مقال: الضوابط العقدية والأخلاقية للاقتصاد الإسلامي والحيلولة دون الأزمات

الضوابط الضوابط العقدية والأخلاقية للاقتصاد الإسلامي والحيلولة دون الأزمات

هايل عبد المولى طشطوش

      إن النجاح الباهر الذي حققته وتحققه المصرفية الإسلامية لدرجة الانطلاق نحو العالمية لم يكن نتيجة جهود مالية تقليدية تعمل وفق المعايير والمواصفات المالية العالمية فحسب بل تقف وراء هذه النجاحات ضوابط وقيود عقدية وأخلاقية ساهمت بدفع النظام المالي والاقتصادي الإسلامي إلى الأمام وبقوة ، ولست هنا آتي بجديد فقد كتب الباحثون وتحدث المصرفيون الإسلاميون والفقهاء والعلماء الأجلاء في هذا كثيرا ولكن لغايات الترسيخ نبين هذه الضوابط ليعلم الغرب المادي الرأسمالي انه ليست أدواته المالية فقط هي التي ساهمت بتبوء المصرفية الإسلامية مكانه هامة في النظام الاقتصادي والمالي العالمي لدرجة أنها أصبحت تنافس النظم المالية التقليدية العاملة وفق المبادئ الرأسمالية والسبب بسيط إنها من صنع الله الذي أتقن كل شيء ولا بد في النهاية أن يسود شرع الله القويم وفق طريق الله المستقيم .

أما المنطلقات الاقتصادية الإسلامية فهي تتمثل بما يلي :

1.  إن الربح ليس الهدف الأول من العمل المالي الإسلامي لان الربح في الإسلام ليس مباح بكل الطرق وبكل الوسائل لان الربح الذي يرضاه الإسلام هو الربح الحلال وان كان قليلا ، كذلك إذا تسبب هذا الربح بالإضرار بالآخرين فالإسلام يرفضه ، وهذا ينسجم مع ما ينادي به الغرب من حقوق للإنسان حيث ” تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين ” فلا حق لك بالانتفاع بما يضر الآخرين .

2.  بناء على القاعدة الأولى فقد حرم الإسلام الربا الذي هو أساس البلاء وبيت الداء لأنه الطريق غير المشروع لجني الأرباح بشكل سريع ، ولكن آثاره الضارة وعواقبه الوخيمة على المجتمع والفرد تكاد تعجز الأقلام عن وصفها وتبيانها .

3.  ينبثق من القاعدة الأولى أيضا عدم الدخول في مقامرات وهمية ومغامرات مالية خداعه مبنية على بيع الدين بالدين وبيع ما لا يملك الإنسان وما ليس بحوزته لان فيها إضرار بالاقتصاد كما هو إضرار بالأفراد ولك إن شئت أن ترى كم تسببت المقامرات والعقود الوهمية وبيع الديون بخراب اقتصاديات وتدمير مؤسسات مالية ونسف بيوت وتحطيم عائلات من جذورها .

4.  حث الإسلام على التكافل والتعاون والتآزر بين المسلمين ولعل القرض الحسن من أفضل صور التكافل والتعاون المالي بين المسلمين وما يحتاجه القرض الحسن في البلاد الإسلامي هو عملية المأسسه وبناء منظومة تشريعية وضوابط تحكم عمل الجهات والمؤسسات التي تقدمة .وخاصة إذا ما علمنا أن حياة الناس الاقتصادية في معظم أرجاء المعمورة تقوم على ثقافة الاقتراض ولعل هذه الثقافة عندما انحرفت عن مسارها الصحيح كانت سبب مباشرا في الأزمات الاقتصادية العالمية ، والتي من أبرزها الأزمة المالية العالمية الحالية حيث نرى انهيار البنوك العالمية الكبرى واحدا تلوى الآخر يوما بعد يوم .

5.  لم يرفض الإسلام تدخل الدولة في الاقتصاد بل طالب به وحث علية في مواضع وترك الحرية للأفراد يبيعون ويشترون في أسواقهم كما يشاءون في مواضع أخرى ومن ابرز الحريات التي منحها الإسلام للسوق هي حرية التسعير – إلا في حالات معينه- وكذلك وضع نظام مراقبة الأسواق من خلال نظام الحسبة والأخذ على يد التجار الظلمة والمرابين ووضع لهم العقوبات الرادعة التي تمنع تلاعبهم بقوت الأمة ، ناهيك عن حق الدولة في التدخل لمنع الاتجار بكل ما فيه ضرر على صحة ومصلحة الأمة من المحرمات والمنكرات كل ذلك لإدراك الإسلام لدور السلطان وقدرته على ضبط الأمور لان قاعدته هي :” إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقران ”  فالسلطان يمنع الاحتكار والربا والغش والتلاعب بالأسعار وضبط العرض والطلب ، وقد شاهدنا وسمعنا اصواتا كثيرة في الغرب والشرق بدأت تنادي بضرورة تدخل الدولة لضبط النشاط الاقتصادي ومراقبته بعد ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية وهذا ما قال به الإسلام قبل أربعة عشر قرنا ويزيد .

6.من الضوابط السلوكية الأخلاقية التي تحول دون ألازمات في اقتصاد إسلامي هو ضبط الإنفاق وعدم تهور المستهلك المسلم واندفاعه نحو السلعة ليشتريها سواء كان بحاجتها أم لا وهذا ما يقوم علية النمط الاقتصادي الرأسمالي وهو الاستهلاك والإنفاق والبذخ بسبب أو بغير سبب وعلى سبيل المثال، يقدر خبراء اقتصاديون أن ثلثي الاقتصاد الأمريكي مبني على الإنفاق ، فترشيد الاستهلاك هو جزء من ديننا وعقيدتنا وهذا ما بدأ يدعو إلية اقتصاديو الغرب وهو الإقتداء بالمسلمين- الملتزمين وليس المسرفين – في استهلاكهم فالإسراف والتبذير سوف يحاسب علية الإنسان حسابا عسيرا عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .فالإنسان المسلم يستهلك ليعيش ولا يعيش ليستهلك فهو مطالب بترتيب اولوياته فهناك الضروريات والحاجيات والتحسينيات فلا يقدم واحدة على أخرى بل يعيش وفق هذه المصفوفة الرائعة لأنه مسؤول عنها أمام الله عز وجل عن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه فهو يعيش لهدف سام ونبيل وهو عبادة الله وعمارة الكون .

 وإن مثل هذه الضوابط تضمن النجاح الاقتصادي والمالي للفرد المسلم كما تضمن حماية المؤسسات والدول  من الإفلاس والانهيار ، وبعد تجربة الأزمة المالية الراهنة أصبح العالم كله  ينادي بالالتزام بمثل هذه الضوابط الأخلاقية والعقدية الإسلامية والتي مصدرها الله الخالق المدبر المتصرف بشؤون الكون .