مقال: الاستخلاف بين مقتضيات المفهوم وضرورات التطبيق – هايل طشطوش

الاستخلاف بين مقتضيات المفهوم وضرورات التطبيق

بقلم : هايل عبد المولى طشطوش

الاستخلاف مفهوم قرآني أراد منه الشارع الحكيم غاية عظيمة ألا وهي خلافة الإنسان له في هذا الكون وتكليفه بعمارته مستغلا خيرات وثروات هذا الكون بكل ما فيه ، حيث يصور القران الكون بأنه مملكه ملكها الله تعالى والإنسان نائب ووكيل عنه فى الأرض وقد جاءت هذه الإنابة والخلافة تكريما واختبارا للإنسان ، قال تعالى ﴿وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم﴾ ، وكذلك قال(ص) ” إن الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون” ،  وللاستخلاف أشكال عديدة وابرز أشكال الاستخلاف هو  الاستخلاف الاقتصادي :ومضمونه إسناد ملكية المال( اى حق التصرف المطلق في المال) لله تعالى وحده ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ  ﴾ (النور: 33.

وهناك استخلاف للجماعة كما هو استخلاف للفرد ، واستخلاف الجماعة في إظهار ملكيته تعالى بإسناد الانتفاع بالمال على الوجه الذي حدده مالك المال إليها ﴿وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ (الحديد: 7)، أما الفرد  فهو نائب ووكيل عنها في الانتفاع بالمال على الوجه الذي لا يتناقض مع مصلحتها  أي مع الوظيفة الاجتماعية للملكية.

       وبما أن الاستخلاف مجرد نيابة عن المالك للتصرف في ملكه، فإن من حق المالك المستخلِف أن يبدل المستخلَفين إذا ما أخلوا بشروط الاستخلاف: وهذا ما أكدته الآيات الكريمة في قوله تعالى : (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ اَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سورة هود/الآية 56 ، وقوله تعالى :”  وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخرين) [ سورة الانعام/الآية: 134. لذا فهو استخلاف مؤقت تتعاقب عليه الأجيال على مر الأزمان وفق سنن إلهية محكمة وقواعد ربانية منضبطة في مقدمتها استيفاء شرط الإيمان والعمل الصالح: ” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ)، ومن العمل الصالح: الإنفاق والبذل مما استخلف فيه: (ءامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) سورة الحديد/الآية: 7.

من خلال هذه الشروط نتبين أن استخلاف الإنسان في الأرض لم يكن مطلقا، وحقيقة الاستخلاف كما أراده الله -عز وجل- (المستخلِف) هي أنه استخلاف بقصد إصلاح الأرض وعمارتها، لا بقصد إفسادها وخرابها، ولذلك شاءت الأقدار الإلهية أن من أفسد في ما استخلف فيه، أتى الله بمن يستخلفه ويصلح ما أفسده.قال تعالى : ” وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ” .

     لذا فما بين توضيح مقتضيات المفهوم والتي تشير إلى انه تكليف وتفويض وبين ضرورات التطبيق والالتزام بما أمر الله به من إصلاح للكون واعمار للأرض من خلال استغلال ثرواتها وخيراتها مع تذليل الكون ونواميسه للإنسان ليستطيع إنجاز هذه المهمة ، من خلال ذلك كله يبدو أن وظيفة الإنسان في هذه الأرض واضحة لا لبس فيها وهي عبادة الله وعمارة الأرض والقيام بوظيفة الخلافة خير القيام وعكس ذلك يقتضي وقوع الإنسان في عذاب الله ووعيده . وقد ذكر القرآن الكريم هذا المعنى، بقوله تعالى :” وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [سورة الأنبياء/الآية: 104]  فبمقتضى هذا القانون فان الله سبحانه يورث الأرض للقوم الصالحين ويحرم منها القوم المفسدين، وتلك سنة كونية ربانية لا تتبدل ولا تتغير ” ولن تجد لسنه الله تبديلا”.