مقال: مسار العولمة وأزمة الهوية ..وجهه نظر إسلامية – هايل طشطوش

مسار العولمة وأزمة الهوية

مسار العولمة وأزمة الهوية ..وجهه نظر إسلامية – هايل طشطوش

        لا شك أن الصفات المشتركة والجوامع الواحدة التي يشترك بها أعداد كبيرة  من الأفراد تشكل هويتهم وصفاتهم التي تميزهم عن غيرهم من الجماعات الأخرى سواء كانت مجاورة أم بعيده عنهم ، والهوية بمعناها اللغوي والفلسفي تعني الامتياز عن الغير، وخصوصية الذات، وما يتميز به الفرد أو المجتمع عن الأغيار من خصائص ومميزات ومن قيم ومقومات وهي بمعنى آخر الشخصية المستقلة التي تميز فردا أو جماعه عن غيرها ، والمسلم اكتسب هويته من السمات والصفات  المشتركة التي وحدت بين  المسلمين عامة وميزتهم عن غيرهم من الناس حتى أصبحوا يمتلكون بناءاً حضاريا قويا فاعلا في المجتمع الإنساني فكانت الحضارة الإسلامية وما امتلكته من خصائص ومقومات من ابرز الفواعل الرئيسية في مسيرة الحياة الإنسانية ، حيث تركت بصماتها التي لا تمحى من على وجه التاريخ الإنساني ،  ولكن ، وبسبب حركة التاريخ التي لا يمكن تجاهلها ومع الأيام تتعرض الهوية للاهتزاز ويعتريها الضعف ويدخل في أركانها الوهن …. عندها تتجند العقول وتتحرك الأقلام وترتفع الأصوات لإصلاح الخلل وإزالة العطل ، ولاشك أن رياح العولمة التي هبت على البشرية في هذا العصر وما حملته من بذور تغيير نمت بسرعة هائلة في أرضية مجتمعاتنا الهشة كان لها دور كبير في زعزعه أركان هويتنا الحضارية ، حيث حملت العولمة معها تغييرات هائلة في المفردات الثقافية والتراكيب الاجتماعية والأنساق السياسية والاقتصادية جعلت أفراد الأمة وخاصة الجيل المعاصر يترنح في أتون أزمة الهوية وفقدان الذات ، واتخذ هذا الضعف عددا من المظاهر يمكن إيجازها بما هو آت:

أولا : التقليد الأعمى : حيث أصبح الشباب يقلدون الثقافات الأخرى بكل شيء دون التمييز بين الغث والسمين حتى أصبحت ترى مظاهر حضارة الآخرين في عقر دار المسلمين وبين ظهرانيهم حتى بات التقليد في كل شيء بالمطلق… باللباس والأكل والمظهر والشكل العام كقصة الشعر وارتداء الملابس التي لا تليق بحضارتنا وبأدبياتنا الراسخة  وتفاقم الأمر حتى قال احد الباحثين ” إن الخطر الأكبر الذي يتهدد الأمم والشعوب في هذا العصر، هو ذلك الخطر الذي يمسّ الهوية الثقافية والذاتية الحضارية والشخصية التاريخية للمجتمعات الإنسانية في الصميم، والذي قد يؤدي إذا استفحل، إلى ذوبان الخصوصيات الثقافية التي تجمع بين هذه الأمم والشعوب، والتي تجعل من كل واحدة منها، شعباً متميزاً بمقومات يقوم عليه كيانه، وأمة متفردة ً بالقيم التي تؤمن بها وبالمبادئ التي تقيم عليها حياتها” .

ثانيا :    ضعف الولاء والانتماء لقيم الأمة ومفراداتها ، و يتضح  ذلك من خلال رفض كثير من أبناء الأمة الالتزام بأساسيات الهوية الحضارية والثقافية للأمة واعتبار ذلك رجعية وتخلف .

ثالثا : الانبهار بالتقدم العلمي والتقني والانقياد الأعمى خلفه ولعب دور المتلقي له وليس المنتج : وهذا بلا شك يفسره التخلف العلمي والتقني الذي تعاني منه مجتمعاتنا الإسلامية عامة وتراجعها الكبير في مجال الثقافة والعلوم والآداب وتوقفها عن الإسهام في رفد الحضارة الإنسانية بما هو نافع ومفيد.

رابعا : شكل الانقياد الأعمى إلى ظهور ما يعرف بالفراغ النفسي والروحي ولاشك أن هذا الفراغ مقتل المرء لأنه يعطل طاقاته ويحول بينه وبين الإبداع والإنتاج.

لا شك أن العولمة وما رافقها من تقدم مذهل وثورة كبيرة في مجال الاتصالات والمواصلات والتقنيات الهائلة لعبت دورا بارزا في التأثير السلبي على المقومات الحضارية للأمة كالدين واللغة والثقافة  لأننا لم نحسن استخدامها كما يجب .

ويقع على عاتقنا بعد تشخيص الداء أن نقدم الدواء والحل ولعل في النقاط التالية رؤية إسلامية للحفاظ على هويتنا المميزة:

1. التربية الأخلاقية والعقائدية وترسيخ قيم الأيمان والإسلام الصحيحة في نفوس الأبناء في كافة مراحل حياتهم .

2. الاستفادة من مقومات التكنولوجيا المعاصرة وتوظيفها لخدمة هويتنا وترسيخ مبادئنا بما ينسجم مع روح الإسلام الوسطي المعتدل وتثقيف الأطفال والشباب وحمايتهم من الوقوع في فلك الانحراف والضلال وحماية وجود الأمة الإسلامية وغيرها من خطر الغزو العلمي والتكنولوجي الجديد.

3. تطوير لغة الخطاب العربي الإسلامي بما يتلاءم مع روح العصر مستخدمين بذلك أدوات التكنولوجيا الحديثة كالانترنت والفضائيات لتعريف العالم بديننا وبرسالتنا وبأنها رسالة السلام والمحبة للناس كافة .

4. الانفتاح الايجابي على الثقافة الغربية والاستفادة من تطورها العلمي والتكنولوجي دون الذوبان والتماهي في شخصيتها.

لعلنا نكون قد شخصنا الداء وقدمنا جزء بسيط مما يجب علينا القيام به لمواجهه التغييرات الكبيرة التي تجتاح ثقافتنا وهويتنا .