المسؤولية الاجتماعية في السنة النبوية للكاتب علي غي (السنغال)

المسؤولية الاجتماعية في السنة النبوية للكاتب علي غي (السنغال)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

إن تنمية المسؤولية الاجتماعية هي تنمية للجانب الخلقي الاجتماعي في شخصية المسلم، لا تنفصل عنه بل تتكامل معه، كما أنّ تنمية هذا الجانب الخلقي الاجتماعي ليس منفصلا عن تنمية الشّخصية المسلمة كلها بل تتكامل معه.

أي أن تنمية المسؤولية الاجتماعية جزء من التربية العامة للشخصية المسلمة، وتربيتها من جوانبها كافة: انفعالية، ومعرفية، وذوقية، واجتماعية.([1])

و إنّ تربية الإحساس والشعور بالمسؤولية من الأمور التي بنت التربية الإسلامية ركائزها عليها، وذلك لما للإحساس بالمسؤولية وغرسها في النفوس وممارستها في الواقع من أثر كبير في تربية الأفراد والمجتمعات.([2])

والمسؤولية معناها: تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته واختياراته العملية من الناحية الإيجابية والسلبية أمام الله في الدرجة الأولى، وأمام ضميره في الدرجة الثانية، وأمام المجتمع في الدرجة الثالثة.([3])

والمسؤولية لها مستويات ثلاثة مترابطة متكاملة، وهي:

المسؤولية الفردية الذاتية. وهي مسؤولية الفرد عن نفسه وعن عمله، وهذا المستوى أساسي يسبق المسؤولية الاجتماعية.

المسؤولية الجماعية: وهي مسؤولية الجماعة جماعيا، وبكاملها وككل من أعضائها وعن سلوكها، وهذا المستوى يدعم المسؤولية الاجتماعية، ويعززها.

المسئولية الاجتماعية: وهي تعني: المسؤولية الفردية عن الجماعة، هي مسؤولية الفرد أمام ذاته عن الجماعة التي ينتمي إليها.([4])

والشعور بالمسؤولية له أهمية كبيرة للفرد والمجتمع، “وكلما عظم الشعور بالمسؤولية لدى الأفراد، وعظم إدراكها في النفس، صلح أمر الفرد، وصلح المجتمع بصلاحه؛ ولذلك كان رقي الأمم مرتبطا بدقة هذا الشعور، وسمو الإدراك به عند أبنائها، ولاسيما عند الذين يتصدرون مراكز التوجيه، ويملكون أزِمّة الحكم، ويتولون مقاليد الأمور”،([5])

وأهم أركان المسؤولية الاجتماعية، هي مسؤولية الرعاية وهي نابعة من الاهتمام بالجماعة المسلمة، ومسؤولية الرعاية في السنة النبوية موزعة في الجماعة كلّها بلا استثناء، كلّ من في الجماعة راع، وكلّ من فيها مسؤول عن رعيته، لكل عضو في الجماعة نصيبه من مسؤولية الرعاية، في كلّ عمل يعمله وفي كل منشط من مناشط الحياة يؤدّي دوراً أو يحمل فيه تبعة.

والأصل في الرعاية الاجتماعية ما روي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته, فالأميرُ الذي على الناس راع ، وهو مسئول عن رعيته, والرجل راع على أهل بيته, وهو مسؤول عن رعيته. وعبد الرجل راع على مال سيده, وهو مسؤول عنه. ألا كلكم راع وكُلُّكم مسؤول عن رعيته))([6])

وعنه – أيضا – , أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّكُم راعٍ وكُلُّكم مسؤول عن رعيَّته, الإمام رَاعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيّته, والرَّجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها, والخادمُ في مال سيِّده)) سمعتُ هؤلاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأحسبُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والرجل في مال أبيه)).([7])

قال ابن بطال: “الراعي: هو الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه”.([8])

وهذا الحديث النبوي جاء ليبين المنهج التربوي للمسؤولية عن كلّ فرد مهما كان دوره بسيطا، ومهما كان حجم هذه المسؤولية، فوضح الحديث أنّ كلّ إنسان راع في ما استرعى عليه، ومسؤول عما تحت يده من شؤون رعيته، وبذلك نصل إلى أصل من أصول التربية الإسلامية يتمثل في أنّ حياة المسلم قائمة على الشعور بالمسؤولية، ومن ثم أداء الحقوق والقيام بالواجبات، والحديث مليء بدروس تربوية في ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، ومن هذه الدروس التربوية النبوية في هذا الحديث:([9])

1- أنه ليس هناك إنسان مسلم بالغ عاقل راشد إلا وهو مسؤول عن أمر من الأمور يديره ويتولاه، ولا بدّ له من رعية يرعاها ويُسأل عنها في الدنيا والآخرة. وهنا درس تربوي نبوي يربي المسلم على الشعور بالمسؤولية وعلى الاهتمام بشؤون من هم تحت مسؤوليته، وضرورة القيام بواجباتهم وحقوقهم، وفي ذلك تقرير للمسؤولية وتربية على الاهتمام بالأمور الشخصية والجماعية وحقوقهم.

2- أنّ كلّ مسلم راع ومسؤول مهما صغر شأنه أو قلّت مسؤوليته، فإنّ من لم تكن له رعية يرعاها ويهتم بها كان راعيا على نفسه وأعضائه وجوارحه وقواه وحواسه وكل ما وهبه الله، فلا يظنن أحد من الناس أنه خال من المسؤولية أو خارج عن نطاقها. وهنا درس نبوي يربي المسلم على ما يسمى بالرقابة الذاتية التي تجعل من الإنسان المسلم رقيبا على نفسه في جميع حركاته وسكناته، وأفعاله وأقواله، فإذا كان ذلك كذلك تحققت التربية الإسلامية المثالية التي تدعو إلى القول الجميل والفعل الحسن، والأداء المتقن، وكان المسلم بذلك أرعى النّاس على ما يؤتمن عليه ويناط به من مهام ومسؤوليات.

3- أن الإمام مسؤول اجتماعيا عن كل من تحت إمرته، ولذلك فعليه مسؤولية الاهتمام بهم ورعاية مصالحهم، والدفاع عن حقوقهم، والحفاظ على أمنهم بما شرعه الله من ضوابط لحماية المجتمع، كتطبيق الشريعة، وإقامة الحدود واتخاذ التدابير اللازمة لتوفير الأمن والأمان في المجتمع المسلم.

4- أنّ الرجل وهو ربّ الأسرة وراعيها مسؤول عن أفراد أسرته ومن تحت ولايته، فعليه أن يحسن رعايتهم، وأن يهتم بشؤونهم وتربيتهم التربية الصالحة، وعليه النفقة عليهم والحرص على تعليمهم وتأديبهم وتوفير ما يحتاجون إليه من مسكن ومطعم ومشرب وملبس، وأن يعدل بينهم في المعاملة وأن يتقي الله في كلّ شأنهم فيكون عينا ساهرة تحرسهم من أيّ شيء قد يؤثر على دينهم أو دنياهم أو يفسد أخلاقهم.

5- إن للمرأة مسؤولية اجتماعية عظيمة تتمثل في رعاية الأسرة والحفاظ على بنائها وكيانها فهي مؤتمنة على تربية النشء وتوجيههم، والمحافظة على المال والممتلكات والعرض، وأن تؤدّي الحقوق الزوجية، وأن تكون عوناً له على أمر دينه ودنياه، وأن تحسن تدبير شؤون منزلها، ولذلك فإنّ مسؤوليتها عظيمة ومهمّتها جليلة فكان الواجب أن تتربّى على احترام هذه المسؤولية، وأن تعدّ لها إعداداً جيّداً.

6- أن الولد مسؤول عن أموال أبيه وأملاكه، ولذلك وجب عليه حفظها وتنميتها واستثمارها فيما أحلّ الله، وعدم صرف المال إلا فيما أمر الله به، وهذا درس نبوي يربّي الولد على حسن رعاية مال والده وعدم العبث به.

7- أن مسؤولية الرعاية قد تكون مسؤولية رعاية سياسية، ويمثلها الأمير الذي على النّاس، ومسؤولية رعاية اجتماعية، ويمثلها الرجل الذي يرعى أهل بيته، كما تمثّلها المرأة التي ترعي بيت زوجها وولده، كما قد تكون مسؤولية رعاية اقتصادية، ويمثلها العبد الذي يرعى مال سيده.([10])

8- أن السنّة النبوية وهي تنشئ الفرد على الأخلاق القويمة، وتغرس في نفسه الفضائل والصفات الحميدة، وتقوي فيه الوازع الديني، تحمّله المسؤولية تجاه ربّه تعالى، ونفسه وأهله وأقاربه، وجيرانه والنّاس أجمعين، وكلّ ما يشاركه الحياة في هذه الأرض من حيوان ونبات وجماد؛ لأن الله تعالى جعل الإنسان خليفته في الأرض، وحمله “أمانة” لم يحملها لغيره.([11])

أن ما ورد في الحديث من أمثلة لا يراد بها الحصر بطبيعة الحال، وإنّما هي إشارة إلى شمول مسؤولية الرعاية أنشطة المجتمع ومستوياته وأفراده، فإذا كانت مسؤولية الرعاية موزعة على كل عضو من الجماعة بحيث يكون كل من فيه راع ومسؤول عن رعيته، فإنّها شاملة لكل جوانب المجتمع بلا استثناء.


([1]) سيد أحمد عثمان، المسؤولية الاجتماعية والشخصية المسلمة، دراسة نفسية تربوية، ص: 62.

([2]) عباس محجوب، أصول الفكر التربوي في الإسلام، ص: 128.

([3]) مقداد يالجن، علم الأخلاق الإسلامية، ص :252.

([4]) سيد أحمد عثمان، المسؤولية الاجتماعية والشخصية المسلمة، دراسة نفسية تربوية، ص: 43.

([5]) أحمد محمد أحمد، من المسؤول عن تربية النشء، مجلة الوعي الإسلامي، العدد (168)، السنة الرابعة عشرة، ذو الحجة (1398هـ)، (ص: 103).

([6]) البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، رقم الحديث: (893)، ومسلم، الصحيح، كتاب الإمارة، باب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، رقم الحديث: (4724).

([7]) البخاري, الأدب المفرد, باب المرأة راعية, برقم: (214). ص: 82. وانظر الحديث السابق.

([8]) العيني، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري: 16/190.

([9]) صالح أبو عراد الشهري، دروس تربوية نبوية، ص: 79 – 84. وانظر للتوسع، عبد الله أحمد قادري، المسؤولية في الإسلام.

([10]) سيد أحمد عثمان، المسؤولية الاجتماعية دراسة نفسية اجتماعية، ص: 129 – 144.

([11]) عبد الحميد الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ص: 670.

المصدر :http://www.propheteducation.com/ar/content/index.php?subject_id=116