العمل الخيري بين التشريع والتطبيع – د. محمد بن عبد الله السلومي

 

 

 

 

العملُ الخيريّ بين التّشريع والتّطبيع

د. محمد بن عبدالله السلومي

    18/5/1425        
06/07/2004

ـ ورد في سُنَن النّسائي وغيره : عن رسول الله –صلّى الله عليه وسلم- أنّه قال: (سبق درهم مائةَ ألفِ درهم ! ) قالوا يا رسول الله : وكيف ؟ ! قال : ( رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدّق به ، ورجل له مالٌ كثيرٌ ، فأخذ من عُرض ماله مائة ألف ، فتصدّق بها ) .
حيث هنا تتأكّد أهميّة المشاركة بالدّرهم وأنّه يسبق أحياناً مائة ألف درهم .
ـ وورد في سنن أبي داود : قوله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الصّدقة جُهْدُ المُقِل ، وابدأ بمن تَعُول )
ـ وورد في سنن الترمذي : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ( مَنْ دلّ على خير فله مثل أجر فاعله أو قال عامله ) .
ـ كما ورد في صحيح الجامع ( البيهقي وابن أبي الدّنيا) :
قال رسول الله –صلّى الله عليه وسلم-: ( أفضل الأعمال أنْ تُدخل على أخيك المؤمن سرورًا ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطعمه خبزاً ) .
هذه الأحاديث وغيرها كثير تؤكد أنّ أعمال الخير والبرّ في ديننا الإسلاميّ تقوم على التنوّع والتعدّد في الوسائل والغايات ، كما تقوم على إشراك وتجييش كلّ الأمّة صغيرها وكبيرها ذَكَرها وأُنْثاها ، بل تقوم على مشاركة الفقراء ليس من خلال احتياجهم ولكن من خلال عطائهم الماديّ اليسير ومشاركتهم المعنويّة ، كما أنّ الذي لا يجد من الخير الماديّ شيئاً فإنّ عليه أن يُشارك في الدّلالة عليه : ( من دلّ على خير فله مثلُ أجر فاعله ) وإذا كان هذا هو الحال فإنّ هذا له متطلباته في المجتمع المسلم من ميلاد كل أنواع المؤسّسات والجمعّيات الخيريّة التي تُعنى حتى بإدخال السّرور على كل مسلم ومسلمة .
وهي دعوة إلى إيجاد كل ما يحقّق الخيريّة لأمّة محمد –صلى الله عليه وسلم- من مراكز التّدريب والتّطوير والإسعافات، بل ومراكز التّرفيه النّظيف والمُؤسّسات المتخصّصة في معالجة كل جوانب الفقر، وليس فقط فقر الغذاء والدواء، بل فقر العلم والمعرفة وفقر الصّناعة والتّقنية الذي هو من القوّة المطلوبة للأمّة الإسلاميّة .
إنّ هذه الأحاديث وغيرها تؤكد على مشاركة المُقِلِّين والمعسرين وهذا يؤكد على أهميّة تواجد وزيادة أعداد صناديق التبرعات في كل مسجد ومدرسة وسوق لاستيعاب كل جهد مُقِل وكل صاحب درهم، وتكون المشاركة حتى باليسير ومتاحاً للصغار والطلاب والفقراء ، فقد يكون الطرف المُعْطِي أحوج للخير والمشاركة من الطرف الآخذ, وهذا ما تعمل به جميع الأمم والدول حتى في الفنادق والطائرات والمطارات ودور العبادة بل وعلى الشبكات المعلوماتيّة وفي القنوات الفضائيّة كحق قانوني للمُعطي والآخذ والخطأ المحتمل هناك يُصحّح ويُعالج.
وحينما نأخذ بمبادئ السيرة النبويّة ونعمل بالسّنة النبويّة فإنّ القطاع الخيريّ في الإسلام قد يصل من حيث الموارد الماليّة وتلبية احتياج حقوق الإنسان إلى أن يكون هو القطاع الأول من قطاعات التنمية الرّئيسة الثلاثة للدولة ( القطاع الحكوميّ والقطاع التجاريّ الخاص والقطاع الخيريّ ) وذلك من حيث الترتيب ؛ لأنّ الحضارة الإسلاميّة عبر التاريخ نتاج هذا القطاع حتى كان موقعه الإداريّ والتنمويّ قبل القطاع الحكوميّ والقطاع التجاريّ . وقد تمّ تغييب القطاع الخيريّ الإسلاميّ من موقعه الإداري والاعتباري في دول العالم العربي منذ عام 1224هـ زمن “محمد علي باشا” حينما أمّم العمل الخيري بتأميم الأوقاف والمساجد وأنظمتها وذلك بمشورة بعض الخبراء الفرنسيين وأصبحت الأعمال الخيرية من مسؤولية الدولة مع أنها حق للأمّة على الأمّة لتتفرّغ الدّولة للأمن الداخلي والخارجي. وبهذا التأميم والتّرسيم أُعطيت الأعمال الخيريّة فضول المواقع الإدارية، والأوقات والأموال لتعطي فضول النتائج بل وأصبح هذا القطاع بغياب مفاهيمه الإدارية والمؤسّسية الصحيحة التي تعطيه الصّفة الاعتباريّة والاستقلاليّة غائب عن الشّراكة في عمليّات التّنمية منذ ذلك الوقت . وحينما بدأت المؤسّسات الخيريّة الإسلاميّة في العالم أجمع لاستعادة شيء من هذه المكانة، وهي لازالت وليدة وفي طور الحضانة ماديّاً وإداريّاً كانت ( دعاوى الإرهاب ) جاهزة ومُعلّبة للإجهاز عليها .
ويكفي أنْ نعلم أن هذا القطاع في دول الشمال قد تم تطبيعه في كل مجالات الدولة والأمّة من دراسات وأبحاث ومناهج وجامعات وتطوّع وتبرّعات وبكل الوسائل, كما أنّ لهذا القطاع مُسَمّيات في ظلّ الإدارة الحديثة لأيّ دولة من الدول المتقدّمة مادياً، ولكل اسم دِلالات معيّنة وهامّة ومنها :
1- القِطاع المستقل ( Independent Sector ) ويُرمز له ( IS )
2- قِطاع المنظّمات غير الحكومية : ( Non Government Organization ) ويُرمز له : ( NGO )
3- قِطاع المنظّمات غير الربحيّة ( Non Profit Organization ) ويُرمز له (NPO )
4- القِطاع الخيريّ ( Charitable Sector ) ويُسمّى كذلك (Philanthropy Sector ) كتخصّص دقيق .
إن الإدارة الحديثة للدولة والتي تعمل بها أمريكا ودول أوروبا وكثير من دول آسيا وبشكل عام كما يقال “دُول الشمال” كلها تعمل بمفهوم القطاع الثالث كقطاع شريك للقطاعين الآخريْن في عمليّات التّنمية , فيكون للقطاع الخيريّ جامعاته ومراكز بحوثه ودراساته ومستشفياته وشركاته الاستثمارية ومدارسه ليقوم بمساندة القطاع الحكوميّ وسدّ ثغراته, كما يقوم بالحد من جشع وطمع القطاع الخاص التجاريّ ” كعملية توازن ” والعمل وفق هذه الحقيقة الإداريّة هو الذي تطبقه الإدارة الحديثة للدولة في معظم دول العالم وهو التطبيع الذي تعمل به تلك الدول، كما أنّه لا يخرج عما رسمته السّيرة النبويّة وشرَّعته السّنة النّبويّة بدون تعسّف في فهم النصوص الواردة في هذا الشّأن، بل وكان العمل به عبر القرون السّابقة كما سبق.

 

المصدر : اسلام اليوم

http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?id=37&catid=188&artid=3942