مقال: أزمة دبي العالمية – ملهم الجزماتي

أزمة دبي العالمية – ملهم الجزماتي

مقدمة:

شهدت دبي في العقدين الأخيرين تطورا هائلا في مجال التكنولوجيا, حيث أنجزت هذه الإمارة انجازات ضخمة على مدى عشرين عاما ما كانت أن تتم في قرن كامل, فبرج العرب وجزر النخيل الصناعية ومترو دبي….الخ انجازات حققتها دبي يشهد لها العالم وباتت حديث العالم برمته في العقد الأخير, وكان القائد لهذا التطور الذي شهدته دبي هو مجموعة دبي العالمية وهي شركة استثمارية مقرها دبي مملوكة بالكامل لحكومة دبي ولكن بالمقابل تحملت هذه الإمارة الصغيرة الصحراوية مخاطرة كبيرة والتي تجسدت بالأزمة التي تشهدها مجموعة دبي العالمية اليوم.

ومن الضروري قبل الحديث عن هذه الأزمة وعن أسبابها وآثارها وحلولها التعريف بمجموعة دبي العالمية.

مجموعة دبي العالمية: هي شركة استثمارية مقرها دبي, وتشمل استثمارات الشركة أربعة مجالات أساسية وهي: النقل والخدمات اللوجستية، الأحواض الجافة والخدمات الملاحية، التطوير الحضري، والاستثمار والخدمات المالية.

كما تشمل محفظة  أعمال  دبي العالمية عدداً من أشهر الشركات وأبرز المشاريع على المستوى العالمي,  وتضم هذه المحفظة على سبيل المثال:

  • موانئ دبي العالمية: إحدى أكبر شركات تشغيل المحطات البحرية في العالم، والأحواض الجافة العالمية ومدينة دبي الملاحية اللتين تهدفان إلى جعل دبي مركزاً رائداً لصناعة السفن والخدمات البحرية.
  • عالم المناطق الاقتصادية: التي تتولى تشغيل العديد من المناطق الحرة حول العالم، بما فيها المنطقة الحرة لجبل علي في دبي.
  • نخيل: شركة التطوير العقاري التي تقف وراء مشاريع عقارية فريدة من نوعها مثل جزر النخلة وجزيرة العالم.
  • ليمتلس: شركة التخطيط العقاري العالمية والتي تتولى عدة مشاريع تطويرية في بقاع مختلفة من العالم
  • ليجركورب: المجموعة الاستثمارية العاملة في مجال الرياضة العالمية والترفيه والتي تسعى إلى إعادة تعريف الصناعة من خلال استطلاع الفرص القيمة في مجالات الاستثمار والتطوير.
  • دبي العالمية أفريقيا: التي تشرف على التطوير الإقليمي ومحفظة متنوعة من الاستثمارات في القارة السمراء.
  • استثمار العالمية: الذراع الاستثماري للمجموعة والتي تتمتع ببصمة عالمية في مجال التمويل ورؤوس الأموال والترفيه والطيران بالإضافة إلى العديد من مشاريع الأعمال الأخرى.

 

إذا ما الذي حصل في دبي؟

هذه الأزمة ليست الأولى التي ضربت دبي عموما ومجموعة دبي العالمية خصوصا, فعلى مدار العقد الأخير نجد العديد حالات التعثر المالي قد عانت منها مجموعة دبي العالمية, فتكون إمارة أبو ظبي المنقذ المعتاد لدبي عندما تقوم بإقراضها لتسديد ديونها.

عندما أدركت مجموعة دبي العالمية بأنها مقبلة على تعثر مالي شديد في أواسط العام الماضي طلبت من إمارة أبو ظبي إقراضها مبلغ 9 مليار دولار, ولكن أبو ظبي امتنعت عن إقراضها مما اجبر مجموعة دبي العالمية على الطلب من دائنيها في 14 كانون الأول 2009 بتأجيل استحقاق ديونهم المتمثلة في صكوك أصدرتها شركة النخيل  6 أشهر الأمر الذي أدى إلى إشعال فوضى كبيرة, مما أدى إلى إعلان مجموعة دبي لاحقاً أن كلاً من “نخيل” و”ليملس” العقاريتين ستخضعان لإعادة الهيكلة، وستطلبان إعادة جدولة ديونهما البالغة 26 مليار دولار, الأمر الذي شكل الصدمة الكبرى على العالم لما لهذا الأمر من تأثيرات على الاقتصاد العالمي.

أسباب الأزمة:

بالنظر مليا إلى الأسباب المؤدية لهذه الأزمة نجد مايلي:

1-    التوسع الكبير الغير مدروس بحجم الاقتراض, فسوء سياسة الاقتراض التي اتبعتها مجموعة دبي العالمية كان لها الأثر الرئيس والكبير في إشعال فتيل الأزمة في دبي.

2-    التوسع الغير مدروس في حجم الاستثمارات بأموال الغير.

3-    انخفاض كبير في الطلب على الاستثمارات في دبي عن حجم الاستثمارات الموجودة, إذ كانت قيمة القروض وفوائدها أكبر بكثير من عوائد الاستثمارات العقارية.

4-    عدم تسديد المشترين المستحقات المتبقية عليهم اثر الأزمة المالية العالمية وبالتالي تحملت حكومة دبي كامل نفقاته ما أوقع المشروع في هذا العجز الكبير مع انخفاض قيم أصوله بنسبة 50 في المائة في بعض الحالات.

5-    عدم تدخل إمارة أبو ظبي في إعانة دبي والذي أدى إلى إعلان الأخيرة عن التعثر المالي وعدم قدرتها على السداد.

وبالنتيجة نجد أن هناك توسعا كبيرا للاستدانة من جانب مجموعة دبي العالمية, والذي أعقبته أزمة مالية عالمية أثرت على عوائد وقيم استثمارات دبي العالمية وزادت من حجم الأزمة أن حجم الاستثمارات في دبي قد يكون يسير بوتيرة أسرع من حجم الطلب عليها.

 

تداعيات أزمة دبي العالمية

مما لا شك فيه فإن وزن دبي المالي والاقتصادي هو بالقوة الكافية الذي يجعل أزمتها ذات آثار دولية واضحة. تململ الأسواق المالية من آسيا حتى الولايات المتحدة نزولا وصعودا منذ الإعلان عن طلب تأجيل دفع الديون مؤشر أساسي على هذا التأثير.

لذلك نفرق بين آثار داخلية تتعرض لها إمارة دبي وآثار خارجية تمتد لخارج إمارة دبي.

أولا: التداعيات الداخلية:

1-    نمو الدين الخارجي الترتب على إمارة دبي, الأمر الذي قد يؤدي إلى تضخم الدين السيادي مما قد يجبر البنك المركزي على إتباع سياسة التضخم المالي.

2-    تسريح عدد كبير من الموظفين, وتجميد عددا لا بأس به من الاستثمارات الأمر الذي له انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي في دبي.

3-    بيع معظم الأصول المملوكة لمجموعة دبي العالمية لتجميع السيولة الكافية لمواجهة دائنيها.

4-    أنّ كلفة الاقتراض من المصارف بدأت ترتفع ما يعني تباطؤاً في الاستثمارات، وصعوبة الانطلاق في السوق إلى حين عودة التوازن والاستقرار

5-    خسرت بورصة دبي وحدها ما يفوق 70% من قيمتها بالتزامن مع انهيار العقارات حيث تراجعت بعض الأسعار بنسبة تقارب 60%.

6-    انخفاض التصنيف الائتماني لستة شركات تابعة لمجموعة دبي العالمية منها ” سلطة موانئ دبي العالمية” (DPW) و”هيئة كهرباء ومياه دبي”، وكذلك العملاق العقاري إعمار.

ثانيا: التداعيات الخارجية

1-    أدت الأزمة في دبي إلى اتجاهات سلبية لمؤشرات أسواق المال العالمية:

  • فقد تراجعت مؤشّرات هذه الأسواق في كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بنسبة تقارب 2.2%.
  • وقبل جلسات الأسواق الغربيّة، حظي الشرق بحصّته من التراجع، حيث تراجع مؤشّر بورصة شنغهاي بنسبة 3.6% وهو التراجع الأكبر المسجّل منذ 31 آب 2009 .

2-    وبدا لوهلة أنّ عالم المال يدخل مجدّداً في دوّامة ائتمانيّة جديدة، حيث ارتفعت كلفة التأمين على المبالغ المقترضة إلى مستويات مرتفعة. فكلفة اقتراض 10 ملايين دولار في دبي على سبيل المثال أضحت 500 ألف دولار.

3-    عدلت شركة التصنيف الائتماني  Standard & Poor’s تصنيف أربعة مصارف صوب الهوامش السلبية مرتبطة بمجموعة دبي العالمية.

4-    مع هبوط مؤشرات أسواق المال والأوراق المالية العالمية كان المضاربون يتجهون إلى شراء الذهب ففما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الذهب فقد وصل سعر أونصة  الذهب إلى 1196 دولار.

5-    فقدان الثقة عالميا بمجموعة دبي العالمية وبالتالي انخفاض الاستثمارات العالمية في دبي على المدى الطويل, إضافة إلى تخوف كبير لدى المصارف العالمية إلى إعادة إقراض مجموعة دبي العالمية.

الحلول المقترحة لعلاج أزمة دبي العالمية

1-    بحسب وكالة موديز العالمية للتصنيف الائتماني  يجب على مجموعة دبي بيع المزيد من أصولها لمواجهة ديون مقدارها 22 مليار دولار.

2-    الاستمرار بجدولة منظمة للديون ابتداء من 2010.

3-    الشفافية الكاملة التي كانت غائبة حول الأوضاع المالية لمجموعة دبي العالمية, والعمل بالشفافية في إعادة الجدولة لديون مجموعة دبي.

4-    تدخل إمارة أبو ظبي بصندوقها السيادي لمساعدة دبي في دفع الديون المترتبة عليها, ولكن هنا يجب الانتباه أن على إمارة دبي إن نشتغل هذا الدين استغلالا موجبا وإلا سوف تزيد الأمور تعقيدا وتدخل في مديونية أكبر.

5-    بحسب عدنان يوسف رئيس مجموعة البركة للصيرفة الإسلامية ف‘ن على مجموعة دبي العالمية أن تسدد قيمة الصكوك القديمة وتصدر صكوكا جديدة.

أي أن على مجموعة دبي العالمية أن تجد الصيغة المناسبة لتصالح بها دائنيها, ويجب عليها أيضا إن تكشف جميع أوراقها و الاستمرار بإعادة جدولة ديونها بشفافية كاملة.

بقي لي أن أذكر أخيرا أننا يجب أن نفرق بين إمارة دبي ومجموعة دبي العالمية حيث أن الأخيرة هي شركة مملوكة للحكومة ولا تمثل الحكومة في دبي.