مقال: المشتقات المالية من منظور إسلامي – نضال السيد

مقال:

المشتقات المالية من منظور إسلامي

نضال السيد

موقع المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية

الرابط: http://www.cibafi.org/NewsCenter/Details.aspx?Id=11333&Cat=12&RetId=0

توطئة:

منذ أن ظهرت المشتقات في الغرب قبل قرابة القرنين، أثارت ولا تـزال الكثير من الجدل حول مشروعيتها، سواء من الناحية الإسلامية أو القانونية أو الاقتصادية. فبحسب القانون فإن العقود المؤجلة التي لا يراد منها التسليم أو التسليم غير مأمون النتائج وإنما التسوية على فروق الأسعار تعد من الغرر الفاحش والرهان والقمار، الذي لا يعترف به القانون العام والإسلام. ومن ناحية اقتصادية فإن هذا التعامل لا يختلف عن القماروالميسر لأنه لا يولد قيمة مضافة بل مجرد مبادلة يربح منها طرف ويخسر الآخر، بل قد يكون أسوأ أثراً من القمار، لأنه يتعلق بسلع وأصول مهمة ومؤثرة في النشاط الاقتصادي ويتضرر من جراء تقلباتها الكثير من الناس.

ولهذا لم يكن غريباً أن أكثر مجموعات الضغط نشاطاً في السابق ضد المشتقات هم المشتغلين في القطاع الزراعي، إذ كانوا أكثر الفئات تضرراً من هذه التقلبات. وقد جرت في الماضي عدة محاولات في الكونجرس الأمريكي لمنع المستقبليات، خاصة على السلع الزراعية، أخفقت كلها.

ولكن المدافعون عن المشتقات يرون أنها أدوات لنقل المخاطر من الوحدات المنتجة كالشركات والمؤسسات التي لا ترغب في تحمل مخاطر الأسعار إلى الوحدات القادرة على تحمل هذه المخاطر، وهي المؤسسات المالية وبيوت السمسرة الكبيرة، وبذلك ترتفع إنتاجية الوحدات الاقتصادية ومن ثم مستوى الرخاء الاقتصادي. وهذه العملية هي ما يسمى بالتحوط Hedging، أي تحوط الشركات والمؤسسات للمخاطر وتجنبها. لكن المعارضين يقولون إن المشتقات هي نفسها أدوات المجازفة والرهان على تقلبات الأسعار والاسترباح من ذلك. وواقع الأمر أن المجازفة هي الغالبة على المشتقات، حيث تبلغ نسبة العقود المستخدمة بغرض المجازفة وفق الإحصائيات الرسمية أكثر من 95% من إجمالي العقود، بينما تقتصر أغراض التحوط على أقل من 5%. فالمشتقات أدوات للمجازفة والرهان أكثر منها أدوات للتحوط.

ففي عام 1997 فقد أجاز المجلس الشرعي الاستشاري (ساك)- للجنة الأوراق المالية في ماليزيا، العقود الآجلة على زيت النخيل الخام المسموح وبما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
ثم في عام 1998 ، أجازت التداول على مؤشر الأسهم الآجلة بما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية وقوانين تداول الأوراق المالية طالما أن الشركات المكونة لهذه المؤشرمتوافقة مع المعايير الشرعية المعتمدة.

المشتقات المالية في الإسلام

أما الفقه الإسلامي فقد كان أكثر عمقاً وأسد نظراً حين ربط حكم الغرر بمقصود المبادلة أصلاً، سواء وقع التسليم أو لم يقع. فالتسليم نتيجة طبيعية لمقصود المبادلة، فإن كانت المبادلة تحقق مصلحة الطرفين تحقق التسليم، وإلا فلا معنى بالمطالبة بالتسليم والقبض إذا لم يكن ذلك يحقق مقاصد الطرفين، بل يصبح ذلك عبئاً وتكلفة دون مقابل، كما أشار لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ولهذا لما انتفت مصلحة الطرفين في المشتقات من تسلم السلع محل الاشتقاق، صار التعامل بها ينتهي إلى التسوية على فروق الأسعار، إذ ليس المقصود هو الانتفاع بالمبيع أو استغلاله وإنما تبادل المخاطر فحسب.

وإذا كانت التسوية على فروق الأسعار من الربا لأنها نقد بنقد مع التفاضل والتأخير، صار تحريم المشتقات ثابتاً من جهتين:

أولا:  كونها غرراً ، ثانيا: تؤدي إلى الربا. وهذا مما يبين كمال الشريعة المطهرة حين حرمت الأمرين، وحين ربطت الأحكام بالمقاصد وليس مجرد الإجراءات الشكلية.

أدوات المشتقات المالية في التمويل الإسلامي

هناك مجموعة من العقود في مجال التمويل الإسلامي والتي يمكن استخدامها كبديل مشروع للمشتقات التقليدية والتي تسهم في تخفيف أثر المخاطر الإستثمارية بما يحقق الأهداف المرجوة للمستثمر ، ومنها عقد السلم والإستصناع، والعربون، والإستجرار، والمبادلات الإسلامية Islamic Swaps) )، وخيار الشرط والوعد والجعالة ، وعلى الرغم أن هذه الأدوات الإسلامية المشروعة لا تحاكي المشتقات التقليدية كلّيا، ولكنها توفر قدرا كبيرا من المرونة التي تؤدي إلى تقليل نسبة المخاطرة بما يحقق مقصدا شرعيا رئيسا للشريعة الإسلامية (الا وهو حفظ المال).

وحيث أن جميع عقود المشتقات المالية الإسلامية حاليا يتم تداولها ضمن القطاع الخاص وعن طريق التفاوض المباشر بين الأطراف ذات العلاقة وبدون معايير وضوابط موحدة،فإننا نرى استمرارية المشكلة وضرورة توحيد هذه المعايير لتحقق جانبا من الشفافية والوضوح للمتعاملين بما يحقق مقصود الشارع من تحقيق العدل والبعد عن أسباب الغرر الفاحش. ،  ولن يتأتّى هذه المقصود إلا من خلال بورصة لتداول أدوات وعقود المشتقات المالية الإسلامية، والتي يتضح من خلالها جميع جوانب العقد ، أي السعر والمدة والنوعية والكمية ، وبكل شفافية ، ويتم من خلالها تحقيق معايير المراقبة والتنظيم من قبل الجهات التنظيمية والشرعية المختصة.
والله أعلم
نضال السيد
باحث لدى الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية (إسرا)