المسؤولية الاجتماعية للشركات: من منظور إسلامي – نواف الرفدي

المسؤولية الاجتماعية للشركات: من منظور إسلامي

نواف الرفدي

لم تعد المسؤولية الاجتماعية مناطة بفئة محددة من المؤسسات أو الأفراد بل أضحت محطَّ أنظار الاقتصاديين في العالم كله، وذلك بعد التطور الكبير والتغير الواسع الذي طرأ – وما زال – على السوق من خلال أثرها المتعدد على المجتمع وعلى المؤسسات وعلى المجتمع.

إلا أن مناقشة المسؤولية الاجتماعية من منطلق إسلامي لم يأخذ حظه الوافر من التأصيل والدراسة وهو يحتاج إلى بعث وتنشيط فنصوص الشريعة الإسلامية وجهود الفقهاء والاقتصاديين المسلمين ملأى بالعطاء لأن الشريعة الخالدة متوافقة مع متطلبات الحياة الإنسانية في جميع مراحلها وتطوراتها، وهي متوافقة حتماً مع حاجيات الحياة الإنسانية في هذا العصر، مصداقاً لقول الله عز وجل (وكل شيء فصلناه تفصيلاً)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ماتركت من شيء يقربكم من الله إلا أمرتكم به، ولاشيء يبعدكم عن الله إلا نهيتكم عنه.).

لقد أصبحت المسؤولية الاجتماعية للشركات ضرورة اقتصادية لهذه الشركات إلى جانب كونها ضرورة إنسانية تمليها المسؤولية الأدبية لأي كيان يعيش في بلد من البلاد. وهي من هذه الزاوية تجمع بين الحسنيين الربح المادي وتحمل مسؤولية المجتمع ابتغاء لمرضاة الله عزوجل، وعملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).

إن لكل مجتمع من المجتمعات هموماً وقضايا تشغله، كما أن للمجتمع العالمي هموما«مشتركة تحتاج إلى مساهمة الشركات بصورة فاعلة في التعامل معها والمشاركة في حلها.. أذكر على سبيل المثال: مشكلات البطالة والتعامل مع الثورة المعلوماتية المتجددة وبعض المشكلات البيئية كالتلوث خصوصاً: زيادة الكربون وغاز الأوزون وغيرها من القضايا العالمية، إلى جانب القضايا المحلية التي تهم كل مجتمع بذاته، كقضايا الأمية في بعض المجتمعات وتخلف الوعي الصحي وغيرها.

وهنا يأتي التطبيق العملي لقول الله تعالى: (وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، فماذا لو عملت الشركات المحلية مثلاً على دعم مشروعات علمية، أو تنظيم برامج تدريبية في التثقيف البيئي أو المعلوماتية يقوم عليها مشروع مدعوم علمياً وفكرياً وتربوياً وإداريا، وطرح الإعلام لها إما عن طريق الإعلام بروافده المختلفة أو عن طريق المؤسسات التعليمية والثقافية والحكومية، بحيث يغطي عائد هذه البرامج تكلفتها الفعلية ويزيد هامشاً في الربح ليكون تشجيعاً للشركة على مواصلة مسؤوليتها الاجتماعية، إلى جانب المردود الاقتصادي الكبير المتمثل في الدعاية لهذه الشركة، وهي دعاية عملية يشعر فيها المجتمع بنفعيته أكثر مما يستمتع بمشاهدة الإعلانات المدفوعة الأجر في وسائل الإعلام، والتي لم تصبح مرغوباً فيها عند كثير من شرائح المجتمع نتيجة للتنافس الشديد بين الشركات وماسمي اجتماعياً بمصطلح (ضرب العلامة التجارية) وإغراق السوق بالسلع المضروبة فأصبح البديل الإعلاني الصحيح للشركات هي اندماجها في المجتمع وانتماؤها له، فإن انتماء الشركة للمجتمع يزيد في انتماء المجتمع لها، دون أن تتخلى الشركة عن أهدافها الربحية.

إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ماينفعك)، وهي قاعدة عامة في التعامل سواء كان فردياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً والمطلوب من الشركات في هذا الصدد هو إدخال هذا المفهوم الشريف لهذا الحديث النبوي في موازناتها، فبدلا من الحرص على رافد واحد من النفع وهو الربح المادي- لماذا لا يكون الحرص على أكثر من رافد في العمل الواحد ؟ ولامانع في هذا الإطار من تحقيق مبدأ التعاون على البر والتقوى من خلال مد جسور التعاون بين الشركات والمؤسسات التي تتخذه بعض هذه الجهات من بعض، يكون جو الصداقة والتعاون والنماء التي تتمثل بركته في مشاريع تجتمع فيها المسؤولية الاجتماعية مع الربح المادي.

وهناك جانب مهم من جوانب المسؤولية الاجتماعية للشركات وهو ما يمكن أن يعبر عنه بأخلاقيات السوق، فقد جاءت الشريعة الإسلامية بنظم كفيلة بإحلال الأخلاقيات الطيبة في السوق الاقتصادي، فحاربت الغش والخديعة وترويج السلع بالوسائل غير الصحيحة كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)، وقوله (الغش والخديعة في النار) كما حرمت بيع السلع المحرمة التي تعين على الرذيلة، ويكفى في ذلك قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة) وكل هذه التشريعات تهدف إلى بناء كيان اقتصادي شريف ينزع إلى الفضيلة، ولايكون الربح المادي همه الأخير على حساب المجتمع أفرادا «وقيما».

لعل ماسبق رؤوس أقلام أملتها ضرورة المشاركة بروح إسلامية في موضوع طرح بإلحاح على الساحة الاقتصادية والاجتماعية العالمية عسى أن يكون لي أو لغيري مفتاحا لتعميق النظرة الإسلامية وتفعيلها في واقع العمل الاجتماعي للشركات، على الأقل على المستوى المحلي في ظل نظام إسلامي من الله به على هذا البلد الطيب، تراعى فيه حقوق الله ويعمل فيه للرقي المتكامل من جميع جوانبه.

٭ عضو مجلس إدارة جمعية المكتبات والمعلومات السعودية

** عن صحيفة” الرياض” السعودية