العمل الخيري وآثاره الاقتصادية من منظور اسلامي (1) – أنس سليمان اغبارية

العمل الخيري وآثاره الاقتصادية من منظور اسلامي (1)

بقلم : أنس سليمان أحمد اغبارية

إن المتتبع لأدبيات العمل الخيري محلياً وإقليمياً وعالمياً محاولاً قراءتها في ضوء التسارع والنمو الاقتصادي المهول في الاقتصادات العالمية الكبرى، يرى أن العمل الخيري المؤسسي بات يضطلع بدور رئيس في هذا المجال، إذ أصبح ركناً أساسياً في بناء المجتمع سواءً من الناحية الاجتماعية او الدينية أو الاقتصادية .

ولأن الإسلام – كدين- يُشجع على العمل الخيري على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة (المجتمع) فإنه حريّ بالباحثين أن يعملوا على بعث النظرية الإسلامية ومحاولة تثبيتها في هذا المضمار .

والعمل الخيري قطع شوطاً في الجانب العملي، لكنه يحتاج إلى القراءة المتأنية التي تجمع بين الإيحاء الشرعي والترشيد الاقتصادي، وعليه فقد رأيت أن افرد للعمل الخيري عدة مقالات، أرجو ان تكون لبنة في هذا البناء .

وسأتعرض من خلال سلسلة المقالات لدراسة الآثار الاقتصادية للعمل الخيري التي تسهم في تحقيق عدالة التوزيع بين الأفراد، مما يدفع جمعيات ومؤسسات العمل الخيري إلى توسيع دائرة أعمالها واستثماراتها. حيث أن الأعمال والأنشطة الخيرية لا تتمثل بتقديم المعونات للفقراء والمساكين فقط، بل انها تتسع لتشمل المساعدة في إيجاد البيئة الاقتصادية، والأرضية الاقتصادية الإيجابية الواضحة الأثر في المجتمع المسلم ، وعليه لا بد من مقدمات لهذا الموضوع حتى تكتمل الصورة عند القارئ العزيز .

أقول : تتميّز الشريعة الإسلامية بسبقها الحضاري للعمل الخيري، وتحقيق مصالح العباد والبلاد، بما ترسمه من توجيهات إلهية ، وإرشادات نبوية، تحث على فعل الخير، وتحض عليه، حيث وسّع الإسلام دائرة الأعمال والأنشطة الخيرية ليعُم النفع ويكثر الخير، فكل الأعمال التي تقدم نفعاً للإنسان أو الحيوان, انطلاقا من قيم التعاون والمساعدة والبِّر والتضحية ابتغاء مرضاة الله تعالى، هي من الأعمال الخيرية التي يُثاب فاعلها الثواب الجزيل، ويؤجر الأجر العظيم في الآخرة، إضافة إلى السعادة والراحة النفسية في الدنيا.

ماهو مفهوم العمل الخيري في الإسلام ؟

لم يرد مصطلح العمل الخيري بهذا التركيب في كتب الفقه ومصادر الدراسات الإسلامية التراثية ، وهذا لا يعني أن مدلول هذا المصطلح غير معروف، حيث وجد عندهم أن كل ما يحقق مصالح الناس ، ولا يخالف شرع الله فهو خير، فالقيام بالواجبات والسنن والمندوبات وحتى المباحات بنية الأجر ، والبُعد عن المحرمات كلها من الأعمال الخيرية ، التي تحقق المصلحة للفرد والجماعة ، وهناك من الألفاظ التي نسمعها في وقتنا الحاضر والتي لها صلة بالعمل الخيري كالعمل التطوعي والتبرع والبرِّ والإحسان.

وقد وضع عدد من الباحثين المعاصرين تعريفات لمفهوم العمل الخيري، منها :
ما قاله شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي بأنه :”النفع المادي أو المعنوي الذي يقدمه الإنسان لغيره دون أن يأخذ عليه مقابلا ً مادياً، ولكن ليحقق هدفا خاصاً له أكبر من المقابل المادي“.
كذلك عُرّف العمل الخيري بأنه العمل غير الربحي، الذي لا يقدم نظير أجر معلوم ، وهو عمل غير وظيفي ولا مهني يقوم به الأفراد من أجل تنمية مستوى معيشة الآخرين من جيرانهم، أو المجتمعات البشرية بصفة مطلقة.

وجاء في تعريف آخر أن العمل الخيري هو ما يقوم به شخص، أو جمعية،أو مؤسسة، أو منظمة من أعمال تحقق المنفعة الحقيقية لجهة ما، سواء كانت هذه الجهة منتفعة ومالكة لما عساه أن يصرف لها، أو لها حق الانتفاع فقط.

مما تقدم يتبين أن العمل الخيري في الإسلام هو تقديم النفع للمحتاجين إليه من الأفراد أو الجماعات، قولياً أو فعلياً ، جسدياً أو مادياً ، من غير طلب عوض ومن غير مخالفة للشرع.

إذن فمصطلح “العمل الخيري” يُستخدم للدلالة على العمل الذي يكون فيه النفع عائداً على البشرية، وله مرجعية في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وقد تستخدم مصطلحات أخرى أحياناً لتدلل على نفس المعنى مثل : العمل التنموي، والعمل الإغاثي، والقطاع الثالث (The Third Sector) ، والقطاع الخيري Philanthropic Sector))، والقطاع التطوعي Voluntary Sector) )، والقطاع المعفي من الضرائب (Tax Exempted Sector ) .

أما المؤسسات العاملة في العمل الخيري، فهي تحمل أسماء مختلفة مثل: جمعيات أو مؤسسات خيرية أو منظمات أهلية أو منظمات غير حكومية (NGO’s).

ولا بد من التمييز بين شكلين أساسيين للعمل الخيري:

أ‌) العمل الخيري الفردي: وهو عمل وسلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة صادقة منه، استناداً إلى ما يؤمن به من مبادئ واعتبارات إنسانية، أو دينية، أو أخلاقية.

ب‌) العمل الخيري المؤسسي: وهو الذي تقوم به المنظمات والمؤسسات بشكل منظم، لتقديم خدماتها الخيرية والتطوعية لخدمة الغير من فئات المجتمع، ويتسم بالاستمرارية والتنظيم الهيكلي، وهو أكثر تقدما من العمل الفردي، ويخضع للأنظمة واللوائح. وتتنوع هذه المؤسسات في أشكالها وأنواعها.

في الحلقة المقبلة من مقالنا سنكون مع الألفاظ ذات الصلة بالعمل الخيري ومشروعية هذا العمل وأهميته في الإسلام بإذن الله تعالى .

المصدر :

موقع فلسطينيو 48 

http://www.pls48.net/default.asp?ID=36385