ادارة برامج المسؤولية الاجتماعية في الشركات بين العشوائية و التخطيط

ادارة برامج المسؤولية الاجتماعية في الشركات بين العشوائية و التخطيط

أ.وهيبة مقدم
قد يكون من السهل تحديد ما إذا كانت شركة ما جادة في تعاملها مع برامج المسؤولية الاجتماعية أم لا من خلال الإطلاع على أسلوب إدارتها لهذه البرامج.
إن دمج برامج المسؤولية الاجتماعية في منظمات الأعمال يمكن أن يأخذ ثلاث أشكال متباينة:
الشكل الأول: و يشمل قيام الشركة بتخصيص مبالغ مالية كهبات و مساعدات لبعض الجمعيات أو المراكز الصحية أو التعليمية، و غالبا ما ترتبط هذه المساعدات بالوضعية المالية للشركة فتزداد بزيادة أرباح الشركة و تقل أو تتوقف بنقصان هذه الأرباح، حيث تغيب أي سياسة عامة للمسؤولية الاجتماعية، إن مثل هذا الشكل يعكس التصور السطحي لمفهوم الالتزام الاجتماعي للشركات، و لا يمت بصلة لحقيقة البرامج التي تدخل في إطار المسؤولية الاجتماعية، فهو مجرد شكل من أشكال العمل الخيري.
و غالبا ما يراد من هذه النشاطات الخيرية تحسين صورة الشركة داخليا و خارجيا، كما أن هذه المبادرات ليس لها أي أثر مباشر على القرارات الإستراتيجية للشركة.
الشكل الثاني، و هو أحسن حالا من الشكل الأول بحيث يركز هذا التوجه على تحسين صورة الشركة و علامتها التجارية، و لكن يتم ذلك بشكل داخلي في شكل استثمارات مسئولة اجتماعيا، المسؤولية تترجم من خلال الاستثمار أو الإنفاق على مشروعات معينة تكون معلنة،
هذه النشاطات تكون مرتبطة بشكل ضعيف مع الإستراتيجية الكلية للشركة، و غالبا ما تركز على مهام عرضية و هامشية، قد تحسن هذه النشاطات من الأداء الاجتماعي و لكنها لا ترتبط بالمحاور الإستراتيجية للشركة و لا توجهها نحو تطوير الأداء الاجتماعي، هذه المبادرات هي جزء من سياسة التحفيز الداخلي للأجراء و أداة لتحقيق التواصل الداخلي الموجه لأصحاب المصالح أكثر منها أداة لتحسن الأداء الاجتماعي و غرس ثقافة المسؤولية الاجتماعية في الشركة.
أما الشكل الثالث فهو يمثل الدمج الكامل للمسؤولية الاجتماعية في هيكل و بنية الشركة و تنظيمها الداخلي، لدرجة تصبح معها برامج المسؤولية الاجتماعية جزء لا يتجزأ من السياسة العامة للشركة.
يتجسد هذا الشكل من خلال إعداد التوجهات العامة لبرامج المسؤولية الاجتماعية للشركة كمحور من المحاور الأساسية للرؤية الإستراتيجية للشركة، بحيث لا تقتصر الأهداف الإستراتيجية لمنظمة الأعمال على الأهداف ذات الطبيعة المالية فقط إنما تحدد أهدافا أخرى اجتماعية بعيدة الأمد، تتوافق هذا الأخيرة مع الرؤية و الرسالة الإستراتيجية للمنظمة و تدعمها.
و هكذا تتناسق التوجهات الثلاثة: الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية لتشكل القاعدة الأساسية التي تنطلق منها أهداف الشركة من غير تعارض أو تغليب هدف على حساب باقي الأهداف، و تبنى على أساسها الثقافة التنظيمية التي تقوم على الخدمة المجتمعية كخيار استراتيجي للشركة و ليس كخيار عرضي هامشي.
و إعطاء برامج المسؤولية الاجتماعية توجها استراتيجيا يترتب عليه عدة أمور من أهمها: أن هذا التوجه العام يجب أن يترجم إلى أهداف إستراتيجية و أن تخصص له الميزانية الكافية لتحقيقه، و كذا الموارد البشرية و المادية و المالية لانجاز الخطوات التنفيذية التي يتم تحديدها بناء على ما يحتاجه كل برنامج من برامج المسؤولية الاجتماعية، كما يجب ضمان سير هذه البرامج و متابعتها بشكل مستمر من خلال فريق عمل مكلف بالمسؤولية الاجتماعية، ليتم في النهاية تقييم هذه البرامج و معرفة درجة تحقيق الأغراض التي من أجلها نفذت هذه البرامج.
قد يبدو الشكل الأخير ملائم للشركات الكبيرة و الشركات الدولية، كما أن تبنيه يحتاج إلى جرأة إدارية و ثقافة تنظيمية عالية و قيادة إدارية مدركة لأهمية الإدارة الإستراتيجية لبرامج المسؤولية الاجتماعية، و لكن هذا لا يمنع من أن تمارس الشركات الصغيرة و المتوسطة جدية أكبر في التعامل مع برامج المسؤولية الاجتماعية، و أن تعتبرها جزءا أساسيا من رسالتها و أهدافها الإستراتيجية و أن تربطها بباقي الأهداف الأخرى و تحرص على تنفيذها و متابعتها و تقييمها بشكل مستمر.

المصدر

http://www.iefpedia.com/vb/showthread.php?t=314