بيت الجود وتوريث الخيرية – الهيثم زعفان

بيت الجود وتوريث الخيرية

الكاتب : الهيثم زعفان

إنه “بيت الجود” الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله بأن شيمتهم الجود، بيت سعيد بن عباده رضي الله عنه، بيت تربوي يعد بمثابة مدرسة لإعداد قادة العمل الخيري، ورث فيه صاحبه سعد بن عباده خصال الجود والسخاء وفضائل الأعمال الخيرية لابنه الصحابي قيس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ذكرهما مقروناً على مدار التاريخ بالجود على الفقراء والمساكين.

في سيرتهما مواقف تعطي وصفاً لخصال “الرجل الخير الباذل” الذي يرجو رضى ربه وقبوله، والمتأمل لتلك المواقف يعجب لهذه القدرة النفسية العالية على العطاء والبذل في سبيل الله وكأنها هواية يمارسها العبد كل يوم. وبدورنا سنحاول اقتطاف بعضاً من مواقف هذين الصحابيين البذلية، لنتعرف عن قرب كيف يكون الإنفاق في سبيل الله والجود على الفقراء والمساكين هو السمت الذي يعرف به العبد فإذا ذكر البذل ذكر فلان، ليكون ذلك حافزاً على فعل الخيرات والجود من عطاء الله.

نعمة الجود فضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده، وأمتع الجود هو ما يحصل معه الأجر الأخروي ولا يتحقق ذلك إلا بإكرام اليتيم والفقير والمسكين، لا لشئ إلا ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى ورجاء قبوله. فالجود والسخاء على الفقراء والمساكين من أجل الأعمال وأفضلها، ومن عظيم النعم أن يتطاير ذكر المرء في الأفاق مقروناً بصفة محببة إلى الرحمن سبحانه وتعالى وهي صفة الجود على الفقراء والمحتاجين. وهذا ما حدث مع بيت هذا الصحابي الجليل وذريته إنه “بيت الجود” الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله بأن شيمتهم الجود، بيت سعيد بن عباده رضي الله عنه. بيت تربوي يعد بمثابة مدرسة لإعداد قادة العمل الخيري ورث فيه صاحبه سعد بن عباده خصال الجود والسخاء وفضائل الأعمال الخيرية لابنه الصحابي قيس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ذكرهما مقروناً على مدار التاريخ بالجود على الفقراء والمساكين.

في سيرتهما مواقف تعطي وصفاً لخصال “الرجل الخير الباذل” الذي يرجو رضى ربه وقبوله، والمتأمل لتلك المواقف يعجب لهذه القدرة النفسية العالية على العطاء والبذل في سبيل الله وكأنها هواية يمارسها العبد كل يوم. وبدورنا سنحاول اقتطاف بعضاً من مواقف هذين الصحابيين البذلية، لنتعرف عن قرب كيف يكون الإنفاق في سبيل الله والجود على الفقراء والمساكين هو السمت الذي يعرف به العبد فإذا ذكر البذل ذكر فلان، ليكون ذلك حافزاً على فعل الخيرات والجود من عطاء الله.

أولاً : سعد بن عبادة رضي الله عنه

هو سعد بن عبادة ابن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج زعيم الخزرج، وحامل راية الأنصار، أمه عمرة بنت مسعود، وكان يكنى أبا ثابت، وأبا قيس، وقد أسلم مبكرًا، وحضر بيعة العقبة الثانية مع سبعين رجلاً وامرأتين من الأنصار، وكان أحد النقباء الإثني عشر.

ولما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة كان يبعث إليه سعد رضي الله عنه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيوت أزواجه. وقد حظي بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال كما في مسند الإمام أحمد “اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة”.

وكان له رضي الله عنه “أطم” وهو بيت مربع مسطح وكان مناديه يصعد أعلى داره وينادي كل يوم: “من أحب الشحم واللحم فليأت أطم بن حارثة”.

يقول “محمد بن سيرين” ” كان أهل الصفة وهم فقراء المدينة إذا أمسوا انطلق الرجل بالرجل ليطعمه والرجل بالرجلين والرجل بالخمسة فأما سعد بن عبادة فكان ينطلق بثمانين كل ليلة”. من أجل ذلك كان سعد رضي الله عنه يسأل ربه دوماً المزيد من خيره ورزقه، وكان يقول: “اللهم انه لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه”. وقد أوقف سعد رضي الله عنه بئراً وأموال من أمواله في سبيل الله.

ثانياً : قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما

حين أسلم سعد بن عبادة رضي الله عنه أخذ بيد ابنه قيس رضي الله عنه وقدّمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له “هذا خادمك يا رسول الله”.

وفي صحيح البخاري عن أنس كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. وأخرج البخاري في التاريخ من طريق خريم بن أسد قال: رأيت قيس بن سعد وقد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين.

ولقيس رضي الله عنه عبارته المشهورة ” لولا الإسلام, لمكرت مكراً لا تطيقه العرب”.

وقد حمل قيس رضي الله عنه لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات، واستعمله صلى الله عليه وسلم على الصدقة.

وقد ذكر بن عساكر أن قيس رضي الله عنه اشترك مع ثلاثمائة صحابي في غزوة سيف البحر بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، فأصابهم فيها جوع شديد، وفني ما معهم من زاد، فقام قيس فذبح ثلاثة جمال له، وبعد مدة ذبح ثلاثة أخرى، ثم ذبح لهم ثلاثة أخرى، حتى نهاه أبو عبيدة عن ذلك حين رزق الله الجيش بحوت كبير ظلوا يأكلون منه ثمانية عشر يومًا. وفي رواية جابر في الصحيحين أنه في هذه الغزوة كان ينحر ويطعم حتى استدان بسبب ذلك ونهاه أمير الجيش أبو عبيدة رضي الله عنه، وقد تحدث أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- عن كرم قيس وسخائه، فقالا: لو تركنا هذا الفتى لسخائه لأهلك مال أبيه، فلما سمع سعد بن عباده ذلك قام عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة، وابن الخطاب، يُبَخِّلان عليَّ ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه “الجود من شيمة أهل ذلك البيت”. لننظر لهذا الموقف التربوي وكيف خرجت حمية الأب دفاعاً عن منهجه الخيري الذي يربي ابنه عليه.

وكان قيس رضي الله عنه يطعم الناس في أسفاره مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا نفد ما معه يستدين وينادي في كل يوم: هلموا إلى اللحم والثريد، كما كان يفعل أبوه.

وفي جوده على الفقراء يقول “بن عساكر” ذات مرة جاءت امرأة عجوز تشكو فقرها إلى قيس رضي الله عنه، فقال لخدمه: املئوا بيتها خبزًا وسمنًا وتمرًا.

ويذكر الذهبي هذه القصة من طريق آخر في سير أعلام النبلاء فيقول ” وقفت على قيس رضي الله عنه عجوز فقالت أشكو إليك قلة الجرذان فقال ما أحسن هذه الكناية املئوا بيتها خبزاً ولحماً وسمناً وتمرا”.

وعن حاله مع القرض والدين، تذكر كتب التاريخ أن قيس رضي الله عنه جاءه كثير بن الصلت فطلب منه ثلاثين ألفًا على سبيل القرض، فأعطاه إياها، وفي الموعد المحدد للوفاء بالدين ذهب الرجل يردّ إلى قيس رضي الله عنه قرضه فرفض أن يقبله وقال: “إنا لا نعود في شيء أعطيناه”.

وذات يوم باع قيس بن سعد بن عباده رضي الله عنهما تجارة بتسعين ألفا، ثم أمر من ينادي بالمدينة: من أراد القرض فليأت، فجاء إليه أناس كثيرون، أقرضهم أربعين ألفًا وتصدق بالباقي، وكتب على من أقرضه فمرض رضي الله عنه مرضاً فقل عواده وزواره، فسأل زوجته قريبة بنت أبى عتيق أخت أبى بكر الصديق رضي الله عنه: لم قل عوادي؟ فأجابت: لأنهم يستحيون من أجل دينك فأمر مناديًا ينادي: من كان عليه دين فهو له، وأرسل إلى كل رجل بصكه، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه من كثرة العواد.

ومن حبه لفعل الخيرات رضي الله عنه كان يقول “ اللهم ارزقني مالاً وفعالاً فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال” ليتشابه ذلك مع قول أبيه من قبل “اللهم انه لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه”، حقاً إنها ذرية بعضها من بعض.

وقد ذكر ابن سيرين من طريق عمرو بن دينار عن أبي صالح أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قسم ماله بين أولاده، وخرج إلى الشام فمات وولد له ولد بعد موته، فجاء أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى ابنه قيس رضي الله عنه وعن أبيهه، فقالا نرى أن ترد على هذا، فقال ما أنا بمغير شيئاً صنعه سعد ولكن نصيبي له.

وفي قصة معبرة عن حال الصحابة الفضلاء مع فعل الخيرات، ذكر بن كثير في البداية والنهاية عن الهيثم بن عدى أن ثلاثة اختلفوا عند الكعبة في أكرم أهل زمانهم فقال أحدهم عبد الله بن جعفر وقال الآخر قيس بن سعد وقال الآخر عرابة الأوسي فتماروا في ذلك حتى ارتفع ضجيجهم عند الكعبة، فقال لهم رجل فليذهب كل رجل منكم إلى صاحبه الذي يزعم أنه أكرم من غيره فلينظر ما يعطيه وليحكم على العيان، فذهب صاحب عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما إليه فوجده قد وضع رجله في الغرز ليذهب إلى ضيعة له، فقال له يا ابن عم رسول الله، ابن سبيل ومنقطع به، قال فأخرج رجله في الغرز وقال ضع رجلك واستو عليها فهي لك بما عليها وخذ ما في الحقيبة، فرجع إلى أصحابه بناقة عظيمة وإذا في الحقيبة أربعة آلاف دينار ومطارف من خز وغير ذلك، ومضى صاحب قيس بن سعد رضي الله عنهما إليه فوجده نائماً فقالت له الجارية ما حاجتك إليه قال ابن سبيل ومنقطع به، قالت فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار ما في دار قيس مال غيره اليوم، واذهب إلى مولانا في معاطن الإبل فخذلك ناقة وعبداً واذهب راشداً، فلما استيقظ قيس من نومه أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها شكراً على صنيعها ذلك، وقال هلا أيقظتينى حتى أعطيه ما يكفيه أبداً فلعل الذي أعطيتيه لا يقع منه موقع حاجته. وذهب صاحب عرابة الأوسي رضي الله عنه إليه فوجده وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو يتوكأ على عبدين له وكان قد كف بصره، فقال له يا عرابة فقال قل فقال ابن سبيل ومنقطع به قال فخلى عن العبدين ثم صفق بيديه باليمنى على اليسرى ثم قال أوه أوه والله ما أصبحت ولا أمسيت وقد تركت الحقوق من مال عرابة شيئاً، ولكن خذ هذين العبدين قال ما كنت لأفعل فقال إن لم تأخذهما فهما حران فإن شئت فأعتق وإن شئت فخذ وأقبل يلتمس الحائط بيده قال فأخذهما. وجاء بهما إلى صاحبيه.

فحكم الناس على أن ابن جعفر قد جاد بمال عظيم وان ذلك ليس بمستنكر له. وأن قيساً أحد الأجواد حكم مملوكته في ماله بغير علمه واستحسن فعلها وعتقها شكراً لها على ما فعلت واجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسي لأنه جاد بجميع ما يملكه وذلك جهد من مقل. رحم الله هؤلاء العظماء الأفذاذ الذين رفعوا أركان وأعمدة العمل الخيري الإسلامي وتخرجوا جميعاً من بيوت جود بل بيوت صناعة قادة العمل الخيري الإسلامي.

إن وصف بيت الجود يعد حافزاً لصناعة بيوت جوادة على الفقراء والمساكين، فهل من الممكن أن تتحول بيوتنا إلى بيوت جود وسخاء على المحاجين والمعسرين والفراء والمساكين؟.

إنه دور تربوي عظيم يقع على عاتق الآباء من أجل غرز صفة الخيرية في نفوس الأبناء، وهذا لن يتأتي إلا إذا امتلأ الكوب الخيري عن آخره عند الأب ليفيض بعد ذلك على الأبناء، بمعني أن يجتهد الأب في تدريب نفسه على البذل والعطاء حتى يصير معلماً ومربياً بالقدوة والفعل العملي لا بالكلام والنصائح الجوفاء التي حدودها مخارج الأصوات فقط. ولتكن تربية سعد بن عباده لابنه قيس رضي الله عنهما نبراساً لفنون التربية البذلية العملية من أجل صناعة قادة للعمل الخيري تلك العملة الماسية النادرة التي تحتاج إليها الأمة الإسلامية دوماً.

المصدر: http://www.medadcenter.com/Articles/show.aspx?Id=13