مقال : حل الأزمة المالية بالاقتراض الإسلامي – أ. زيد عيادات

 

حل الأزمة المالية بالاقتراض الإسلامي

بقلم : أ. زيد عيادات

بعد الأزمة المالية العالمية أفاق العالم على واقع وأهمية معاملات التمويل الإسلامي، وبدأ نشاطا محموما نحوها، خاصة أنها لم تتأثر مباشرة بما حدث، عدا كونها مضمونة النتائج وإن كانت غير عاجلة، ولهذا كان عليها طلب عالمي، طلب ناجم عن قناعة بأهمية دورها الاقتصادي المتوازن، وطلب ناجم عن حاجة لسداد كثير من الديون ولتحريك الاقتصادات، والأردن من الدول المبكرة في التشريعات المالية الإسلامية، لكنها لم تتوسع كثيرا واقتصرت على بعض البنوك والمؤسسات، برغم وجود البيئة التشريعية، والموارد البشرية اللازمة المؤهلة والمدربة في مختلف القطاعات المالية، واحتياجاتها.

هذه الأزمة المالية التي بدأت في الولايات الأمريكية المتحدة نتيجة ارتفاع مغال في أسعار العقار بما لا يناسب مع العرض والطلب الحقيقي، ونتيجة لسهولة الحصول على القروض وعجز المقترضين عن سداد هذه الديون، أديا إلى تفاقم المشكلة، مع عجز الشركات عن تسويق وإعادة بيع هذه العقارات بسبب ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وبالتالي بدأ ما يعرف بالأموال الرخيصة وهي (انخفاض سعر الفائدة حتى يصل إلى1%)، مما رفع الطلب على القروض وخاصة القروض العقارية، فنتج عنه ارتفاع سعر العقار.

هذه قراءة أولية لتداعيات الأزمة المالية وإشارة إلى نشوئها وكيفية تفشيها في العالم.

ومن خلال استعراض الأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الأزمة نجد أن هناك من يرون عدم الخوف والغلو في التخوف من آثار الأزمة في الاقتصاد الأردني، وهم يعللون ذلك بأن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام لم تتأثر تأثيرا كبيرا ًبالأزمة المالية لمحدودية انفتاح هذه الدول على السوق الأمريكية، وأن الدول العربية في مجملها مصدرة لرأس المال ولا يوجد لها شراكات مع أمريكا.

والبعض الآخر يرى عكس ذلك، فهو يصر على التعامل مع الأزمة بشكل جدي وضرورة معالجة الأزمة من ثلاثة اتجاهات: الحماية الاقتصادية، والتشدد في الرقابة، والتحول إلى مجتمع المعرفة.. إذ نادى الخبير في الشؤون الاقتصادية طلال أبو غزالة إلى تشكيل فريق حكومي مشترك مع القطاع الخاص لرفع حلول الأزمة على مدى عشر سنوات، وأن تنبثق عنها لجان قطاعية تنسق ضمن مجلس لوضع خطة حماية اقتصادية.

وعند الحديث عن كيفية تصدي الحكومة الأردنية لهذه الأزمة ومدى تأثيرها في الاقتصاد الأردني وآلية معالجتها ضمن المعايير العامة للموازنة الأردنية، نرى أن الحكومة بادرت إلى وضع حلول آنية وأخرى مستقبلية تتناسب وهذا الوضع الراهن، وأنها بدأت في التفكير جديا في الخيار الإسلامي والتوجه نحو إدارة الأزمة من خلال المشاركة الفاعلة مع هذا القطاع الذي بدأ يطرح نفسه بديلا وحلا للأزمة المالية العالمية في كل دول العالم، لما تتمتع به هذه المصارف الإسلامية من سياسات وحلول بديلة في عمليات التمويل والتحويل من شروط وأصول إسلامية ثابتة، تحرِّم كثيرا من التعاملات التي قد تؤدي إلى انهيار اقتصادي ـ كما حدث بالفعل.

ولهذا شهد القطاع الاقتصادي الأردني جملة من السياسات الحكومية المستحدثة لتعزيز دور القطاع المصرفي الإسلامي واستخدام أدواته في عملية التنمية الاقتصادية في الأردن. وقد توجهت بعض المؤسسات إلى تشكيل مجموعة من اللجان الاقتصادية والقانونية لبحث سبل تهيئة البيئة التشريعية المناسبة لتمكين الوسائل الاقتصادية الإسلامية لتأخذ دورها بعد النجاحات التي أثبتتها المصارف الإسلامية وقدرتها على استقطاب عديد من رؤوس الأموال الاستثمارية وتقديم حلول عملية وطويلة المدى للمشكلات الاقتصادية.. لذا علت أصوات أكثر الخبراء في القطاع المصرفي والاقتصادي بضرورة الإسراع بالتوجه والتعامل مع المصارف الإسلامية كخيار أكفأ وأصلح لتفادي عجز الموازنة، حيث أشار الخبراء إلى أن اعتماد الحكومة على الاقتراض من المصارف التجارية التقليدية يعمل على إثقال كاهل الحكومة وأن الفوائد المترتبة على تلك القروض جراء التأخر في السداد يعمل على رفع مستوى الدين العام مما يخلق ميزانية مثقلة بالعجز الاقتصادي الذي يجعل الحكومة غير قادرة على تحمله.

لقد تنبهت الحكومة الأردنية لهذه المخاطر وأمعنت بالنظر في تلك الحلول، وبالفعل لجأت الحكومة الأردنية إلى الاقتراض الإسلامي كخطوة حكيمة وفريدة من نوعها في العالم، وهذا مما أثار تباين الآراء الاقتصادية حول هذه الخطوة من كثير من المراقبين والمحللين بين مؤيد ومعارض لتوجه الحكومة نحو الاقتراض من المصارف الإسلامية.

وفي هذا السباق أشار المحلل الاقتصادي الأردني محمد البشير إلى أن الحكومة لديها عديد من المشاريع التي تحتاج إلى سيولة نقدية، الأمر الذي دفعها في ظل تراكم عجز الموازنة إلى الاقتراض من المصارف الإسلامية التي تتبنى أدوات ووسائل شرعية لا تحمل الحكومة عبئا جديدا، فالمصارف الإسلامية لا تعتمد على أي فوائد عند العجز عن التسديد، كما أن القروض المتأخرة لا تتحول إلى سندات أو توريق، ولا تباع أو تتحول إلى صكوك، إضافة إلى عدم إخضاعها إلى إعادة جدولة.

ولهذا يرى البشير أن الحكومة أصابت بخطوة الاقتراض من المصارف الإسلامية لما فيه من إيجابيات ووسائل مختلفة عن تلك التعاملات المصرفية التقليدية.

غير أن البعض يرى أن أساليب الاقتراض في المصارف الإسلامية لا تختلف بشكل جوهري عن تلك التي تطبقها المصارف التجارية التقليدية.. حيث يرى الخبير الاقتصادي غسان معمر أن القرض في المصارف الإسلامية يعتمد على قيمة مضافة على عملية المضاربة بعكس البنوك التجارية التي تعتمد على تحقيق قيمة مضافة على القرض.

ويشير معمر إلى أن لجوء الحكومة الأردنية إلى الاقتراض من المصارف الإسلامية ليس بفعل الفائدة التي تتحقق عند الإخفاق في سداد الدين بل مرده إلى قدرة المصارف التجارية على التمويل والإقراض، ويضيف الخبير أن المصارف الإسلامية تعاملت بالطريقة نفسها التي تعاملت بها المصارف التجارية التقليدية في الأزمة المالية وهي المضاربات برأس المال، فالاختلاف بين المنهجين يعزى إلى اختلاف السياسة الاقتصادية والشروط التي يعتمدها المصرف في التحكم في طريقة الاقتراض.

وفي حقيقة الأمر فإن المصارف الإسلامية تتعامل بما يسمى الصكوك الإسلامية وربما هي من أكثر ما يميز عمل المصارف الإسلامية، حيث إن هذه الصكوك تعد أداة استثمارية تكون على شكل وثيقة بقيمة مالية متساوية تمثل ملكية شائعة في رأس المال أو ديون أو أعيان تصدرها المؤسسة بأسماء من يكتتبون فيها مقابل دفع القيمة المحررة بها.

وتستثمر حصيلة البيع إما بنفسها وإما بدفعها إلى الغير للاستثمار نيابة عنها وتعمل على ضمان تداوله. وهناك أربعة عشر نوعا مختلفا من الصكوك كما بينت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومن أكثر أنواع الصكوك شيوعا (صكوك الإجارة) التي تقوم على معاملات تأجير إسلامية. ومن الممكن القول إن الصكوك الإسلامية تمثل بديلا للسندات التقليدية ليستفاد منها في تمويل الاستثمارات بصيغة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية مع قابليتها للتداول. وتعتبر الصكوك واحدة من أهم الأدوات المصرفية التي أثبتت نجاحها بعد فشل السندات التي تمثل النظام المصرفي التقليدي نتيجة للعيوب الكثيرة التي تكشفت وكانت سبب تفجر الأزمة المالية.

وعليه فإنه من الممكن القول إن المصارف الإسلامية في الأردن توفر أداة نقدية جديدة تحفز للإقبال على أدوات الحكومة النقدية، التي تقتصر لغاية الآن على السندات وأذونات الخزانة، وهذا حسب ما صرح به مساعد أمين عام وزارة المالية عيسى صالح بالقول إن الفائدة من توافر هذه الصكوك هو كونها أداة شرعية تشجع فئات محددة على اللجوء إلى التعامل مع هذه الصكوك، وكانوا قد رفضوا التعامل التقليدي للصكوك التجارية، مما يعني الزيادة في الإقبال والتعامل مع المصارف الإسلامية.

ومع كل هذا الوعي وهذا التوجه نحو تشجيع التعامل مع المصارف الإسلامية إلا أن هناك عديدا من المعيقات التشريعية والقانونية التي تحول دون المضي في إصدار الصكوك الإسلامية كأداة مالية جديدة يتم تداولها في المملكة الأردنية، حيث أبعدت هذه المعيقات دخول المصارف الإسلامية في عمليات تمويلية مع الحكومة، الأمر الذي يستوجب قيام الحكومة الأردنية بإقرار تشريعات جديدة تذلل العقبات الإدارية والقانونية لتهيئة بيئة اقتصادية محفزة للاستثمار والنمو وتسهل عملية إصدار الصكوك. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية التي شهدها القطاع المصرفي الإسلامي في الأردن إلا أنه ما زال بحاجة إلى عديد من التشريعات التي تعزز قدرة وقوة المصارف الإسلامية التعاملية كي تتمكن من الاندماج بشكل أكبر في السوق المصرفية وبالتالي إنشاء مصارف إسلامية ذات رؤوس أموال ضخمة تستطيع منافسة المصارف التقليدية وتساهم في توفير التمويل اللازم لإحداث نقلة نوعية في اقتصاد دول المنطقة ومن ثم تصبح أمرا قائما وحلا ناجعا للمشكلات الاقتصادية المتجددة وليس حلا مؤقتا.