مقال : الإدارة الماليّة للمصلحة (2) – رامي عنابوسي -و- مجدي كتاني

الإدارة الماليّة للمصلحة (2)

بقلم : رامي عنابوسي ومجدي كتاني

كيف تضمن أن لا تقف مصلحتك عند حدّ وأن تخترق عالم النجاح بالسرعة الفائقة!
وبعد أن بيّنّا أهمّيّة المعرفة والعلم والمتابعة من أجل السيطرة على النظام الماليّ في المصلحة, وأكّدنا ضرورة التخلّص من تبعيّة الفكر الرأسماليّ القائم على قناعات متهافتة ومسلّمات خدّاعة بشأن أنماط الاستهلاك وأنماط المعاملة التجارية القائمة على نظام الأقساط المملّة, فسنقف في حلقتنا هذه على أسس التبادل التجاري الذي هو الأساس في إنجاح المصلحة ومن خلال هذه الأسس سنتعرّف على نقاط القوّة والضعف التي تواجه أيّ مصلحة مهما كان حجمها أو طبيعة نشاطها.

المال من وجهة النظر التجاريّة:

الإدارة الماليّة هي إدارة لشيء ما يُدعى مالاً, ومن الضروريّ بدايةً أن ندرك ماهيّة هذا المال أوّلاً وقبل كلّ شيء وعرفة موارده الاعتياديّة.

لو نظرنا إلى نشأة المال نظرة مبسّطة, لوجدنا أنّ المال كان وليداً لحاجة البشر إلى أداة سهلة للتبادل التجاري, فبعد أن كان التبادل يتمّ بالمنتجات حيث من ملك خضاراً استبدله باللحوم وهكذا, فقد توصّل البشر إلى طريقة أسهل تمّ من خلالها تقرير وحدة تبادل مشتركة لكلّ مجتمع (دولة) يتّفق الجميع على قيمتها ويعترفون بها كعملة للتبادل التجاري, وسمّيت هذه الوحدة مالاً أو نقوداً.

فالمال يمثّل “قيمة” ويمثّل “ثقة”, فمتى تزعزعت ركيزة من هاتين الركيزتين تزعزعت مكانة العملة, ولهذا فإنّ الدول الفقيرة التي لا تملك منتجات تدعم عملتها وتقوّيها وكذلك الدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي, سرعان ما تصبح عملتها مجرّد حبر على ورق أو مجرّد قطع معدنيّة لا قيمة لها.

وكما أنّ المال يمثّل منتجات وخدمات وثقة, كذلك فإنّ أيّ مصلحة تقوم على أساسين:

(1) قيمة ما تسوّق للزبائن
(2) ثقة الزبائن بما تسوّق.

ومتى ما فقد الناس ثقتهم بما تسوّق المصلحة أو لم يعد يشكّل لديهم شيئاً ذا قيمة, فستفقد المصلحة مستقبلها ولن يكون لها أيّ حقّ في الاستمرار.

لم نسق هذه المقدّمة من أجل إثراء آفاقك الاقتصاديّة والتاريخيّة ولكن لنخلص إلى استنتاجات:

(1) موارد المال:

(أ‌) مسلك المال الحقيقي هو عمليّة تبادل حقيقيّة لمنتجات وخدمات حقيقيّة.
(ب‌) أيّ مال يأتي من مسلك آخر (قروض وإطارات سالبة وسرقات ومساعدات) “ليس مقابل خدمة أو منتج حقيقيّين” هو ليس مالاً حقيقيّاً ولا يشكّل هذا المسلك مورداً طبيعيّاً للمال.

(2) أنواع التعامل والتبادل التجاريين:

هنالك أنواع من التعامل أو التبادل التجاري, والأسلوب الذي تختاره لإدارة مصلحتك هو عامل أساسي في تحديد نجاح المصلحة أو فشلها:

(أ‌) التبادل أو التعامل الإجرامي (الظالم):

هذا النوع هو أسوأ أنواع التعامل على الإطلاق, لأنّه يعني أن تأخذ شيئاً دون أيّ مقابل, وهذا ينطبق على السرقة والسطو والاعتداء بمعناهما الإجراميّ المعهود وينطبق كذلك على السرقات الماليّة الخبيثة التي تعتمد على الغش والمكيدة في عالم المال.

يمكن للتاجر أو لصاحب المصلحة أن يتقاضى ثمن الصفقة أو أتعاب الخدمة ثمّ يختفي دون أن يقدّم شيئاُ بعد أن يضرب ضربته, وهذه سرقة أسوأ من سرقة اللصوص الاعتياديّين لأنّها تمثّل خيانة لمن ائتمنك وأعطاك ثقته.

من الواضح أنّ مثل هذه المصالح هي مصالح وهميّة لا يمكن أن تستمرّ ومصيرها محتوم في الدنيا ولأصحابها الويل والثبور في الآخرة على ظلمهم للناس.

(ب‌) التبادل أو التعامل التطفيفي:

هذا النوع من التعامل كفيل بأن يودي بالمصلحة إلى هاوية الفشل, ويحصل هذا عندما لا تفي بتعهّدك للزبون من ناحية جودة الخدمة أو السلعة وأيضاً من ناحية الالتزام بالمواعيد, فأيّ نقص في الشرط هو خلل في التبادل والتعامل وهو بالتالي يؤدّي إلى إزعاج كبير لدى الطرف الآخر.

والمعلوم أنّ الزبون المنزعج بطبيعته يميل إلى نشر انزعاجه عند كلّ مناسبة ومن دون طلب, والإحصائيّات تشير أنّ الزبون المنزعج قد يحدّث 20 شخصاً على الأقلّ, وقد يصل الرقم إلى 100 شخص أو مليون في عصر الإنترنت السريع.

وهكذا, تخسر زبونك وتخسر كلّ من حوله ممّن تربطهم بزبونك علاقة ما !

وفي الآخرة فقد توعّد الله المطفّفين بالويل في سورة المطفّفين.

(ج‌) التبادل أو التعامل العادل:

هذا حال معظم المصالح وهو الوضع الطبيعي, وهو وضع اعتيادي يضمن للمصلحة دخلاً اعتياديّاً ولكنّه لا يعطيها أولويّة خاصّة, فأصل التعامل أن ينبني على العدل والتوازن, أن تدفع مالاً مقابل حاجة أو خدمة ثمّ تحصل على مطلبك بالضبط كما اتُّفق دون زيادة أو نقصان في النوع والكم والجودة والتوقيت.

الزبون الذي تعامله بالعدل يعاملك بالعدل كذلك, يدفع لك ما تستحقّ وينتهي الأمر عند هذا الحدّ وتقف مصلحتك عند هذا الحدّ كذلك!

(د‌) التبادل أو التعامل الإحساني:

لقد أسمينا هذا النوع بالإحساني من كلمة إحسان وهو معاملة فوق العدل, وهي المعاملة التي تضمن للمصلحة نجاحاً وتفوّقاً مبهرين, وتجلب لك الزبائن من كلّ حدب وصوب, فالزبون الذي تحسن إليه بمعنى انّك تمنحه شعوراً بأنّه نال فوق ما يستحقّ أو أكثر ممّا كان يتوقّع, مثل هذا الزبون سيمنحك ثقته وستبقيه أسير شكرك, ولهذا فإنّه سرعان ما سيسعى جاهداً ليردّ الجميل وليعبّر عن دهشته من خلال إطرائه وثنائه وتوجيه الزبائن نحوك.

الزبون الذي تعامله بالإحسان سيعاملك بالإحسان كذلك, ولن ينتهي الأمر عند حدّ إتمام الصفقة, ومصلحتك كذلك لن عند حدّ بل ستخترق عالم النجاح بسرعة مدهشة.

ولا تقصد هنا أبداً أن تبيع بخسارة لإرضاء الزبون بل أن تأسره بمعاملة ساحرة لم يعتد عليها من خلال هديّة مثلاً ولو كانت بسيطة ومن خلال توقيت أقل بكثير ممّا تمّ الوعد به, فالمقصود هنا هو عنصر المفاجئة بشيء لم يكن متوقّعاً, لأنّ مثل هذه المفاجئات السارّة هي نادرة في عالم المال.

أمّا المحسنون في الآخرة فهم قلّة وهم من أعلى الناس درجات !

النقاط التي تمّ عرضها خلال السلسلة هي نقاط تمّت دراستها وتطبيقها على مصالح محلّيّة وعالميّة وقد لا تنطبق على مصلحة بعينها ولذلك تجدر الاستشارة قبل الإقدام على تطبيق أيّ خطوة عمليّة !

المصدر :

موقع فلسطينيو 48 www.pls48.net