مقال: الاقتصاد الإسلامي في مواجهه الأزمات المعاصرة – هايل طشطوش

        لم تكن رسالة الإسلام جزئية أو ناقصة أو قاصرة بل كانت شاملة عامة احتوت على كل ما يتعلق بجوانب الحياة كافة من سياسية واجتماعية ولم يكن الجانب الاقتصادي عنها ببعيد ، حيث حظي الاقتصاد بكافة مفرداته باهتمام كبير في شريعة الإسلام ومنهجه وذلك لما للمال-الذي هو جوهر الحياة الاقتصادية –  من أهمية كبرى في حياة الإنسان على وجه هذه البسيطة فهو طريقه إما إلى الجنة وإما إلى النار ، ومن اجل ذلك فقد بينت الشريعة الغراء كل ما يحيط بالحياة الاقتصادية من جوانب وتفاصيل ووضعت لها الأحكام التي لا لبس فيها وهي التي شكلت عناصر القوة في الاقتصاد الإسلامي والتي مكنته من الثبات والرسوخ على ذات النهج منذ ذلك الوقت إلى قيام الساعة مع الأخذ بالأسباب والتجاوب بكل مرونة مع مقتضيات العصر بما لا يخرج عن الثوابت والأساسيات الاقتصادية الإسلامية التي بينها القران الكريم والسنة النبوية المطهرة .

وقد ارتكز الاقتصاد الإسلامي على ثوابت وأسس مكنته من مقاومة الأزمات والتغلب عليها بل جعلته هو الملاذ الوحيد والمخرج الأخير منها ومن ابرز هذه المرتكزات ما يمكن تلخيصه بما يلي:

أولا : تحريم الربا والفائدة : حيث حرمت الشريعة الربا وغلظت تحريمه وقد ورد ذلك في القران الكريم والسنة المطهرة قال تعالى :” واحل الله البيع وحرم الربا ” ، وقد ثبت بالدليل القاطع أن سبب الأزمات المالية التي تعاني البشرية من ويلاتها اليوم هو الفائدة التي لا يكاد يخلو منها الاقتراض والائتمان في البنوك الربوية في ظل النظام الرأسمالي القائم على الفائدة كأساس لتجميع الأموال وتركيم رؤوس الأموال ، وقد كان تحريم الفائدة هو الأساس المتين الذي قام علية الاقتصاد الإسلامي وهو ما دفع الكثير من الاقتصاديين الرأسماليين حول العالم إلى المناداة بالعودة عن نظام الإقراض الربوي وإتباع الطريقة الاقتصادية الإسلامية في التمويل والإقراض .وقد رأى كثير من الاقتصاديين الغربيين أن سعر الفائدة الذي يساوي صفر هو الامثل والأفضل لإنعاش الواقع الاستثماري وبالتالي إنعاش الوضع الاقتصادي برمته من خلال تحسن عملية العرض والطلب كما أنها تعد في رأي جمهور من الاقتصاديين الغربيين، السبب الرئيس في سوء تخصيص واستخدام الموارد، وبالتالي تعد مسئولة عن “عدم الاستقرار” النقدي والمالي والاقتصادي في الاقتصاد المعاصر .

ثانيا :تحريم الاحتكار لأن الاحتكار هو أساس الأزمات الاقتصادية فهو المحرك والباعث نحو قيام التضخم أو الكساد والركود لأنه عملية تحكم بعرض النقد والسلع بما يعود بالنفع على المحتكر وحرمان البقية من خيرات المال والانتفاع به  ، وهو محرم في الاقتصاد الإسلامي لان (كل محتكر خاطئ) أي آثم ، أضف إلى ذلك أن الإسلام منع الاكتناز والإسراف والتبذير والتقتير، والتطفيف والبخس، والغش والتدليس، والرشوة والمحسوبية،  ..

ثالثا: بيع الدين بالدين والمضاربة بالأموال : حيث لا يجوز بيع الدين بالدين-لأنها معاملات لا أخلاقية –  وهذا ما سبب قيام الأزمة المالية الحالية حيث تم تسنيد –تحويلها إلى سندات- أي “توريق ” الديون المشكوك فيها (الرديئة) من خلال فائدة كبيرة وغرر (جهالة) وفي ذلك مخاطرة منعها الاقتصاد الإسلامي حتى لا يحدث العجز عن السداد او يحدث العجز عن توفير السلعة لصاحبها . والمضاربة بالأموال أيضا من الأسباب البارزة التي اعترف الاقتصاديون بأنها كانت وراء ظهور الأزمة المالية العالمية ، حيث لا يجوز بيع النقود والمتاجرة بها لأنها ليست المقصودة بذاتها بل هي وسيلة إلى المقصود وهو  تحقيق المنفعة من خلالها لأنها خلقت للتداول وليست سلعه كباقي السلع ، والاتجار بالنقود طريق مؤدي إلى المعاملات الوهمية والتي  تنافي الركيزة الأساسية التي قام عليها الاقتصاد الإسلامي وهو انه اقتصاد أخلاقي بالدرجة الأولى .

رابعا:غياب الرقابة والإشراف وتقليص دور الدولة في الإشراف والمتابعة للعمليات المالية وهو ما بادرت له المؤسسات المالية الكبرى حين عانت من العجز والإفلاس وهو الارتماء في حضن الدولة وطلب المساعدة منها للإنقاذ ، والإسلام يجعل للدولة وظائف اقتصادية جمة إضافة إلى وظائفها السيادية وهيبتها كقّيم على الأفراد والمؤسسات . إن غياب الرقابة جعل البنوك تتمادى في عملية التمويل والائتمان من خلال منح البطاقات الائتمانية التي تدفع بصاحبها إلى الاقتراض الربوي وتركيم الفوائد علية وبالنهاية عجزة عن السداد ثم انفجار الأزمة .

     لقد تخلص الاقتصاد الإسلامي من كل هذه الأمراض بل حمل معه الدواء والحل الامثل للبشرية لإنقاذها مما تعاني من أزمات مالية واقتصادية حيث اعتبر أن تجارة الدّين بالدّين( الربا) في البنوك ، والمقامرة في البورصات ، والبيع ما ليس عند الإنسان، والبيع مالم يقبض يعني (أي قبض المُبيع فعلياً وليس ورقياً) وغيرها من المعاملات الوهمية كلها مرفوضة في  الاقتصاد الإسلامي ويقابلها الحل الذي يقوم على  أساس التمويل الذي  يقوم على المشاركة في الربح والخسارة بين المُمول والعميل علي قاعدة ( الغنم بالغرم) بعيداً عن الربا ومجالات الاستثمار الضارة والخبيثة . ومن الأدوات التي يتمّ إستخدامها في ذلك هي  صيغة  المشاركة ، المضاربة ، المرابحة—والسلم- والإستصناع – وغيرها وهي صيغ معروفة في الفقه الإسلامي وهي أدوات تناسب التمويل لكل  الفئات فضلا عن الخدمات المصرفية الأخرى المبنية بغاية الدقة والإتقان شريطة أن تكون منسجمة مع الضوابط الشرعية .

نشرت في الرأي العدد 14352