عرض مبسط لكتاب (العولمة تأثيرات وتحديات ) – المؤلف هايل عبد المولى طشطوش

عرض مبسط لكتاب (العولمة تأثيرات وتحديات ) – المؤلف هايل عبد المولى طشطوش

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله وبه نستعين والصلاة والسلام على رسوله الأمين الأمي الذي علم المتعلمين ، أسال الله أن ينفعنا بما علمنا وان يعلمنا ما ينفعنا ، آمين وبعد:

 أن مما لاشك فيه أن المتتبع لتاريخ البشرية يجد أن لكل مرحلة من مراحله وان لكل عصر من عصوره سمات وخصائص ومميزات تختلف تجعل كل فترة منة تختلف عما سبقها من الفترات فتطبع ذلك العصر وتلك الفترة بطابع مميز يسجله التاريخ ليكون شاهدا” فيما بعد على الأحداث التي أفرزتها تلك المرحلة والتي تميزت بتلك الخصائص والمميزات.

 وهذا هو حال البشرية التغير المستمر والتطور الدائم ، وهي سنة الله في الخلق ، فليس هناك ثبات واستقرار بل هو تغير وتطور مستمرين ، المتابع لحال البشرية يشاهد ذلك جليا”، حيث بداءت البشرية بالإنسان الأول الذي عاش في الكهوف واستخدم الحجارة كأدوات يقتات بها طعامه ويشعل بها النار ليطهو ما يصطاده من حيوانات الغابة لتكون طعاما مستساغ الطعم والمذاق .

 وتتابعت الأيام وطور الإنسان نفسه وادواتة فانتقل من المغاور والكهوف ألي بيوت الحجر والطين واخذ يعيش في جماعات إنسانية ومجتمعات مدنية أكثر تطورا وأكثر تحضرا ، إلى أن وصل إلى المجتمع السياسي المنظم الذي أقام في كنفة “دولة” مدنية متحضرة ونظاما سياسيا ينظم شؤون حياته ، ويطور من خلاله نظم حياته المعيشية الأخرى . ومع التطور والتقدم ظهرت الآلات والأدوات التي سهلت حياة الإنسان وجعلتها أكثر يسرا وسهولة ، إلى أن وصل إلى استخدام الكهرباء والوقود والآلات والمحركات فشاءت الحضارات المدنية الراقية التي جعلت من الثورة الصناعية أساسا تعتمد علية في صنع إمبراطورياتها الإنسانية الحديثة ، وازداد التطور والتقدم حتى شمل مجالات الحياة كلها ، إلى أن وصل الإنسان الى ما يعرف بالثورة التكنولوجية التي أحدثت في التاريخ الإنساني تغييرا وتطورا لم تشهد له البشرية مثيلا ، فصنع الحاسب الذي هو المحرك الأساسي والرئيسي لمعظم شؤون حياته وطور وسائل الاتصالات والمواصلات وصعد إلى الفضاء ليكتشف عالما مجهولا جديدا بعلمه وتقنيته ، كل ذلك سهل علية الحصول على ما يريد وهو جالس في مكانة أما من خلال هاتف متنقل أو من خلال محطة فضائية يسهل الوصول أليها حيث استطاع أن يطوف العالم بثوان معدودة أو بكبسة زر واحدة دون أن يتحمل أي عنا أو مشقة ، فتحول العالم إلى قرية صغيرة يسهل الطواف فيها التعرف على ما تحتويه بثوان قليلة

 وأصبح التغير السريع سمة من سمات الحداثة التي يحيا في ظلها الإنسان ، فأصبح كل شيء يتغير بسرعة بحيث يشمل هذا التغير مجالات الحياة كلها ، الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والحضارية والسياسية والدينية والعلمية ……الخ، تغيرا” لم يشهد مثله الإنسان من قبل ولكن كان على الإنسان أن يدفع ثمن هذا التغير الذي صنعته يداه حيث تغيرت الأهداف والأولويات وتغيرت المصالح والمنافع فتحول الإنسان إلى الاعتماد على الاقتصاد كدعامة رئيسية من دعامات استمرار حياته ودوام حضارته ، فأصبح الاقتصاد بكل ما يحويه من صناعة وتجارة وزراعة ورؤوس أموال وشركات كبرى وغيرها من المحتويات أصبح هو المحرك الرئيسي والأساسي في حياة الإنسان وبدونه لن تستطيع أي أمة أو حضارة أن تدوم أو تستمر أو تصمد في وجه تيارات التغيير والتطوير العاتية التي تجتاح كل شيء فلا تبقي ولا تذر .

 بداءت ملامح التغير في الأولويات والأهداف تبرز بعد أن اشرف العالم بنظامه الثنائي القطبية على الزوال وظهور ملامح تيار جديد يبشر بنظام عالمي جديد حيث اصبح يلوح في الأفق معلنا” أن حالة التوازن التي عاشها العالم في ظل الحرب الباردة إنها على وشك الزوال، والحرب الباردة التي عاشها العالم ليست بالقليلة فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 45 ألي أن جاء التغير الهام في بنية النظام العالمي الذي حول ة ألي نظام أحادي القطبية تتربع على عرشه دولة واحدة تنفرد بالقوة والنفوذ تعتلي هذا الهرم العالمي حيث انهر الاتحاد السوفيتي وتفكك في بدايات العقد الأخير من القرن العشرين معلنا عهدا جديدا يحمل سمات وخصائص ليست في ما سبقه من الأيام والعصور ، هذه الحرب التي حافظت على توازن القوى في العالم لعقود عدة حيث كان التنافس بين القطبين على أشده فالكل يعمل بالخفاء دون أن تكون لدية الجراءة أن يطلق العنان لصواريخه ورؤوسه النووية تجاه الطرف الأخر لان كلا منهم يدرك أنة لو قام بهذا العمل فقد وضع حدا لنهاية العالم ، لذا فا لتوازن المشوب بالذر الذي عاشته الإنسانية لفترة ليست بالقليلة حمى العالم من شرور الأقطاب وتسلطهم ، ألا أن نهاية هذا التوازن كانت بظهور النظام الواحد الأقوى الذي استطاع أن يفرض نفسه على العالم وان يسيطر بأفكاره وقوته وأسلحته ويمد أجنحته لتطال الشرق والغرب ، وهنا برزت على السطح مفاهيم لم تكن تأخذ هذا الحيز الذي أخذته ولم تكن تسيطر على وسائل الأعلام كما هو الحال ألان ، ومن أهم هذه المفاهيم هو مفهوم ” العولمة ” الذي ووجد وظهر ليجعل من العالم كله قرية صغيرة يسود فيها نظام واحد يشمل كل مجالات الحياة ليفرضه الطرف الأقوى على الطرف الضعيف . فبداءات الموازين بالتغير وبداءات القيم والعادات والثقافات تتعرض لازمة ليست كسابقتها من الأزمات ، أزمة التعولم والتغير ألقسري الذي يفرض عليها من الطرف الأقوى الآتي مع رياح التغير التي بداءت تهب من كل حدب وصوب

 إما هذا الضعيف ، ومع هذا التعولم الإجباري المفاجئ بداء يعاني من أزمات كثيرة لان ما جاءه من تغييرات لم تراعي فيه الخصوصية الثقافية والحضارية أو الاجتماعية أو القيمية ، فبداءت تخترق كيانه وتهز بنيانه ، لذلك كان لزاما علية أن لا يدير ظهره وينكفئ على ذاته وينغلق على نفسه مدعيا حفاظه على ارثه ، بل أصبح من الواجب علية ولكي لا يضيع وسط الزحام ، أن ينفتح ويتعامل مع الآخرين وان ينتقل في كافة مجالات حياته ألي هذا العالم الجديد متسلحا بالقوة الفكرية والدينية ( خصوصا نحن المسلمين ) محافظا على خصوصيته متجاوزا عقبات التحضر والتمدن منطلقا ذهنيا وعقليا بأفكار ابنائة مطلقا لعقولهم حرية التفكير والإبداع وذلك لكي يتمكن المجتمع من النهوض والعيش في هذا الوسط (المتعولم) المزدحم بالإشكاليات التي لا تعد ولا تحصى .

 وهذا التغير الذي بداء يحدث – بل حدث فعلا – والذي اخذ إشكالا متعددة من التطور العلمي الهائل والثورة التقنية الرهيبة كان له دور كبير أيضا في تغيير الإنسان الذي بداء يوظف هذا التطور وهذا التقدم من اجل تحقيق أهدافه بغض النظر عن الوسائل التي قد يستخدمها ، فمصالحة – أي الآخر ، القوي – أصبحت فوق كل اعتبار لا للقيم الإنسانية والأخلاقية وأصبح يوظف ذكاءه للسر أكثر من الخير مما دفع بالعالم والمجتمع الإنساني بأسرة لازمة أخلاقية رهيبة كان من نتائجها الحروب الطاحنة المتطورة تكنولوجيا وعلميا والتي كان من آثارها ازدياد عدد المشردين والمهجرين والجياع والأيتام والأرامل والفقراء وازدياد الدمار والخراب والاستعباد والاستعمار المتطور ناهيك عن الإذلال وضيع حقوق البسر واختراق خصوصياتهم من أوسع الأبواب .

 ذلك كلة وغيرة كان نذير شر وشارة حمراء للطرف (الأضعف ) لكي يشمر عن ساعديه ويسعى بكل ما أوتى من قوة مادية ومعنوية وحضارية وثقافية استعدادا لهذه المعركة الإنسانية الشاملة التي أساسها العلم والتقدم التكنولوجي والثورة الهائلة في الاتصالات والمواصلات ، لذا كان لزاما أن يدرك ( الأضعف ) أن يكون قويا متسلحا بالإنسان الناضج فكريا وعلميا وعقليا ،لان الإنسان المنكفئ على الذات المتقوقع في بوتقة الماضي لا يريد أن يخرج منها بحجة المحافظة على الإرث الذي كان ، وهذا التسلح لا يكون ولن يكون إلا بحماية الإنسان وحقوقه وتوفير سبل العيش الكريم له وتوفير الأمن بكل محتوياته ، الأمن الشمولي : سياسيا ، اقتصاديا، اجتماعيا ، فكريا…… لكي يكون حرا كريما قويا فاعلا في مجتمعة.

 فالذي يصنع المجتمع القوي من كافة جوانبه هو ” الإنسان” الإنسان المثقف ، الإنسان الواعي ،الحر ، المنطلق فكريا ، المتسلح بالعلم والمعرفة ، وهذا ما تنبه له الفلاسفة القدماء من الإغريق وغيرهم كأفلاطون وار سطو وغيرهم ممن طالبوا بحرية التفكير وإطلاق العقل من عقاله ليجول في عالم الفكر كيفما يشاء ، بل أنهم أوجدوا لذلك المذاهب الفكرية الاستنباطية منها والتحليلية ،لأنهم أدركوا أن “الإنسان أولا ” الإنسان صاحب المعرفة هو الذي يجب أن يسود ويحكم لان ” المعرفة هي الفضيلة ” وبدون المعرفة لن يكون هناك مجتمع قوي يجابه ويواجه ما يعترضه من رياح التغير بكل قوة وصلابة .

 وفي ديننا الاسمي الحنيف نجد أن الإسلام دعي ألي النضج في التفكير وإطلاق الذهن من عقاله ليتفكر في خلق الله ليزداد معرفة وعلما وتتسع أفاقة وادراكاته وان لا يكون حبيس الجهل والتخلف ، فقد دعي القرآن الكريم ألي الانطلاق نحو الآفاق واختراق الفضاء وحض على طلب العلم والمعرفة وجعل له قدسية لا تدانيها قدسية .

 وعودة لموضوع العولمة الذي هبت رياحه على عالمنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية ونحن –حسب اعتقادي- غير مستعدين لها ، سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي ، الاجتماعي ، السياسي ، المعرفي ، الفكري ، التعليمي، أو ألقيمي ،…. مما أدى ألي آثار أرعبت امتنا ودبت الخوف في أوصالها مما سمي بالعولمة الحديثة الموسومة بالثورة المعرفية والتكنولوجية ، مما دفع البعض في مجتمعاتنا ألي قبولها وفتح الأبواب لها على مصارعها وقبول ما جاءت به سواء كان غثا” أم سمينا” ، فاخذ السلبيات والإيجابيات لها دون القدرة على التمييز بينهما ، والبعض الآخر تحفظ عليها ورفضها محتجا” بأنها شر مستطير وفساد عظيم تجب مقاومته وعدم الآخذ به .

 أما من حيث الواقع فان العولمة أمر واقع لا محالة لا يستطيع أي مجتمع وأية أمة أن تدير لها ظهرها وتنكفئ على ذاتها ، لان دخولها لمجتمعاتنا وبلادنا أصبح أمرا إجباريا لامناص منة ، لذلك كان له آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية وفكرية وثقافية وقيميه …… الخ ، أثار قد تكون سلبية في حين وقد تكون إيجابية في حين أخر ، وهذا ما سنبحثه با لتفصيل مع اقتراح الحلول الممكنة في كل محال من المجالات لنكون مستعدين وبكل قوة لمواجهة هذا العملاق العالمي الهائج والاستفادة من بذور الخير التي يحملها ورفض ما ينطوي علية من سلبيات مع المحافظة على خصوصية حضارتنا وثقافتنا وشخصيتنا المستقلة وان نكون متبوعين لا تابعين كما وجهنا لذلك ديننا الحنيف .

 لذا فقد جاء هذا الكتاب محتويا على خمسة فصول تعالج العولمة بكل ما يتعلق بجوانبها الهامة ويوضحها بالتفصيل ،حيث احتوى الفصل الأول على تعريف العولمة وتحيد مفهومها إضافة إلى نشأتها وتطورها ، أما الفصل الثاني فقد احتوى على العوامل التي دفعت بالعولمة إلى الظهور على النحو الذي نرى، أما الفصل الثالث فقد عالج موضوع الآثار التي تركتها وتتركها العولمة على مجتمعاتنا من الناحية السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية ..الخ ، أما الفصل الرابع فقد تم تخصيصه لتحليل الواقع العربي والإسلامي وما اعتراه من أثار جاءت بها العولمة وكيفية مواجهتها والتصدي لها ، والفصل الخامس فقد جاء ليبين الطرق الأفضل للتعامل مع معطيات العولمة وتحدياتها، راجيا من الله أن يكون هذا الجهد في سبيله ومن اجل أن ينفع بة الأمة ليكون جزاء ولو يسيرا من العلاج الذي يعيد لها عزتها وكرامتها .

 قال تعالى:”وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” .

صدق الله العظيم

والله من وراء القصد

 المؤلف

 الفصل الأول

العولمة ماهيتها وكنهها

 · التعريف وتحديد المفهوم.

· النشاءه والتطور التاريخي.

· أشكال العولمة .

 الفصل الأول

المبحث الاول

تعريف العولمة وتحديد المفهوم .

 لاشك أن مصطلح ” العولمة ” (Globalization) – وبعد أن برز واضحا” على السطح – احتاج ألي التعريف والتوضيح، فانبرى لذلك المفكرون وتصدى لذلك الكتاب والباحثون ونشطوا في الكتابة والبحث في هذا المجال فحدث حراك أدبي واسع النشاط يتحدث عن العولمة محاولا تحديد مفهومها وتعريفة بشكل مفصل ، فكثرت التعاريف واختلفت وتنوعت باختلاف الباحث نفسه والزاوية التي نظر كل واحد منهم ألي العولمة من خلالها فتعددت معانيها مع اختلاف مقاصد المتحدثين عنها لدرجة أن المرء يصاب بالحيرة إزاء هذا الكم الهائل من الدراسات والأبحاث التي تناولت الحديث عن هذا المفهوم سواء في مجال التعريف أو الأسباب التي دفعت بالعولمة ألي الظهور والتجلي بهذا الوضوح اللافت للانتباه .

 لذلك فان تعريف العولمة ليس محددا بكلمات معينة أو محصورا بعريف مقيد لعدد من السطور والعبارات بل هو واسع وشامل قد يتسع لدرجة أن يحتوي كل جوانب الحياة الإنسانية ، فهناك التعريفات المتعلقة بالجانب الاقتصادي وهناك الجانب الاجتماعي والثقافي والفكري والديني والحضاري … الخ، فالبعض نظر ألي العولمة على أنها جزء من التطور الطبيعي للحياة الإنسانية ومرحلة من مراحل تطور الحياة البشرية حيث عرفها بعضهم على أنها ” التطور الطبيعي للحضارة ” .([1])

 ويرى بعض الباحثين بان العولمة ” هي نمط سياسي واقتصادي وثقافي لنموذج غربي متطور ” ([2])أما الفيلسوف الفرنسي المسلم ” روجيه غار ودي ” فيرى بان العولمة هي “نظام يمكن الأغنياء من فرض الديكتاتوريات اللانسانيه التي تسمح باختراق الآخرين بحجة التبادل الحر وحرية السوق “( [3])،أما الباحث سيد ياسين فأنة يرى بان العولمة هي “سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول وعلى النطاق الكوني ” .([4])

 ويرى كثير من الباحثين وكما أسلفنا بان العولمة هي ” فرض النموذج الغربي بكل ألوانه المختلفة من اقتصاد وسياسة وسلوك وتربية وثقافة وما يتعلق بذلك من قريب أو بعيد ضمن سياق فكري في ظاهرة السعادة وفي باطنه العذاب لدول خارج المنظومة الغربية ” .([5])

 ونظر بعض الباحثين ألي العولمة نظرة موضوعية وبصورة مجردة ومحايدة دون اتخاذ سلبي أو إيجابي منها وارتضى لها تعريفا محايدا فعرفها بأنها ” جعل العالم مجالا لممارسة النشاطات الإنسانية المتعددة ، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية …. الخ ، أي إمكانية ممارسة النشاطات المتعددة على مستوى العالم دون أية قيود أوحوا جز “.)[6])

 أما المفكر والباحث الإسلامي الدكتور عبد العزيز التو يجري فأنة يرى بان العولمة إذا نظرنا أليها من وجهة قانونية واقتصادية فأنها تكون ، تلك الظاهرة التي تسمح بزيادة الاعتماد المتبادل بين سكان العالم بصورة تؤدي ألي تداخل المصالح الاقتصادية وتشابكها وتمتد بتأثيراتها لتشمل باقي مجالات الحياة من ثقافة وإعلام وتعليم وعلوم وتكنولوجيا واتصال …. الخ.([7])

 ويرى بعض الباحثين أيضا بان العولمة قد تعني “صياغة جديدة لمنظومة القوة القديمة فهي اسم مخفف ومهذب يجري تسويقه من قبل الدول العظمى وخاصة الرأسمالية ، أي أنها لفظ جديد لمضامين قديمة “([8]) .هناك من رأى من الباحثين أن العولمة ليست مجرد ظاهرة اقتصادية ولاهي كذلك حتما في أساسها ، بل أن العولمة تتعلق بالزمان والمكان بل أن معناها المحدد هو العمل أو الثاثير عن بعد ، ويرتبط شيوعها بكثافة في السنوات الأخيرة بظهور وسائل الاتصال الفوري وحركة الانتقال الجماعية الواسعة على نطاق الكوكب ، وليست العولمة عملية واحدة ووحيدة بل هي مزيج مركب من عمليات تعمل في الغالب الأعم بأساليب متناقضة تنتج عنها نزاعات حادة وأشكال جديدة من التالفات الطبقية “.([9]) ويعرفها الباحث والمفكر العربي إسماعيل صبري بأنها ” التداخل الواضح لأمور السياسة والاجتماع والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة ا والانتماء ألي وطن محدد أو لدولة معينة ، فالعولمة إكساب الشيء طابع العالمية وجعل نطاقه وتطبيقه عالميا.([10])

 وهنا نورد تعريفا للدكتور المأمون علي جبر المحامي للعولمة حيث يقول “أنها سعي الشمال عن طريق تفوقه العلمي واتقني للسيطرة على الجنوب ،تربويا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا بدعوى مساعدته على التنمية الشاملة وتحقيق العدالة في الاستثمار والرفاهية للجميع .([11])

 وهناك تعاريف أخرى للعولمة قدمها بعض الباحثين والمفكرين الغربيين من أمثال ( مالكوم وترز) حيث قال بان العولمة ” هي كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد او بغير قصد الى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد ” أما (انتوني غيدنس ) فأنة يعرف العولمة على أنها ” مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداثة حيث تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي ” أما ( روبرتن ) فأنة يقول بان ” العولمة هي اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات لهذا الانكماش ” .([12])

 وهناك من طرح ما يسمى بمفهوم العولمة العاصرة التي عرفها ” بأنها الخضوع لمجموعة من القواعد والمعايير الدولية التي تنظم مجالات كانت تدخل في تصميم سيادة كل دولة من حقوق الإنسان إلى المجال السياسي إلى اقتصاد السوق بما يتضمنه من إزالة القيود على انتقال رأس المال والسلع والخدمات والعمالة وحقوق الملكية الفكرية في المجال الاقتصادي وانتقال الأفكار والمعلومات في المجال الثقافي .”( [13])

المبحث الثاني

النشاءه والتطور التاريخي للعولمة .

 أدركنا مما سبق بان ظاهرة العولمة هي أمر لا يمكن إنكاره ولا مجال للتغاضي عنة ، فهو ظاهرة ملموسة ومحسوسة ومشاهدة بالعين المجردة من خلال آثارها ونتائجها وتجلياتها وكل معطياتها ، ولكن يجب أن ندرك بان هذه الظاهرة لم توجد فجاءه وبشكل طفرة وبدون تاريخ أو مقدمات ([14])، بل لابد لمعظم الظواهر في هذا الكون من نشاءه تاريخية تشكل قاعدة لها لوصولها ألي قمة الوضوح والتجلي ،والعولمة كغيرها من الصعب علينا القول بأنها جاءت بشكل مفاجئ ومباغت ، فالمتصفح للتاريخ يدرك بعد أن يربط التعاريف السابقة التي جاء بها المفكرون مع الواقع يدرك أن العولمة قديمة قدم الإنسان فمنذ أن قتل قابيل أخاه هابيل وسعى للسيطرة علية وبسط نفوذه على ممتلكاته وجعلها خاضعة لأمره ونهيه نوضع بذلك اللبنة الأولى في بناء ظاهرة العولمة ، ثم جاءت بعد ذلك المجتمعات الإنسانية التي حاول كل طرف منها أن يفرض نفسه على الآخر وخصوصا عندما تتوفر لذلك الأسباب والتي من أهمها المنعة والقوة والنفوذ ، وما سعي الحضارات الكبرى كالرومانية- مثلا – لبسط نفوذها على العالم وما حاء بعدها وما سبقها من حضارات إنما هو سير في طريق العولمة ، بل هو إعلاء البناء في صرح العولمة ، وفي هذا الصدد يقول الدكتور المأمون علي جبر المحامي : “باستقراء التاريخ يتبين أن العولمة المعاصرة ليست جديدة ولا هي وليدة وقتنا الحاضر فهي ظاهرة نشاءت مع ظهور الإمبراطوريات في القرون الماضية ، ففي السابق حاولت الإمبراطوريات –الرومانية ، الفارسية – أن تصبغ الشعوب التي تبسط نفوذها عليها بثقافتها ،وتطغى هذه الثقافة في مختلف جوانب حياة هذه الشعوب حيث عملت هذه الإمبراطوريات لتوجيه قيم هذه الشعوب وتقاليدها وحضارتها وفق أنماط الحياة التي تريدها فكانت هذه خطوة نحو العولمة ،([15]) وفي التاريخ الحديث وعندما فرض الإنسان نفسه على كل أجزاء هذه البسيطة وعندما لم يعد أي جزء منها خارج دائرة نفوذه وسيطرته كانت هذه العملية بحد ذاتها تطور هائل في شموخ هذا البنيان وارتفاعه أكثر فأكثر .([16])

 وفي العصور المتقدمة وعندما أراد الإنسان أن يعزز وجودة على هذه الأرض بثورته الصناعية الهائلة اخذ يبحث عن مصادر أولية لمصانعة وأسواق لتصريف بضاعته ، فكان لابد له من بسط نفوذه ولو بالقوة من جديد على أجزاء من هذا الكون تحقق له طموحة وتلبي لي رغباته فنشطت حركة الاستعمار الحديث في إرجاء مختلفة من هذا العالم وسعى الإنسان يفرض نفسه وأنظمته وحضارته وثقافته ولغته وعاداته وقيمة وافكارة على غير من بني البشر من اجل أن يحقق اطماحه وأطماعه بغض النظر عن الوسائل المستخدمة في ذلك ، وما الحروب الكونية الأولي والثانية إلا نتاج هذه الأطماع والرغبات هدفها السيطرة و الهيمنة وجعل العالم كلة يدور في فلك حضارة واحدة ألا وهي الحضارة الغربية .

 وتطورت الأمور وتتابعت الأحداث وصولا إلى ما نشاهده اليوم من نظام عالمي جديد تسوده ثورة العلوم والتكنولوجيا وتحكمه قيم المادة والاقتصاد بعيدا عن ضوابط الأخلاق والدين ،والهدف من ذلك كلة هو تسهيل مهمة الآخر القوي لبسط نفوذه بكل سهولة ويسر على كل أرجاء الكون والتبشير بما يؤمن به من مفاهيم جديدة تشمل كافة مجالات الحياة مستخدما لذلك القوة العسكرية والثورة التقنية الهائلة في المعلومات والاتصالات .

 كانت بداية العقد الأخير من القرن الماضي –تقريبا –هي نقطة التحول الرئيسية في بنية النظام العالمي ، حيث أخذت العولمة الحديثة modern globalization) ( إن جاز لنا التعبير – أخذت بالتشكل والبروز بوضعها الجديد الذي يختلف عما سبقها من أنواع وأشكال للعولمة ، فانهيار الاتحاد السوفيتي والملكية الفردية للنظام العالمي والثورة الهائلة في تقنية المعلومات وثورة الاتصالات والحواسيب والإنترنت وتطور استخدام الأقمار الصناعية([17]) وتحول الشبكة ألعنكبوتيه ألي مكتبة عالمية متحركة تحتوي على كل ما قد يخطر ببال المرء من علوم ومعارف وأفكار وفنون وثقافة وتسلية ….. يسهل الوصول أليها بسبب تدني التكلفة والسهولة في الاستخدام ، وكثر عدد المستخدمين لهذه الشبكة لدرجة انه وصل عدد المشتركين عام 2000 ألي 400 مليون مستخدم وتتوقع مصادر الأمم المتحدة أن يصل العدد إلى مليار مستخدم عام 2005 م.([18])

 ويرى بعض الباحثين بان ظاهرة العولمة المعاصرة هي ظاهرة خاصة ومتميزة لها سمات وملامح وخصائص أنتجتها ظروف معينة في هذه الفترة من التاريخ الإنساني ، هذه الظروف تختلف عن أي ظروف كانت سببا لظواهر أخرى سابقة قد تتشابه مع هذه الظاهرة([19])، ولا نجانب الصواب إذا ما قلنا بان العولمة ووجدت بأشكال وأنواع مختلفة عبر سلسلة التاريخ الإنساني ، فلكل مرحلة ” عولمة ” تختلف عن العولمة التي سبقتها وتختلف عن العولمة التي بعدها والعولمة التي نشاهدها اليوم كما يبدو هي سمة هذا العصر وميزة هذا الزمان ، وهذا ما أكد علية الباحث ( فيليب مالما يكل ) عندما قال : “بان مشروع العولمة ليس خاص بعصرنا ، كما قد يظن البعض لكن العولمة كرؤية لتنظيم العالم هي خاصة بعصرنا ” .([20]) كل ما سبق يدلنا دلالة واضحة على آن العولمة لم تأتى طفرة وبشكل مفاجئ بل أنها سلسلة تاريخية متصلة أوصلتها إلى ما نشاهده اليوم وما الظروف والأحوال والتطورات التي ذكرناها أنفا” ألا درجات قفزت من خلالها العولمة ألي وضعها الحالي .

المبحث الثالث

أشكال العولمة

ظهرت العولمة الحديثة بأشكال متنوعة ومتعددة تنسجم مع مصالح القوى الداعمة والمؤيدة لظهورها وتتناغم مع الأهداف الإستراتيجية البعيدة المدى للقوى العظمى في مختلف الميادين والحقول ولعل ابرز أشكالها هو الشكل الاقتصادي والسياسي والثقافي بالإضافة الى الاجتماعي إضافة إلى العولمة العسكرية والقيميه وغيرها من الأشكال والتي شملت كافة نواحي النشاط الإنساني أما أبرزها([21]):

 1. العولمة الاقتصادية :

 ان تحول العالم الى قرية صغيرة قرب من حدوده وأذاب ما بينها من حواجز مانعة للتبادل التجاري والاقتصادي مما أزال العوائق الجغرافية والجمركية وحرر التجارة وسهل من انتقال رؤوس الأموال وجعلها حرة طليقة تحركها الشركات المتعددة الجنسية كيفما تشاء وبما يخدم مصالحها وأهدافها ، ومما عزز من العولمة الاقتصادية هو ظهور المؤسسات المالية الكبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة الحرة وغيرها .

 2. العولمة الثقافية :

 هناك سعي حثيث من قبل صناع العولمة الى فرض نموذج ثقافي واحد يسود العالم كلة وهذا النموذج جل محتواة هي قيم ثقافية غربية يتعارض معظمها مع خصوصيات الشعوب الثقافية والحضارية وهذا ما سبب إشكالية سنتناولها لاحقا بالبحث والتفصيل .

 3.العولمة السياسية :

الأوضاع السياسية التي شهدها العالم وخصوصا في العقد الأخير من القرن الماضي والتي كان من أهمها تحول النظام العالمي إلى نظام أحادي القطبية تهيمن علية قوة واحدة بالإضافة الى انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة والرغبة في الهيمنة والسيطرة وتامين الأهداف الإستراتيجية البعيدة المدى من قبل الدول العظمى في أنحاء العالم المختلفة كل ذلك وغيرة مما نشاهده من أحداث سياسية متسارعة ومتوالية يثبت أن العالم يشهد عولمة سياسية من نوع مختلف .

 3. العولمة الاجتماعية :

وهي العولمة التي تسعى إلى اختراق المجتمعات والدخول الى تفاصيلها الخاصة بغية تحويلها الى مجتمعات تابعة ومنفذة للقيم الاجتماعية الغربية ونزع قيمها الخاصة من بين أبناءها وأفرادها واستبدالها بنماذج لأتمت بصلة إلى خصوصياتها ومبادئها التي نشاءت عليها .

 يرى بعض الباحثين والدارسين للعولمة وأشكالها بأنها تتضمن أشكالا أخرى كثيرة مثل : العولمة الدينية ، والقيمية والإعلامية واللغوية والتشريعية والعسكرية وغيرها وهذا ما سنأتي على شرحه بالتفصيل في مواضع مختلفة .

 أما عملية قياس الدول ومدى انسجامها مع العولمة سواء اجتماعيا او سياسيا أو اقتصاديا فقد تصدت لقياسها الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث والمعاهد العلمية المتخصصة ووضعت لذلك معايير مختلفة تبين مركز الدولة في مؤشر العولمة ومن أمثلة هذه المعاهد، معهد (KOF)السويسري المتخصص بدراسات الدورة الاقتصادية والذي وضع مؤشر للعولمة يغطي ثلاثة أبعاد رئيسية هي : اجتماعية ، سياسية ، اقتصادية، أما مؤشر العولمة الاقتصادية فأنة يضم العناصر التالية :

– حصة التجارة للناتج المحلي الإجمالي .

– حصة الاستثمار الأجنبي المباشر للناتج المحلي الجمالي .

– حصة الاستثمار ألمحفظي للناتج المحلي الإجمالي .

– دخول الرعايا الأجانب .

– عوائق على الإيرادات .

– معدل التعرفة الجمل ركية .

– نسبة الضرائب على التجارة الدولية للإيرادات الجارية.

– قيود على الحساب الرأسمالي .

أما مؤشر العولمة الاجتماعية فأنة يضم العناصر التالية :

– عدد مستخدمي الانترنت .

– الحصة من السياحة الدولية .

– عدد خطوط الهاتف بالإضافة إلى حجم المكالمات الخارجية .

ملاحظة :

علما انه سيتم نشر الكتاب كاملا على الموسوعة بعد إتمام الإجراءات الفنية صورة