مقال : الإدارة الماليّة للمصلحة (4) – رامي عنابوسي – و- مجدي كتاني

الإدارة الماليّة للمصلحة (4)

بقلم : رامي عنابوسي ومجدي كتاني

معادلة التسعير: كيف تحدد سعر البيع لسلعتك أو لمنتوجاتك أو لخدمتك دون أن تخسر؟

السؤال الذي يقلق الكثير من أصحاب المصالح والشركات هو سؤال تسعير المنتج أو السلعة ! وحيال هذا السؤال ينقسم أصحاب المصالح والشركات الصناعيّة والإنتاجيّة والتجاريّة والخدماتيّة إلى أقسام ثلاث في تعاملهم مع هذه المعضلة:

القسم الأول: من يسعر سلعته أو منتجه حسب السلع والمنتجات المنافسة لها في السوق, وبكلمات أخرى إن منافسيه هم من يحدّدون له سعر البيع لمنتجاته.

ومن الواضح لكل إنسان واع أن تحديد السعر وفق هذا النهج –سياسة القطيع- هو تحديد غير مسئول بل هو اتّباع للأسهل ويؤدّي في كثير من الأحيان إلى تكبّد خسائر فادحة مجاراة لجنون السوق وتقلّباته, ولتعلم أنّ تحديد سعر منتجك يحدّد في ذات الوقت مكانته في عين المستهلك فإن كان بمستوى سعر المنتجات المنافسة فسيوضع في ذات الخانة ولو كان المنتج المنافس في الحقيقة أقلّ جودة.

القسم الثاني: من يسعر منتوجه أو سلعته أو خدمته حسب “معادلة رقميّة بحتة” دقيقة تأخذ بعين الاعتبار كافّة التكاليف من مرحلة التصنيع والإنتاج حتى وصول المنتج إلى يد المستهلك كما في المصالح الصناعيّة والإنتاجيّة أو من لحظة شراء السلعة وتخزينها ووصولاً إلى مرحلة التسويق والبيع التجاري كما في المصالح التجاريّة أو باحتساب ساعات العمل والمصاريف المكتبيّة كما في المصالح الخدماتيّة, ومن الناحية العلمية فإن التسعير المذكور هو ما يسمى Costing أي التسعير على أساس التكاليف والمصاريف الفعلية.

وعلى الرغم من أن طريقة التسعير الثانية هي وبحق طريقة علمية مدروسة ومثبتة على أرض الواقع إلا أننا لا ننصح بالاعتماد عليها لخطورتها, وذلك لدوافع عدّة:

(1) تغيير سعر السلعة أو المنتج في السوق ليس بالأمر الهين, وهذا يعلمه كل صاحب مصلحة, فما العمل إذا ارتفع سعر المواد الخام بنسبة ملحوظة؟ ففي الأيام القريبة سيرتفع سعر السكر مثلا بنسب ملحوظة قد تؤدي إلى خسارة الكثير من المنتجين الذين يستخدمون السكر كمادّة خام أساسيّة وقد تؤدي إلى وضع تفوق فيه التكاليف والمصاريف مجموع المدخولات من البيع.

(2) وجهة النظر التي تعتمد على ربط معادلة التسعير بالتكاليف والمصاريف فقط هي خاطئة, فكما أنّه من الخطأ أن تربط التسعير في سعر المنافسين فكذلك من الخطأ أن تربط التسعير فقط في التكاليف والمصاريف.

التسعير المذكور سيؤدي في أحسن حالاته إلى أن تكون مصلحتك متواضعة الأرباح وتبقى تقفز مكانك دون أن تبتعد كثيراً عن نقطة البداية والخوف أن تعود إليها بعد فترة وجيزة بل هنالك من يعود إلى نقطة البداية باندفاع متسارع يجعله يتجاوزها بعيداً إلى الوراء .

فكيف لي إذن أن أسعّر ما أبيعه تسعيرا يضمن لي الربح ويضمن لمصلحتي التقدم أماماً؟

القسم الثالث وهو القسم الناجح من أصحاب المصالح والشركات – وهم أقلّية – هم من يبنون تسعيرهم على “طريقة علمية عملية” وليس على أساس محض رقميّ. وهذا التسعير هو التسعير الحقيقيّ الذي يستحق أن نسميه بلغة أهل التخصص بالتسعير Pricing.

التسعير الحقيقي كما أسلفنا وذكرنا لا ينبني حول السؤال: كم تباع السلعة أو المنتج المنافس؟ ولا يبنى على السؤال كم كلفتني وما هو مجموع التكاليف والمصروفات؟ وإنما ينبنى على:

– كم تساوي سلعتي أو منتوجي أو خدمتي لدى المستهلك ؟
– كم يستطيع المستهلك أن يلزم نفسه أن يدفع مقابل المنتج أو السلعة أو الخدمة التي أبيعها؟
– كيف يرى المستهلك تميّز خدمتي أو سلعتي عن غيرها من المنافسات؟

كثيراً ما تركّز كتب التسويق على أمثلة من عالم الفن, فاللوحات الفنّيّة المشهورة والتي تباع بملايين الدولارات لا تكلّف في الواقع سوى بضع دولارات من ناحية التكاليف المادّيّة والحسابات الرقميّة . . .

الحكمة ليست أن يكون لك منتج أو سلعة أو خدمة متداولة في السوق وإن كان تداولها بأرقام خياليّة وإنما الحكمة كلّ الحكمة أن تجني أرباحاً من وراء هذا الرواج ومقابل ما تسوّق !

إذا ربطت تفكيرك حول الفكرة الخاطئة أن ما يحدّد البيع في السوق هو السعر المنخفض فاعلم أن ذلك صحيح لدى قسم من المستهلكين ولكن ليس لدى الجميع وإن صحّ فإنّما يصحّ أساساً عند الحديث عن منتجات متماثلة وقد تصل نسبتهم إلى 70% من المستهلكين.

وفي المقابل صحيح أن المستهلكين اللذين يسعون للجودة , الخدمة , القيمة, الأريحيّة وغيرها تصل نسبتهم إلى 30%, إلا أن المنافسة على ال 70% اللذين يبحثون عن الأسعار هي أصعب بكثير من المنافسة على ال 30% اللذين يهتمون بالجودة. ونرى ذلك واضحاً في السوق بوجه عام وأوضح منه في السوق العربي, فالمنافسة على مستهلك لا يهتمّ إلا بالسعر هي منافسة خطيرة وفي الغالب تكون خاسرة ومنهكة.

ننصحك إذا أردت المستقبل لمصلحتك وإذا أردت أن تتحول مصلحتك من مجرّد مصلحة أخرى تدخل عليك مدخولا شهريا كأي أجير أو موظف إلى مصلحة تدرّ عليك أرباحاً تغير من مستوى معيشتك فلا بد أن تسعى إلى تغيير طريقة التسعير المتّبعة من قبلك.

ولا بد من التذكير أن تغيير طريقة التسعير للطريقة الثالثة لا بد أن يكون متلازما مع تغيير جوهريّ في النظرة التسويقية عندك ولا نقصد هنا الدعاية إذ أن الدعاية ليست تسويقاً بل هي أداة تسويقية أو حلقة واحدة في المنظومة التسويقيّة, ويجب أن تتلائم الإستراتيجيّتين التسعيريّة والتسويقيّة بشكل متلازم ومتناغم.

لو نظرنا إلى السوق الحالي في هذه الأيام لوجدنا أنّ الفرق بين أن يبيع منافسك سلعته ب 100 شاقل وبين أن تبيع سلعتك ب 150 شاقل متعلق ب:

– جودة خطّة التسويق والتزويد المتعلقة بمنتوجك أو سلعتك أو خدمتك.
– جودة وإتقان عمل المسوّقين والقائمين على المبيعات.
– تحديد معادلة تربط بين كمية البيع (بالوحدات) ونتيجة الربح بحيث تستطيع أن تعرف في كل لحظة كم ستربح مقابل كل كمّية بيع.

تبرز الإيجابية في هذه الطريقة في الأوقات العصيبة حيث تستطيع أن تحتفظ بسعر منتجك من خلال منح المستهلك خصومات وتنزيلات ذات أسماء ميتكرة بحيث تحفظ قيمة منتجك وجودته في عين المستهلك وتفوقه على المنتج المنافس على الرغم من أنه قد يباع في نهاية المطاف أحياناً بسعر المنتج المنافس.

النقاط التي تمّ عرضها خلال السلسلة هي نقاط تمّت دراستها وتطبيقها على مصالح محلّيّة وعالميّة وقد لا تنطبق على مصلحة بعينها ولذلك تجدر الاستشارة قبل الإقدام على تطبيق أيّ خطوة عمليّة !

المصدر :

موقع فلسطينيو 48 www.pls48.net