المسؤولية الاجتماعية – الأصل والمفهوم – عبد الغني بن حماد الأنصاري

المسؤولية الاجتماعية-الأصل والمفهوم

السبت,حزيران 07, 2008

تحدثت ذات نهار ، وقلت إن مشكلتنا الأساسية فيما نعاني من أزمات مختلفة ، تعود بالدرجة الأولى إلى تردي نظامنا التعليمي وخلل ما في التربية ، وقلت يومها إنه بحاجة ماسة إلى التغيير والتحديث ، وحتى لا نكرر ما قلناه ، سأدخل مباشرة في موضوع له صلة بالتعليم والتربية وإن كانت بطريقة غير مباشرة ، ألا وهو موضوع المسؤولية الاجتماعية ، هذا الموضوع الذي بدأ يأخذ حظه من اهتمام الكتاب ومساحات النشر ، وعلى الرغم من أن هذا الموضوع ليس جديداً  ، إن تعرفنا عن كثب لفحواهـ ، وما يترتب عليه من مردود اجتماعي وثقافي وبيئي ، إلا أنه أخذ طابع الجدة ، واللمعان ، كقطعة من الزجاج في رابعة النهار ، وهنا تحضرني مقولة لكاتب مرموق من كتابنا ، قال في معرض مقالة له عن المسؤولية ] نحن الآن بدأنا نستورد ما كنا صدرناه بالأمس [  أي أن تجربة المسؤولية الاجتماعية أو فكرة المسؤولية الاجتماعية مسألة قديمة في تراثنا وفي ديننا الإسلامي الحنيف ولكنا تخلينا عنها ونكصنا عن الالتزام بها ، وجاء الغرب ليعلمنا عبر الأمم المتحدة وقمة الأرض ودافواس ، لنعود إلى خلقنا وعاداتنا القديمة فيما سأشرح لاحقاً ، وكأنهم من ابتدعوا ذلك ، وهكذا فهمت من مقالة كاتبنا المرموق ، والحق أن تلك الكلمة استوقفتني طويلاً ، لأنها أكدت لي بما لا يدع مكاناً للشك ، ما كنت قد ذكرته في مقالتي تلك ، والتي أوضحت فيها ، كيف نقرأ نحن منجزات الغرب ونظرياته وابتكاراته ، فنحن على الدوام نجير الأفكار والنظريات التي تأتينا من الغرب على أننا مبدعوها وصانعوها وأننا واضعوا لبناتها الأولى ، وتلك قراءة مجحفة ، وتلقي يبخس جهود الآخرين ، وتأملاتهم في الفكر الإنساني الذي يتقدم بالتجريب والتراكمية حتى وإن كانت بداية الاكتشاف في أكثر الأماكن تخلفاً في العالم .

نحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن الغرب وعبقريته أو التقليل من إسهامنا في الحضارة ، وإنما أود أن أصوب قدر الإمكان قراءتنا للأشياء ، وأن نحسن ملكة التلقي ، لأننا إذا بقينا نتعاطى مع الأشياء ونقرأها بهكذا طريقة ، فإننا بذلك نقتل الحماس ونعطل عجلة ترجمتها إلى واقع معاش ، لأننا حكمنا لها بالعادية التي لا جديد فيها ، وبالتالي فعلام التحشد والتأهب لشيء نحن أصحابه ، فكرة وأصلاً وإن كانت الأفكار لا ديار لها ولا أجناس ، والفكرة  رديفة الحكمة وصنوها وهي ضالة المؤمن ، أينما وجدت فهي المخرج والمقتدى .

فالمسؤولية الاجتماعية التي نحن بصددها اليوم وقبل أن نتوغل طويلاً في تشريح القراءة والتلقي ، هي فكرة نادى بها أمين عام الأمم المتحدة في مؤتمر ديفوس في يناير 1999م ، فحواها أن تتبنى شركات القطاع الخاص والعام دوراً في المسؤولية  الاجتماعية وتوجيه قوى الأسواق من أجل دعم المثل العليا على هدى مبادئ ثلاث :-

–  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م .

–  إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل الصادر عن منظمة العمل الدولية في عام 1998م .

–  إعلان ريودي جانيرو حول البيئة الصادر عن مؤتمر قمة الأرض عام 1991م .

تلك المبادئ أو الصكوك الثلاثة كما سميت ، كلها تنادي بإعلاء القيمة الأخلاقية والإنسانية والبيئية لجعل الحياة أكثر إنسانية وأكثر سعادة ، وإذا تأملنا بدقة في هذه المبادئ الثلاث نجدها لا تخرج من تراثنا وديننا مثلما أوضح ذلك الكثير ممن تناولوا هذا الأمر ولكن الجديد فيه أنه جاءنا من الغرب وفي ثوب قشيب ومن منظمة نحن جزء من جوقتها وإن كان عزفنا نشازا وصوتنا مخنوقاً ، فنحن درجنا على تقديس كل ما يأتينا من الغرب حتى الذي يخرج من بيننا ويأتينا مرة أخرى من اتجاه الغرب نزيده في القدر قدراً ، ونتبنى أفكاره ، ذات الأفكار التي طالما طرحها لنا وهو قائم فينا قبل أن يأتي من جهة الغرب .

إن المسؤولية الاجتماعية معناها وببساطة شديدة أن نعود إلى مثلنا وديننا وأخلاقنا لنعطي الحياة معنى ولنساهم جميعاً في جعل البيئة نظيفة أليس الحديث النبوي الشريف الذي يحث على إماطة الأذى عن الطريق مدخلاً للمحافظة على البيئة ، تصوروا لو أن كل فرد منا تعامل بهذا المبدأ السلوكي والأخلاقي ، هل كنا سنحتاج إلى هذا القدر من العمالة في الطرقات والمنازل ، إن إماطة الأذى عن الطريق والنظافة من الإيمان ، ومن كان له فضل زاد أو فضل ظهر جاد به لمن لا يملك ، وأن تعمل خير من أن تسأل الناس ، أليست كل تلك الإضاءات من صميم شعائرنا الدينية .

إذاً الجديد الذي نأمله وحسناً أننا امتثلنا لتوجيهات الأمم المتحدة بهذا الشأن أن نلبس هذا التوجه ثوبنا الإسلامي ونعطيه هويتنا ونتكاتف أفراداً ومؤسسات وشركات لنساهم في التنمية بوعي ، كلٌ في مضمار نشاطه وأن تكون البداية بمن حولنا وأن نوجه طاقاتنا المالية والفكرية والثقافية لنقضي على مظاهر البطالة بخلق فرص العمل ونخدم البيئة ما استطعنا بإنشاء الحدائق أو أضعف الإيمان نظافتها وتقديم الإرشادات لزائريها ، وأهم من كل ذلك أن نسعى لتقديم برامج متقدمة للجمعيات الخيرية بحيث لا تكون عطائها للفقراء كساء وأكلا وإنما تخصيص أموال لتأهيل هؤلاء وإخراجهم من دائرة الفقر ، وأعتقد أن إنشاء شركات على غرار الموظف الشريك هذه الفكرة التي ابتدعتها غرفة المدينة المنورة هو السبيل المناسب لمعالجة الفقر .

إن الاهتمام الكبير بالمسؤولية الاجتماعية ومحاولة استقطاب الشركات ورجال المال والأعمال والمجتمع ككل حولها ، ومثله مثل كل الأفكار التي تأتينا من الغرب وإن كانت موجودة لدينا في تراثنا وديننا ، هذا الاهتمام وهذه الحماسة ، دفعتني لأقترح لكم إنشاء مركز يهتم بتصدير كل الأفكار النيرة لدينا والعادات الجميلة إلى الغرب ، على أن تعاد إلينا بضاعة جاذبة لوناً وطعماً ورائحة  حتى نتحمس لها ونستسيغها وأنا أول الداعمين

عبد الغني بن حماد الأنصاري

المصدر

http://s-responsibility.com/ar/content/index.php?subject_id=122