مقال: المصرفية الإسلامية في مواجهة ابتكار الأدوات الجديدة – د. محمد بن سليمان الجاسر

تساهم المصرفية الإسلامية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال استثمارها المباشر في المجالات ذات العلاقة بالاقتصاد الحقيقي مثل إنتاج السلع والخدمات والتجارة، وأثبتت نجاحها في جذب المدخرات وتلبية احتياجات المتعاملين وتحقيق مصالحهم.

 وحققت المصرفية الإسلامية نجاحاً كبيراً في تطوير العمل المصرفي من خلال تطوير أدوات ومنتجات مبتكرة,وتبنت صيغاً تمويلية مناسبة مثل الإجارة والاستصناع والسلم, إضافة إلى عقود المضاربة والمشاركة والمرابحة.

وانتشرت الصكوك الإسلامية بأنواعها وبدأت بعض المصارف في ترتيب عمليات تمويل مجمعة بصيغ إسلامية, وأخرى تؤسس صناديق استثمارية متوافقة مع التشريع الإسلامي.

وتتسم أدوات المصرفية الإسلامية بأن لكل منها طبيعة تعاقدية وخصائص تختلف عن الأدوات الأخرى من حيث المخاطر والضمانات والتسعير.

ولم تقتصر خدمات المصرفية الإسلامية على ذلك, بل وسعت تعاملاتها لتشمل خدمات أخرى مثل تقديم التمويل المشترك, وإصدار التعهدات المصرفية وخطابات الضمان, وفتح الاعتمادات المستندية, وأصبحت المؤسسات والمصارف الإسلامية تقدم مجموعة متعددة من أساليب التمويل والتأمين للمشروعات وإدارة المحافظ المالية وتوريق الأصول.

وكان للمؤسسات والمصارف الإسلامية دور فاعل في دعم برامج الإصلاح الاقتصادي والخصخصة في الدول التي تعمل فيها بشراء حصص من الشركات المطروحة وتمويل بعض شركات القطاع الخاص مما ساعد في دعم البنية الأساسية وتمويل المساكن لذوي الدخل المتوسط والمحدود ودعم المشاريع الصغيرة والحرفية والمساهمة بشكل غير مباشر في توفير فرص عمل للمواطنين.

حتمت منجزات صناعة المصرفية الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية إنشاء مؤسسات داعمة لها مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ( AAOIFI ) ومجلس الخدمات المالية الإسلامية ( IFSB ). وتهدف هذه المؤسسات جميعها إلى توفير البيئة المناسبة للتعاون بين البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وإصدار المعايير المناسبة لتطوير العمل المصرفي الإسلامي وضمان سلامته.

ومن المناسب هنا الحديث بإيجاز عن المتطلبات اللازمة لاستدامة ( sustainability) واستقرار الصناعة المصرفية الإسلامية وضمان سلامتها، حيث يقوم مجلس الخدمات المالية الإسلامية ( IFSB ) بدور فاعل في الالتزام بالمتطلبات الإشرافية للاستدامة من خلال إصدار معايير الإشراف الرقابية للنظام المصرفي الإسلامي, القائمة على أفضل الممارسات الرقابية, المتفقة مع معايير “بازل 2″، وتركز على: كفاية رأس المال, وإدارة المخاطر, والرقابة الداخلية وضوابط إدارة المؤسسات, والشفافية, وانضباط السوق.

وحث مجلس الخدمات المالية الإسلامية على إتباع إجراءات لتقيم كفاية رأس مالها تتفق مع طبيعة مخاطرها وإتباع استراتيجيات للمحافظة على مستويات رؤوس أموالها, وأوجب على المشرفين مراجعة وتقييم إجراءات التقييم الداخلي لكفاية رأس مال تلك المؤسسات والتأكد من التزامها برأس المال اللازم واتخاذ إجراءات إشرافية في حالة التقصير.

كما حث المجلس الجهات الإشرافية لاتخاذ إجراءات احترازية لمنع انخفاض رأس المال إلى أقل من الحد الأدنى واشترط القيام بإجراءات تصحيحية سريعة في حال انخفاضه، وتعد اختبارات تحمل الضغط ( stress tests ) إحدى الإجراءات الاحترازية التي يحرص مجلس الخدمات المالية الإسلامية على إجراءها, بما في ذلك تقييم الخطوات الاحترازية والرقابية للتخفيف من المخاطر نوعاً و كماً, فضلاً عن تطبيق الشفافية والإفصاح المحاسبي عند إعداد التقرير المالية.

وفي مجال التنسيق بين الجهات الإشرافية الوطنية, يسعى مجلس الخدمات المالية الإسلامية لتعزيز العمل في مجال الإشراف الموحد والفاعل وضمان استقرار النظام المالي الإسلامي بالالتزام بأعلى معايير إدارة المخاطر والشفافية, وبنظم ندوات ومؤتمرات علمية للسلطات الرقابية والمهتمين بالصناعة كما يسعى جاهداً للعمل مع المؤسسات الدولية والإقليمية, ومراكز الأبحاث والمعاهد لتعليمية للنهوض  بهذه الصناعة الهامة.

ومن طبيعة الحال أن تواجه المصرفية الإسلامية تحديات عدة من أهمها إيجاد فرص جديدة ومتنوعة للنمو, وابتكار أدوات جديدة, وتعزيز مواردها البشرية في جميع المجالات ولاسيما في مجالات إدارة المخاطر والسيولة, وتحسين مستوى خدمات العملاء وتعزيز المهارات والخبرات في فهم أحكام الشريعة وتطبيقها في مجالات مصرفية وتمويلية جديدة .

ولعله من المناسب تكثيف المؤسسات والمصارف الإسلامية جهودها في مجال التدريب بهدف تطوير الموارد البشرية المطلوبة بطريقة علمية مدروسة, والعمل على أعداد الدراسات لتطوير الصناعة المصرفية الإسلامية على المدى الطويل.

ومن التحديات أيضاً استخدام معايير محاسبة ومراجعة موحدة لضمان استقرار النظام المصرفي الإسلامي, وتشجيع الاندماج بين الكيانات العاملة في مجال الصناعة المصرفية الإسلامية وبما يؤدي إلى ارتفاع معدلات كفاية رأس مالها وتمتعها بسيولة أكبر لتمويل استثمارها.

وبالإضافة إلى ما سبق فمن متطلبات استدامة الصناعة المصرفية الإسلامية تعزيز التوجه نحو فرص حوكمة الشركات وحسن إدارة المخاطر والشفافية والإفصاح.

المصدر: http://www.fiqhforum.com/articles.aspx?cid=2&acid=439&aid=16015