مقال : زكاة الأنعام – د. رفيق المصري

زكاة الأنعام
هل نفقات العلف تنقص نماء الأنعام أم تزيده ؟

بقلم : رفيق المصري

 جاء في الحديث الشريف أن ” في صدقة الغنم ، في سائمتها ، إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة ( 40 – 120 ) ، شاة ” ( صحيح البخاري 2 /146 ) ، وأن ” في كل سائمِة إبلٍ ، في كل أربعين ، بنت لبون ” ( سنن أبي داود 2/129 ) .

 المعلوم أن جمهور الفقهاء يفرضون الزكاة على السائمة دون المعلوفة ، ويرون أن نفقات العلف تستغرق نماءها ، بمعنى أنها تقضي عليه أو تجعله قليلاً ، فوجب إعفاؤها من الزكاة ، لأن الزكــاة إنما تفرض على الأموال النامية . والأموال النامية هي التي ليست قنية ( للاسـتعمال الشخصي والعائلي ) ولا ضِمارًا ( مالاً معجوزًا عن تنميته ، كالضائع والمغصوب ) ولا قليلة النماء ، لأن النماء القليل في حكم المعدوم .

 لكن المالكية يفرضون الزكاة على المعلوفة أيضًا ، ويرون أن ذكر السائمة في الحديث إنما خرج مخرج الغالب ، لأن الغالب في الأنعام ، في أرض الحجاز ، السَّوم . هذا هو المتداول غالبًا بين العلماء ، في القديم والحديث .

 غير أني رأيت في بعض كتب الحنفية أن المالكية يحتجون أيضًا بأن نفقات العلف تزيد نماء الأنعام ، ولا تنقصه . قال في الذخيرة : ” العلف يضاعف الجسـد ، والعمل يضاعف المنافع ” .

 المشكلة في حجة المالكية أن الزروع والثمار يؤخذ فيها العشر إذا كانت بعلية ( بدون نفقات ري ) ، ونصف العشر إذا كانت مسقية . ففي الحديث أن ” فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريًا ( بعليًا ) العشر ، وما سُقي بالنضْح  نصف العشر ” ( صحيح البخاري 2/155 ) . وهذا يعني أن للنفقة أثرًا في تقليل النـماء ، ومن ثم في مقدار الواجب ( معدل الزكاة ) ، وهذا عند المالكية والجمهور .

 أم أن لنفقات السقي ، عند المالكية ، ما ليس لنفقات العلف من تأثير على النماء ؟هل يمكن أن يكون لنفقات العلف تأثير إيجابي في نماء الأنعام ، وأن يكون لنفقات السقي تأثير سلبي في نماء  الزروع والثمار ؟

 لماذا قبل المالكية بالسقي ولم يقبلوا بالعلف ؟ لماذا قبلوا بانخفاض الزكاة في الزروع ، لقاء نفقات السقي ( من العشر إلى نصف العشر ) ، ولم يقبلوا بانخفاض الزكاة ( إلى الصفر ) في المواشي ، لقاء نفقات العلف ؟ يلاحظ هنا أن معدل الزكاة في الزروع 10% ، في حين أن معدل الزكاة في الأنعام 2-2.5 % في المتوسط ، فكان في المعدل الأول سعة للهبوط من 10% إلى 5% ، أما المعدل الثاني فقد  هبط إلى الصفر ، لانخفاضه النسبي أصلاً .

 ما الفرق هنا بين نفقات العلف ونفقات السقي ؟ والسؤال متوجه إلى المالكية . لم أجد من طرحه ، ولا من أجاب عنه ، حتى الآن .
 
 ويلاحظ أن الشارع قد راعى أمر النفقات في الزكاة من خلال المعدل ، فإذا لم تكن هناك نفقة كان المعدل مرتفعًا ، وإذا كـانت هناك نفقة انخفض المعدل ، كما في زكاة  الزروع ، وربما وصل إلى الصفر ، كما في زكاة الأنعام ، لاسيما وأن الزروع والثمار والأنعام أموال ظاهرة ، والنفقات أمر باطن ، فإذا دخل الباطن على الظاهر صار الظاهر باطنًا ، ويبدو أن الشارع لا يميل إلى هذا ، رغبة في عدم تدخل السعاة في الأمور الباطنة ( السرائر ) ، وعدم تفتيش المكلفين وإزعاجهم . 

 على أنه أيًا ما كان الأمر ، إذا أخذنا بمذهب المالكية في زكاة السائمة والمعلوفة معًا ، فإنه لا بد من تنـزيل نفقات العلف ( ما يعادلها من الرؤوس ) من وعاء الزكاة ، حتى يتحقق العدل بين أرباب السائمة وأرباب المعلوفة ، والله أعلم .

المصدر :

موقع الدكتور رفيق المصري