نسمات من خيرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه – الهيثم زعفان

نسمات من خيرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه

الكاتب : الهيثم زعفان

تحاول هذه المقالة تلمس بعضاً من جوانب خيرية الخليفة الراشد على بن أبي طالب رضي الله عنه، عسى أن تكون نبراساً لولاة الأمور وموسري الأمة الخيريين.

على بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورابع الخلفاء الراشدين إمام في الزهد والتواضع، حث على فعل الخيرات وإدخال السرور على المسلمين، ورد عنه قوله ” إن من موجبات المغفرة إدخال السرور على أخيك المسلم”. رحم الله أبا الحسن، وجعل إدخال السرور على المسلمين هو ديدن عباد الله المؤمنين.

وهذه المقالة ستحاول تلمس بعضاً من جوانب خيرية هذا الخليفة الراشد، عسى أن تكون نبراساً لولاة الأمور وموسري الأمة الخيريين.

ترجمته رضي الله عنه

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن، زوج فاطمة الزهراء ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول الناس إسلاماً في قول كثيرٍ من أهل العلم، ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك.

أخرج ابن عساكر أن علياً رضي الله عنه قال عن نفسه:

محـمـــد النبي أخي وصهـري وحمزة سيد الشــهداء عمي

وجعفر الذي يمسي ويضحـى يطير مع الملائــــكة ابن أمي

وبنت محمد سكني وعرسي مَسُوطٌ لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولــــداي منهـــا فأيــكم لــــه سهم كسهمي

علي بن أبي طالب ونظارة بعض أموال رسول الله صلى الله عليه وسلم

روى الإمام البخاري في صحيحه، أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه قد تولى الإشراف ونظارة بعض أموال النبي صلى الله عليه وسلم ، فروى عن عمرو بن الزبير قال: صدق مالك بن أوس، أنا سمعت عائشة – رضي الله عنها – زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله، فكنت أنا أردهن، فقلت لهن: ألا تتقين الله، ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:” لا نورث، وما تركناه صدقة – يريد بذلك نفسه – يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المال، فانتهى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن ” قال ابن حجر: فكانت هذه الصدقة بيد علي، ومنعها على عباساً فغلبه عليها، ثم كان بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن حسين وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها، ثم بيد زيد بن حسن وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

علي رضي الله عنه وحاله مع بيت مال المسلمين

ضرب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أعظم المثل في رعاية الفقراء والمساكين من خلال بيت مال المسلمين، فعن على بن ربيعة الوالبى أن على بن أبي طالب جاءه ابن النباح فقال: يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء (الذهب والفضة)، فقال: الله أكبر، فقام متوكئًا على ابن النباح حتى قام على بيت مال المسلمين فقال:

هذا جَنَاىَ خياره فيه وكل جَانٍ يده إلى فيه

يا ابن النباح علىَّ بأشياع الكوفة، قال: فنودي في الناس، فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول: يا صفراء، ويا بيضاء غري غيري، ها، ها، حتى ما بقى منه دينار ولا درهم، ثم أمره بنضحه وصلى فيه ركعتين، وفي رواية أخرى لأبي نعيم من خبر مجمع التيمى قال: كان علي رضي الله عنه يكنس بيت المال ويصلى فيه ويتخذه مسجدًا رجاء أن يشهد له يوم القيامة.

قضائه رضي الله عنه لحوائج المسلمين

ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية من خبر الأصبغ بن نباته: أن رجلاً جاء على بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقال: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فرفعتها إلى الله تعالى قبل أن أرفعها إليك، فإن قضيتها حمدت الله وشكرتك، وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك، فقال علي رضي الله عنه: اكتب حاجتك على الأرض فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك، فكتب: إني محتاج، فقال لي: علىَّ بحُلة، فأتى بها، فأخذها الرجل فلبسها، ثم أنشأ يقول:

كسوتني حُلة تبلي محاسنهـــا فسوف أكسوك من حسن الثنا حـللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة ولسـت أبـغــى بمــــا قـــد قلتــه بدلا

إن الثـنــا ليحيــي ذكــــــر صاحبه كالغيث يحيــي نــداه السهل والجبلا

لا تزهـــد الدهــــر في خير تواقعه فكــل عبــد سيجـزي بالـــذي عـمــلا

فقال على رضي الله عنه: علىَّ بالدنانير، فأُتى بمائة دينار فدفعها إليه، فقال الأصبغ: يا أمير المؤمنين، حلة ومائة دينار قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنزلوا الناس منازلهم»وهذه منزلة هذا الرجل عندي.

على بن أبي طالب رضي الله عنه والوقف

حرص على بن أبي طالب رضي الله عنه أن يكون له وقف يأتيه حسنات ريعه في حياته وبعد مماته، وهو من أوائل الصحابة الكرام الذين وضعوا أسس الوقف الإسلامي. فقد أورد ابن الأثير في “أسد الغابة” عن على ابن أبي طالب رضي الله عنه قوله لقد رأيتني وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار. ورواه حجاج الأصبهاني وأسود عن شريك، فقالا: أربعين ألف دينار. وأوضح ابن الأثير أنه لم يرد بقوله: “أربعين ألفاً” زكاة ماله، وإنما أراد الوقوف التي جعلها صدقة حيث كان الحاصل من دخلها صدقة هذا العدد.

وقد ذكر الإمام ابن شبه في كتابه “أخبار المدينة” أوقاف علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحصرها تحت عنوان ” صدقات علي بن أبي طالب رضي الله عنه”، ومما جاء فيه:

أ – أموال علي بن أبي طالب في ينبع، وهي عيون متفرقة: منها: “عين البحير، وعين أبي نيزر، وعين نولا “.

ب- عيون البغيبغات، وهي عيون كثيرة، منها: عين خيف الأراك، وعين خيف ليلى، وعين خيف بسطاس، وعين الحدث.

ج – صدقاته بالمدينة المنورة: وهي: “الفقيرين في العالية، وبئر الملك بقناة، والأدبية بالإضم” .

د – صدقاته بوادي القرى: ومنها: عين ناقة، ويقال لها: عين حسن، بالبيرة من العلا.

هـ – وله بحرة الرجلاء من ناحية شعب زيد، واد يدعى الأحمر، وله فيها أيضًا واد اسمه “البيضاء” فيه مزارع وعفا، وأربع آبر يقال لها “ذات كمات” ،” ذوات العشراء”، ” قعين”، “معيد”، و”رعوان”.

و – وله في فدك: مال بأعلى حرة الرجلاء يقال له ” القصية”.

وله فيها أيضًا واد يدعى: ” رعية” ، فيه نخل ووشل، وله فيها أيضًا واد يقال له ” الأسحن”.

وهذا هو نص الوقفية التي كتبها الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بخط يده:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أمر به وقضى به في ماله عبد الله علي أمير المؤمنين، ابتغاء وجه الله ليولجني الله به الجنة، ويصرفني عن النار ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. أن ما كان لي بينبع من ماء يعرف لي فيها وما حوله صدقة ورقيقها غير أن رباحاً وأبا نيزر وجبير أعتقناهم، ليس لأحد عليهم سبيل، وهم موالي يعملون في الماء خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهليهم. ومع ذلك ما كان بوادي القرى، ثلثه مال ابني قطيعة، ورقيقها صدقة، وما كان لي بواد ترعة وأهلها صدقة، غير أي زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه. وما كان لي بإذنية وأهلها صدقة. والفقير لي كما قد علمتم صدقة في سبيل الله. وأن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة وجب فعله حيا أنا أو ميتا ينفق في كل نفقة ابتغى به وجه الله من سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم، وبني المطلب والقريب والبعيد، وأنه يقوم على ذلك حسن بن علي، يأكل منه بالمعروف وينفق حيث يريه الله في حل محلل لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يندمل من الصدقة مكان ما فاته يفعل إن شاء الله لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبيع من الماء فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله يسير إلى ملك، وإن ولد علي وما لهم إلى حسن بن علي، وإن كان دار حسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها، فإنه يبيع إن شاء لا حرج عليه فيه، فإن يبع فإنه يقسم منها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثه في سبيل الله، ويجعل ثلثه في بني هاشم وبني المطلب، ويجعل ثلثه في آل أبي طالب، وأنه يضعه منهم حيث يريه الله. وإن حدث بحسن حدث وحسين حي، فإنه إلى حسين بن علي، وأن حسين بن علي يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا، له منها مثل الذي كتبت لحسن منها، وعليه فيها مثل الذي على حسن، وإن لبني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت الذي جعلت إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة محمد وتعظيماً وتشريفاً ورجاءً بهما، فإن حدث لحسن أو حسين حدث، فإن الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إن شاء، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريد، فإنه يجعله إلى رجل من ولد أبي طالب يرضاه، فإن وجد آل أبي طالب يومئذ قد ذهب كبيرهم وذوو رأيهم وذوو أمرهم، فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم، وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن ينزل الماء على أصوله، ينفق تمره حيث أمر به من سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم، وبني المطلب، والقريب والبعيد لا يبع منه شئ ولا يوهب ولا يورث، وإن مال محمد على ناحية، ومال ابني فاطمة ومال فاطمة إلى ابني فاطمة. وإن رقيقي الذين في صحيفة حمزة الذي كتب لي عتقاء: فهذا ما قضى عبد الله علي أمير المؤمنين في أمواله هذه الغد من يوم قدم مكر، ابتغي وجه الله والدار الآخرة، والله المستعان على كل حال، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شئ قبضته في مال، ولا يخالف فيه عن أمري الذي أمرت به عن قريب ولا بعيد. أما بعدي فإن ولائدي اللاتي أطوف عليهن السبع عشرة منهن أمهات أولاد أحياء معهن ومنهن من لا ولد لها، فقضائي فيهن إن حدث لي حدث: أن من كان منهن ليس لها ولد، وليست بحبلى، فهي عتيقة لوجه الله، ليس لأحد عليها سبيل، ومن كان منهن ليس لها ولد وهي حبلى فتمسك على ولدها وهي من حظه، وأن من مات ولدها وهي حية فهي عتيقة، ليس لأحد عليها سبيل، فهذا ما قضى به عبد الله علي أمير المؤمنين من مال الغد من يوم مكر. شهد أبو شمر بن أبرهة، وصعصعة بن صوحان، ويزيد بن قيس، وهياج بن أبي هياج. وكتب عبد الله علي أمير المؤمنين بيده لعشرة خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين.

وثيقة وقفية خيرية هامة تعلم كل ولي أمر كيف ينبغي له أن يكون حريصاً على الإنفاق الخيري حياً وميتاً. رحم الله أمير المؤمنين، وتقبل نفقته، نسأل الله أن يكتب كل رجل مسلم مثل هذه الوثيقة لتشفع له في يوم لا ينفع مالاً ولا بنون.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=9