلب ويرجو رحمة ربه.

نسبه رضي الله عنه

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رياح، القرشي العدوي أبو حفص أمير المؤمنين، وأمه حنتمة بنت هاشم المخزومية.

عمر بن الخطاب وتنافس الصحابة على فعل الخيرات

لعمر بن الخطاب رضي الله عنه مواقف خيرية تنافسية كثيرة، وعمر رضي الله عنه كباقي الصحابة ممن فقهوا وحرصوا على البذل الخفي لمعرفتهم بعبادته وعظم جزاءه، لذا فإن ما وصل إلينا من نماذج وصور لخيرية الصحابة رضوان الله عليهم أقل بكثير مما لم يصلنا، فما عُرف عنهم يدخل في دائرة ” إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ “، وما لم يصلنا وهو الكثير ولا يعلمه إلا الله فهو الداخل تحت قوله تعالى ” وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ” وذلك لأن اعتقادنا فيهم رضوان الله عليهم أنهم أفضل من تلقى الإسلام وطبقه. وذلك بشهادة ربنا سبحانه وتعالى ثم شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الأساس يتم التعاطي مع خيرية هؤلاء العظماء.

ومن نماذج تنافس عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصحابة في فعل الخيرات ما أخرجه الخطيب عن أبي صالح الغِفاري أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في حواشي المدينة من الليل، فيستسقي لها ويقوم بأمرها، وكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت. فجاءها غير مرّة فلا يُسبق إليها، فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الصديق رضي الله عنهما الذي يأتيها وهو خليفة.

كما أخرج أبو نعيم في الحلية عن الأوزاعي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في سواد الليل فرآه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل بيتاً آخر. فلما أصبح طلحة ذهب إِلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال:لها ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى؛ فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثَرات عمر تتبع؟.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه والوقف الخيري

لحرصه رضي الله عنه على استمرارية الجزاء بديمومة العطاء، ولأنه أصدق ربه فأصدقه سبحانه، فقد رزقه الله سبحانه وتعالى التيسير بالوقف الخيري فقد أخرج الأئمة الستة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضاً، فأتى إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصبتُ أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه فكيف تأمرني به؟ قال: “إن شئت حبست أصلها، وتصدَّقت بها”؛ فتصدّق بها عمر رضي الله عنه أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، وتصدَّق بها في الفقراء والقربى والرقاب، وفي سبيل الله والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول.

عمر بن الخطاب وإثاره عن نفسه بما يحب

رغب عمر بن الخطاب في البر فعلم أنه لن يناله إلا إذا أنفق مما يحب فترجم ذلك عملياً، حيث أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن يبتاع له جارية من سبي جَلُولاء، فدعا بها، فقال: إن الله يقول: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) فأعتقها عمر.

رحمة الخليفة الحاكم وتواضعه

تلازمت رحمة وخيرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع تواضعه، فلم تؤثر حاكميته على تواضعه في بذل الخير بنفسه، بل ضرب أنبل الأمثلة للحاكم العادل الخيّر المتواضع ليربي من يأتي بعده على ذلك. فعند البخاري، والبيهقي عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صبية صغاراً. والله ما يُنضحون كراعاً ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن يأكلهم الضَّبعُ وأنا بنت خَفاف بن أيماء الغِفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمضِ، ثم قال: مرحباً بنسب قريب. ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غِرارتين ملأهما طعاماً، وجعل بينها نفقة وثياباً، ثم ناولها خِطامه، ثم قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيَكم الله بخير. فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها فقال عمر: ثكلتك أمك شهد أبوها الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، والله إِني لأرى أبا هذه وأخاها وقد حاصرا حصناً زماناً فافتتحناه، ثم أصبحنا نستفئ سهمانَنا فيه.

كما أخرج الدِينَوَري، وابن شاذان، وابن عساكر عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طاف ليلة، فإذا هو بامرأة في جوف دار له وحولَها صبيان يبكون. وإذا قِدْر على النار قد ملأتها ماءً، فدنا عمر من الباب فقال: يا أمةَ الله، ما بكاء هؤلاء الصبيان؟ قالت: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذا القدر التي على النار؟ قالت: قد جعلت ماءً هو ذا أعلِّلهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئاً. فبكى عمر، ثم جاء إلى دار الصَّدَقة، وأخذ غِرارة، وجعل فيها شيئاً من دقيق وشحم وسمن وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغِرارة، ثم قال: يا أسلم إحملْ عليَّ. فقلت: يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك، فقال لي: لا أمَّ لك يا أسلم أنا أحمله لأني أنا المسئول عنهم في الآخرة( نرى كيف يدرك كحاكم عظم مسئوليته نحو رعيته)؛ فحمله حتى أتى به منزل المرأة، فأخذ القدر فجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القِدْر، فرأيت الدخان يخرج من خَلَل لحيته حتى طبخ لهم، ثم جعل غرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا. ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سُبُع خفت أن أكلّمه، فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا. ثم قام فقال: يا أسلم تدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا، قال: رأيتهم يبكون، فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي. رحم الله الفاروق عمر.

مباشرته أمر الصدقة بنفسه

نجده رضي الله عنه وهو حاكم المسلمين ينافس الصحابة في الحر الشديد للقيام بأمر صدقات المسلمين، ولا يبالي بالمشقة وذلك لرجائه تحقيق السبق في الخيرية؛ فكما في كتاب “أسد الغابة” فقد روى السري بن يحيى، حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي، حدثنا عمر بن نافع الثقفي، عن أبي بكر العبسي قال: دخلت حين الصدقة مع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، فجلس عثمان في الظل، وقام عليّ على رأسه يملي عليه ما يقول عمر، وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر، عليه بردتان سوداوان، متزر بواحدة وقد وضع الأخرى على رأسه، وهو يتفقد إبل الصدقة، فيكتب ألوانها وأسنانها. فقال علي لعثمان: أما سمعت قول ابنة شعيب في كتاب الله عز وجل: ” إِنَّ خَيْر مَنْ اِسْتَأْجَرْت الْقَوِيّ الأمِين “، وأشار علي بيده إلى عمر، فقال: هذا هو القوي الأمين.

كما نجد سلوكه الإنفاقي رضي الله عنه فيه الحرص على أموال المسلمين وخوفه من ضياع درهم في غير موضعه والأمثلة على ذلك كثيرة ومثلها في تعامله ورقابته لعامليه، لكننا نقف مع سلوك إنفاقي واحد يتبين منه مدى إرهاف حس أمير المؤمنين وحاكم المسلمين نحو أموال الأمة، فقد روى موسى بن إبراهيم المروزي، عن فضيل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد قال: أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، قال: ثم جعل يتأسف ويضرب بيده على الأخرى، ويقول: ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا في مال الله تعالى.

رحمته رضي الله عنه بأهل الذمة

فقهاً من عمر بن الخطاب بوجوب الرحمة بكل نفس، دون أن يؤثر ذلك على الولاء والبراء، بل يرسخ رضي الله عنه استخدام العمل الخيري كمدخل للدعوة إلى الإسلام وتأليف القلوب، فنجده رضي الله عنه كما هو رحيماً بفقراء المسلمين رحيماً بفقراء وضعفاء أهل الذمة فقد أخرج ابن عساكر، والواقدي عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنهما قال: لما قدمنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابية؛ إِذا هو بشيخ من أهل الذمة يستطعم، فسأل عنه فقال: هذا رجل من أهل الذمة كبر وضعف. فوضع عنه عمر رضي الله عنه الجزية التي في رقبته، وقال: كلّفتموه الجزية حتى إذا ضعف تركتموه يستطعم؟ فأجرى عليه من بيت المال عشرة دراهم وكان له عيال.

معالجته رضي الله عنه لأزمات المسلمين

أشد الاحتياج هو وقت الأزمات والحاكم العادل يصاحبه توفيق ربه في تجاوز الأزمة، ورحمة عمر رضي الله عنه وخيريته كانت حاضرة دوماً في رخاء المسلمين وأزماتهم. ففي محنة عام الرمادة، كتب عمر بن الخطاب إِلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو بمصر يطلب منه تزويد المسلمين بالغوث. فبعث عمرو بن العاص بعيرٍ عظيمة، ذكرت بعض الروايات أن أولها كان بالمدينة وآخرها بمصر، يتبع بعضها بعضاً، فلما قدمت على عمر وسَّع بها على الناس، ودفع إلى أهل كل بيت بالمدينة وما حولها بَعيراً بما عليه من الطعام، وبعث عبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم يقسمونها على الناس، فدفعوا إلى أهل كل بيت بعيراً بما عليه من الطعام أن يأكلوا الطعام وينحروا البعير، فيأكلوا لحمه ويأتدموا شحمه، ويحتذوا جلده، وينتفعوا بالوعاء الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف أو غيره؛ فوسَّع الله بذلك على الناس.

نماذج خيرية كثيرة مبهرة وغيرها أكثر لحاكم تواضع لله فرفعه الله سبحانه وتعالى، وجعل ذكره مرادفاً للعدل، تتمنى مثله الشعوب في ضعفها وقوتها، لرحمته وعدله وقوته في الحق رضي الله عن الفاروق عمر.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=8